عام >عام
الإعدام لقاتل العسكري الشهيد محمد حمية
السبت 3 02 2018 11:05هي لحظات مؤثرة ممزوجة بالغضب، تحكّمت بمشاعر كل من شاهد عملية إعدام الجندي الشهيد محمد حمية، مشاهد استعادتها المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن حسين عبدالله على شاشة داخل القاعة أثناء محاكمتها السوري علي لقيس الملقب بـ«أبو عائشة» قاتل الشهيد برصاصة في رأسه، فاستعادت معها تلك الحقبة التي حفرت بحبر الوجع أسماء شهداء الجيش في سجلات الشرف من الذين أُعدموا على يد تنظيمي جبهة النصرة وداعش الإرهابيين.
أربع سنوات وأربعة أشهر مروّا على تلك الجريمة، قبل أن تنطق المحكمة أمس بحكمها العادل على قاتل الشهيد حمية ليرقد بسلام إلى جانب رفاقه الشهداء ولو بعد حين، بحيث أنزلت عقوبة الإعدام بحق لقيس، وكل من المتهمين الفارين السوري جمال زينية المعروف بـ«أبو مالك التلي»، «أمير» جبهة النصرة الذي أعطى الأوامر بقتل حمية، واللبناني عمر صالح الملقب بـ«أبو الفاروق» الذي حضر العملية وسلّم المسدس للقيس.
في ذلك الشريط المصوّر، يظهر الشهيد جاثياً على قدميه وسط الظلام ينتظر الشهادة، ويتلقى رصاصة الغدر بشجاعة من القاتل، وذلك على مرأى من رفيقه العسكري علي البزال الذي استشهد من بعده، وكان صوت الأخير المتحشرج «يخرج» من الشاشة ليزيد من غضب هيئة المحكمة وتأثرها كما الحاضرين وهو يناشد «الحكومة اللبنانية..».
وحده لقيس كان يسترق النظر إلى تلك الشاشة، قبل أن يقاطع رئيس المحكمة معظم الوقت ليزعم بأنه: «ليس أنا، أنا بريء من قتل شهيد لبنان محمد حمية»، ليضيف «عندي شهود أني بريء»، ولكن سها عن بال القاتل أن رفاقه من الإرهابيين الموقوفين قد أكدوا في اعترافاتهم بـ«أن أبو عائشة هو نفسه علي لقيس منفّذ حكم الإعدام بحق حمية».
سبق كل ذلك، «استعراض» جديد للقيس، بعد «استعراضه» الأول في الجلسة السابقة عندما ضرب رأسه بشاحنة السوق لتعطيل محاكمته، فهو أصرّ على إمهاله الى يوم «الإثنين فقط» لتوكيل محامٍ مدني، بعد أن عيّن رئيس المحكمة محامياً عسكرياً للدفاع عنه، طلب منه لقيس «أن يعزل نفسه»، لـ«أنني أريد محامياً حيادياً».
وعلى «الحياد»، إذا جاز التعبير، وقفت المحكمة، خلال الجلسات العشر التي نظرت فيها في القضية من دون أن تتمكن من استجواب لقيس الذي عيّن محامياً للدفاع عنه، واستمهل مرتين قبل أن يعتذر وكيله عن المضي في المحاكمة ليُصار بعدها إلى إمهاله لتعيين محامٍ آخر، الأمر الذي لم يحصل وتبعه طلب من المحكمة إلى نقابة المحامين لتوكيل محامٍ ليأتي لقيس أمس وبعد أن «استنفد» جميع وسائل المماطلة ليطلب مهلة إضافية لتوكيل محامٍ مدني وحجته «أنا في السجن وبين أيديكم ولن أهرب».
بدا رئيس «العسكرية حازماً في قراره «الطلب مرفوض»، قبل أن يشير إلى أحد العسكريين لتشغيل الشاشة حيث ظهرت صورة المتهم: «نعم سيدي القاضي»، ردّ لقيس على سؤال لرئيس المحكمة عما إذا كانت تلك الصورة صورته، ليبدأ بمقاطعة الأخير مكرّراً مطلبه، ليعود العميد الركن عبدالله ويكّرر بدوره للمتهم ما آلت إليه الجلسات السابقة «وطلبك مرفوض».
