مقالات مختارة >مقالات مختارة
فلسطينيو الشتات يحافظون على تراثهم وتقاليدهم
حسام ميعاري: أجمع المقتنيات الأثرية لتكون إرثاً للأجيال اللاحقة
يحوّل منزله في عين الحلوة إلى متحف صغير خوفاً من اندثار الآثار
فلسطينيو الشتات يحافظون على تراثهم وتقاليدهم ‎الأربعاء 23 03 2016 06:54
فلسطينيو الشتات يحافظون على تراثهم وتقاليدهم
حسام ميعاري يحمل مفتاح العودة

ثريا حسن زعيتر:

يحافظ فلسطينيو الشتات، خاصة في مخيّمات لبنان، على عاداتهم وتقاليدهم، ويتمسّكون بالقطع الأثرية النادرة التي أحضروها معهم من فلسطين إثر نكبة 1948، وحرصوا على توريثها لأبنائهم، لتبقى حاضرةً في ذاكرتهم، وموجودة في بيوتهم، لنقلها إلى ديارهم حين العودة...
وبقيت هذه المقتنيات مصدر عشق للاجئين الفلسطينيين في الشتات، حيث يحاول الأبناء والأحفاد المحافظة عليها، خشية اندثارها على مر الزمان، وحتى تبقى خالدة في أذهان الأجيال، مؤكدين التمسّك بالهوية الفلسطينية، وبكل ما يرمز ويرتبط بفلسطين، من مفاتيح وصكوك أراضٍ وعقارات ومقتنيات، فلكل قطعة حكاية، منها ما يعبّر عن حزن أو فرح، ومنها ما يخبر حكايا الذكريات المتعدّدة...
الفلسطيني حسام ميعاري حوّل منزله في مخيّم عين الحلوة إلى متحف صغير، يحوي قطعاً أثرية، ومقتنيات قديمة، نادرة، حرص على جمعها من داخل فلسطين، ومن الشتات، محتفظاً بها، ومحافظاً عليها، لتكون إرثاً للأجيال اللاحقة...
وعلى الرغم من صعوبة الحصول على هذه المقتنيات، إلا أنّه يعتمد في مقتنياته بشكل أساسي على النادر والفريد من التراث الفلسطيني، ليكون له مكان في هذا المتحف الذي اقتطعه من منزله الصغير المتواضع داخل "عاصمة الشتات الفلسطيني"...
"لـواء صيدا والجنوب" زار متحف حسام ميعاري في مخيّم "عاصمة العودة إلى فلسطين" وعاين المقتنيات التراثية النادرة...

وصية... وذاكرة

فداخل أزقّة مخيّم عين الحلوة ندخل إلى منزل الفلسطيني حسام ميعاري من قرية عكبرة - قضاء صفد، تتفاجأ بمقتنيات نادرة جمعها بمجهوده الشخصي، خشية اندثارها وضياعها عبر الزمن، لذلك كرّس ميعاري معظم وقته بجمع المقتنيات الأثرية الفلسطينية والاحتفاظ  بها  في منزله.
وقف حسام  ميعاري "أبو رشيد" (39 عاما) يلمّع المقتنيات الفلسطينية القديمة والسعادة تبدو على وجهه من امتلاكه لهذا الإرث، وقال: "منذ طفولتي كان والدي يشجّعني على أنْ احتفظ بكل ما يتعلّق بفلسطين، وكان والدي يجمع المقتنيات القديمة من والده ويحتفظ بها ويعتني بها جيداً، وكل شيء يتعلق بتراث فلسطين القديم، لأنّ رائحة وطني الأم فلسطين ما زالت تعبق في هذه الأغراض، وهكذا بدأت هواياتي أن أجمع الأشياء التراثية الفلسطينية".

صندوق العروس

أضاف، وهو ينظر إلى المقتنيات بفرح: "بدأتُ بتجميع الأدوات والقطع الفلسطينية من الأقارب والجيران الذين أعطتهم وكالة "الأونروا" أثناء الترحيل من فلسطين على أساس أنها أشياء لتقضي حاجاتهم لفترة قصيرة إلى حين العودة إلى الديار، وأيضاً حصلت على طنجرة للطبخ من الحرب العالمية الثانية في العام 1944 مكتوب عليها (o-c) من فلسطين، وأيضاً براميل خشب وسلات القش وغيرها وقناديل عمرها يفوق الـ100 عام، إضافة إلى أدوات عمرها فوق الـ150 عاماً، والأجمل هو صندوق جهاز العروس، حيث تضع في داخله العبايات الفلسطينية القديمة وكل ما يلزم العروس من شقف وشراشف، عمره ما يقارب الـ120 عاماً، وهناك أيضا ماكينة خياطة تعود إلى أكثر من 80 عاماً، وقد عرضت شركة  سنجر أنْ تشتريها بمبلغ 3 آلاف دولار أميركي، لكنني رفضت فهذه الأغراض ليست للبيع، لا أريد أن أبيع ولا قطعة واحدة منها، وأيضاً الجاروشة وهي أداة من الطراز القديم جداً في الحضارات العربية، تُعرف بالمطحنة وكانت تُستخدم لطحن العدس والبرغل لينعم ويسهل طبخه وعمرها حوالى الـ100 عام، وأيضاً عندي معلقة وشوكة من الفضة الأصلي وكان الأغنياء في فلسطين يستخدمونها في تناول الطعام وعمرها فوق الـ150 عاماً، وأيضا الشاكوش والمعول، ومكواة تعمل على الجمر، وإبريق المياه من الفخار، إضافة إلى خابية الزيت، وجرّة اللبن المصنوعة من الفخار كي تحفظ برودة اللبن، وجرّة العسل وأطباق القش وجرن الكبّة والجاروشة، وأيضا لدي قبقاب العروس المرص من الصدف النادر وعمره أكثر من 150 عاماً.

