عام >عام
مقتل 8 نساء بأقل من شهرين.. "غير هيك ما حدا رح يتربّى"
السبت 27 01 2018 10:33شهدت الولايات المتّحدة أكبر محاكمة تحرّش جنسي في تاريخها، بطلها طبيب لبناني ــ أميركي لفريق الجمباز الأولمبي الأميركي، لاري نصار. حكم عليه بالسجن 175 عاما، بتهمة الاعتداء جنسياً على رياضيات ومريضات طوال عقود. أكثر من 100 امرأة وفتاة اتهمن نصار. منهن واجهنه في المحكمة بجرأة، وتحدّثن عن معاناتهن، حتى قالت له القاضية: "لقد وقّعت للتو على وثيقة وفاة. انت لا تستحق ان تخرج من السجن بعد الآن".
الدول المتحضرة التي تدرك تماماً قيمة الإنسان تتعامل بهذه الطريقة مع أمثال هذا المجرم. أما في لبنان حتى القاتل الذي يُحكم عليه بالمؤبد يُسجن حوالي 20 عاماً، وقد يخرج قبل انقضاء الفترة، وفقاً للوساطات. جرائم نصار لا تقل وطأة عمّا يشهده لبنان، خصوصاً مع ارتفاع منسوب الجرائم بحق النساء، تحديداً في الشهرين الأخيرين، إذ قتلت 8 نساء على يد أزواجهن، أمثال فادي الذي أقدم على اطلاق النار على زوجته ندى وأرداها قتيلة في رأس النبع, ناهيك عن المعنّفات، واللواتي تمكّنّ من النجاة.
"8 مش عدد" عنوان حملة جمعية كفى, كي لا تبقى النساء الضحايا مجرّد عدد, وحتى يتذكّر المجرمون والمسؤولون ان تلك النساء لديها عائلات, وحياة, وحقوق سُلبت منها على أيادي من لا يستحق الحرّية الممنوحة له. التجمع اليوم في ساحة النجمة أمام مجلس النواب, بهدف ايصال الصوت للمعنيين من قبل أهالي الضحايا, والنساء, وجمعية كفى, ان موجة العنف التي أصابت النساء في ظرف أقل من شهر ونصف لن تمر.
تشير منسقة التواصل في جمعية "كفى" ديالا حيدر في حديث لـ"ليبانون ديبايت" إلى اننا "لن نلعب دور العداد للضحايا, ونبقى صامتين حيال كل ما يحصل, فنساء قُتلن, ودُفنت معهن أسرار وقصص. قُتلن فقط لأنهن نساء ليس قضاء وقدر, وهذا ما لم يعد مسموحاً في هذا الزمن الذي سيطر عليه العنف البنيوي الممنهج ضد المرأة, مكرّساً بالقوانين, وبالتربية كما بالأعراف والتقاليد".
تحمّل حيدر المسؤولية لأكثر من جهة، وتتحدّث عن "تخاذل وتقاعس واهمال السلطات المعنية, التشريعية، والتنفيذية، وحتى القضائية بالتعامل مع قضايا النساء. والمطالبة الأساسية تكمن في إقرار تعديل قانون رقم 293 وهو قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري, الذي يُنتظر احالته الى مجلس النواب, حتى تتفعّل الحماية، بالإضافة الى تشديد وتفعيل العقوبة".
تناشد القضاء للإسراع في البت بقضايا محاكمة معنفي النساء, والمعتدين, وقتلتهن. وتؤكد ان "وزارة شؤون المرأة لا تتحمّل الأعباء وحدها كونها وزارة مستحدثة والتقصير عمره سنوات. لذا لا يمكن رمي المسؤولية على وزارة واحدة بل هي مشتركة تقع على عاتق الحكومة وتأخرها في احالة قرار تعديل القانون الى المجلس النيابي. وحتى خارج اطار تعديل القانون الحكومة مسؤولة لجهة رسم سياسيات عامة ترفع نسبة التمييز ضد المرأة، وعدم تحضير مشاريع قوانين لإلغاء التمييز وخصوصا في ما يتعلّق بقوانين الأحوال الشخصية، والعقوبات والجنسية".
تتساءل حيدر "ما الذي سيشكل رادعاً لمرتكب الجرم بحق المرأة، اذا كان زوج الضحية رولا يعقوب المتّهم منذ عام 2011 بجريمة قتلها لا يزال حراً طليقاً؟ وغيره، كان دخوله وخروجه من السجن كعابر سبيل لأسباب مبهمة وغير منطقية. ناهيك عن القضايا التي لم يصدر فيها قرار اتهامي بعد. وكأن لا يكفي المرأة الثقافة الذكورية التي تعيش فيها, والبيئة التي لا تؤمن بالمساواة مع الرجل حتى عبر ابسط حقوقها". وتدين البرامج التلفزيونية التي تساهم في زيادة الأمور تعقيدا, إذ تتعامل مع قضايا التعنيف ضد النساء باستخفاف وسخرية.
على الطرف الآخر، يجب على الدولة ان تقدّم شبكة أمان اجتماعي، وبيئة حاضنة منفتحة متفهمة، وشبكة أمان قانوني وقضائي، هذا الأمر الذي يوافق عليه وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان في حديثه لـ"ليبانون ديبايت" قائلا " يجب على القضاء ان يولي قضايا النساء أولوية وأهميّة ضمن قضاياه، وان يتّخذ أشد العقوبات الممكنة بحق مرتكبي العنف ضد النساء, حتى يدرك الجميع خطورة هذا الأمر, ورفض أية أسباب تخفيفية بذريعة أو بأخرى. والحل يكمن في أحكام صارمة وسريعة, تضع حداً لهؤلاء, والاّ ما حدا رح يتعلّم".
يشدد أوغاسبيان على أهمية الإرشاد والتوعية، وإدخال ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة, وخطورة العنف, والاعتداء, على المناهج المدرسية بطريقة ما, كون المجتمع تطور ونسبة المتعلمين زادت, واصبح من الممكن التأثير على الطلاب منذ الصغر. ولفت إلى مشروع تقوم الوزارة بدراسته بالشراكة مع المركز التربوي للبحوث من أجل ادخال ثقافة جديدة ترفض العنف والأفعال المشينة وتحاسبها.
في ظل عمل وزارة شؤون المرأة والجمعيات المعنية في سبيل مكافحة العنف على مستوى المؤسسات الدولية، والقانوني، والتربوي، وتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة, يبقى الاسراع بالمحاكمة وتشديد العقوبات العامل الأهم، الى جانب الحملات الاعلامية, والتوعية والتثقيف. والسؤال الأبرز، ما اذا كان لبنان سيتمثّل بتعامل الدول الراقية بمواجهة هذه القضايا, وهل ستنال النساء حقوقهن والمساواة يوما ما؟