إزاء إصرار رئيس المحكمة في المضي في الجلسة، لم يبق أمام لقيس سوى «رصاصة واحدة» لإطلاقها علها تصيب «الهدف»، فقال: «منذ ثلاث ساعات وأنا مكبل اليدين ومعصوب العينين ولست مستعداً للاستجواب لا نفسياً ولا جسدياً». لكن رئيس المحكمة أشار مجدداً إلى العسكري بتشغيل الشاشة ليبدأ باستجوابه انطلاقاً من إفادته أمام مديرية المخابرات. في تلك اللحظة لمعت عينا لقيس وهو يقول في «محاولة أخيرة له لإرجاء الجلسة»: «لدي تقارير طبية في السجن بأنني تعرضت للضرب».. ولم يكتفِ لقيس بذلك بل ذهب الى حدّ مناقشة هيئة المحكمة بمواد قانونية تتعلق بقانون أصول المحاكمات الجزائية، وإنْ كانت المادة القانونية قد التبست عليه بحيث أفاد في البدء «أن المادة 74 من القانون المذكور تنص على أن أي إفادة تُعطى تحت الإكراه هي باطلة»، وهذا ما تنص عليه المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
توقف رئيس المحكمة عند كلام المتهم، وأشاح بنظره عن الأوراق أمامه وتوجه إلى الأخير سائلاً: لماذا لم تذكر ذلك أمام قاضي التحقيق، فردّ «لا أعرف إنما أنا خضعت لعملية بسبب الضرب».
وقبل أن يوضح له رئيس «العسكرية» أن المحكمة ستطلع على تلك التقارير، لاحظت ممثلة النيابة العامة القاضية منى حنقير بأن المتهم يتكلم فليجب إذاً على الأسئلة، ليعود رئيس المحكمة ويذكّره بأنه «بعد 11 جلسة لن أعطي أي مهلة»، لكن المتهم مضى في تكرار طلبه: «مهلة للإثنين فقط»، وجاءه الجواب نفسه: «طلبك مرفوض». وأمعن المتهم في النقاش ليقول «عدالتكم لا تقبل هذا الكلام وأرجوك فلدي ما يثبت براءتي». ثم توجه إلى «وكيله» قائلا: «أنت محامٍ عني وأطلب منك هذا الأمر وإلا إعزل نفسك».
وكان رئيس المحكمة قد بدأ بتلاوة إفادة المتهم الأولية على مسامعه، حيث كان قد أوقف في مطار رفيق الحريري الدولي أثناء سفره إلى تركيا بجواز سفر مزور باسم عماد الغبرة، حيث أقرّ بأنه مسؤول اللجنة الشرعية لدى النصرة وملقب بأبو عائشة، وقد انتمى إلى إحدى الفصائل حيث قام بتصنيع متفجرات وعبوات استخدمها ضد النظام السوري في معلولا.
هنا قاطع المتهم رئيس المحكمة وراح يتمتم: «ارتفع ضغطي ولم أعد أستطيع الكلام»، لكن رئيس المحكمة بعد أن طلب إحضار كرسي للمتهم تابع تلاوة إفادته الأولية وفيها أنه شارك في «أحداث عرسال 2» بعد توقيف عماد جمعة، وبأنه اعترف بإقدامه على إعدام الشهيد حمية بالرصاص بواسطة مسدس غلوك. هنا بدأ الدم يخرج من أنف المتهم الذي راح يقول: «أنا بريء ويوم الإثنين بجيب براءتي».
ولكنك ذكرت تفاصيل العملية - سأله رئيس المحكمة - وفي تلك التفاصيل «إنك كلّفت من أبو مالك التلي تنفيذ عملية الإعدام في مكان يبعد قليلاً عن مغارة أبو مالك وبحضور أبو فاروق اللبناني، كما تم إحضار علي البزال من السجن».وتابع رئيس المحكمة: «أخذت المسدس من أبو فاروق وأطلقت النار على رأس حمية من مسافة قريبة جداً وقتلته بشكل مباشر».
وقبل البدء بعرض شريط الفيديو قال المتهم: «أنا ما قتلت حدا، انا بريء». وكرر المتهم أكثر من مرة هذه العبارة مقاطعاً أسئلة الرئاسة: «أنا عندي شهود». وبمواجهته بإفادة رفيقه هاني المصري الذي أكد فيها أن المتهم نفّذ عملية الإعدام واتهامه للمصري خلال المواجهة بأنه كافر ومرتد وباع دينه لأنه اعترف عليه، بدا المتهم وكأنه إنهار قبل أن يكشف رئيس المحكمة أن المتهم كان من ضمن صفقة التبادل مع النصرة إلى جانب عبيدة الله زعيتر اللذين تم نقلهما من سجن روميه إلى الأمن العام تمهيداً لتسليمها، إنما المفاوض اللبناني رفض هذا الأمر بعدما علم بحجم الارتكابات التي قام بها لقيس فأُعيد توقيفه وزعيتر.
ولم يعلّق المتهم على هذا الأمر إنما عاد ليطلب إمهاله.
وبعد أن ترافعت القاضية حنقير طالبة إنزال عقوبة الإعدام بحق المتهم «وهي العقوبة التي يستحقها وأكثر»، طلب «وكيله» منحه أوسع الأسباب التخفيفية.
وبسؤاله عن كلامه الاخير قال لقيس: «المحكمة ليست عادلة».