تراث... وأحجار

وتابع: "أنا أحاول أن أحصل على المقتنيات التراثية من داخل فلسطين، فقد حصلت على حجر من بحيرة طبريا وهو من أروع الأحجار، وأيضاً أتواصل مع الفلسطينيين في الشتات بكل العالم وفي لبنان، من كانت لديه تحف قديمة وأدوات منزلية قديمة عند بعض العائلات الفلسطينية المهاجرة يرسلونها لي لأنهم يعلمون أنني أجمع هذه المقتنيات، وأقوم بعرضها في المعارض كي يتعرّف عليها أبناء الجيل الجديد الذين لاحظت أنهم يسألون عن كل قطعة إنْ كان من ناحية استخدامها أو في أي عام استخدمت وفي أي منطقة من فلسطين كانت موجودة".

حكاية القهوة

وأردف وكأنّه يحكي قصة عايشها، وأشار إلى المسند، فهذا المسند له حكاية خاصة، هو عبارة عن "تكاية" تُصنع من القش، وعندما كانوا يذهبون لطلب العروس يأخذون معهم مسند المنزل وحسب العادات والتقاليد إذا كان هذا المسند جامداً وقاسياً فهذا يعني أن المنزل جامد، وأهل المنزل متينون ومترابطون كعائلة واحدة، وإذا لم يكن جامداً فهذا دليل على أن أهل المنزل غير متماسكين مع بعضهم البعض، وأيضاً هذه أباريق القهوة العربية المصنوعة من النحاس ومختلفة الأشكال بحيث لكل مناسبة شكل مختلف عن الآخر، فعند العرب القدماء إذا كانت هناك مشكلة يوضع في وسط الجلسة مصب الأحزان، أما إذا تمت الصلحة أو الاتفاق فيوضع مصب الأفراح وتعم الفرحة بين الجالسين، ففي الفرح يمسك المصب باليد الشمال ويصب القهوة باليمين وعلى رأسه تكون حمامة، أما في الأحزان يمسك باليمين والضيافة بالشمال وعلى رأسه النجمة والهلال، وفي الديوان يوضع مصب القهوة في الوسط.

مفتاح... وأحلام

وقال بحسرة: "رغم ضيق منزلي في مخيّم عين الحلوة، إلا أنني أقوم بجمع هذه الأشياء في بيتي المتواضع، حفاظاً على تراثنا وعدم انحداره في ظل التطوّر الذي نشهده، حيث يشاهدها الجميع، ويدرك أهمية التراث الذي هو هوية تعريف عن انتمائي لبلدي فلسطين، مثلا هذه المفاتيح هي مفاتيح العودة، أتيت بها من الناصرة والمالكية، وكانت سيدة مسنة ومازالت تحتفظ بمفاتيح منزلها، وعلقته بجنزيره على الخشبة، وعندما عرفت بأنّني أبحث عن كل ما يتعلق بفلسطين أعطتني المفتاح  وكانت الوصية يجب أن تحافظ على المفاتيح لربما يوم من الأيام  نعود إلى ديارنا في فلسطين ونستعمل المفتاح".
وسرح حسام ميعاري في أحلامه قال: "أمنيتي أن نعود إلى وطننا الأم فلسطين  والتنعّم بفلسطين حرّة منتصرة، وأنْ يكون لدي متحف خاص أعرض فيه جميع الأدوات والتحف الفلسطينية القديمة الخالدة في داخله، وأن يكون مرجعا لكل مواطن يحب التعرف على التراث الفلسطيني وهوية هذا البلد، وأن تتعرّف الاجيال على تراثنا وتقاليدنا الفلسطينية".

 

طنجرة من حرب العالمية الثانية 1944

...وإبريق قهوة الفرح

صندوق العروس

ملاعق وشوك فضية عمرها أكثر من 150 عاماً

حكاية المسند

مقتنيات أثرية ويبدو قبقاب المرص

حجر من بحيرة طبريا