عام >عام
مهارات رغم صعوبات التعلّم في لبنان
الأربعاء 21 02 2018 09:28خليل العلي
يُسجّل اهتمام متزايد بالأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيّما مع زيادة التوعية. لكنّ ثمّة أشخاصاً، لا سيّما أطفال، يصنَّفون عن طريق الخطأ في تلك الخانة. هؤلاء يعانون من صعوبات التعلّم وهم كذلك في حاجة إلى اهتمام بالتزامن مع توعية المجتمع حول مشكلاتهم.
يكثر اليوم تشخيص صعوبات التعلّم لدى الأطفال في لبنان بالمقارنة مع السنوات الماضية، ولعلّ ذلك يعود إلى التروّي عند تصنيف التلاميذ الذين يبدون مشكلاتٍ في مجالات تعليمية مختلفة كـ"كسالى". فالرسوب المتكرّر لم يعد في كثير من الأحوال دليلاً على عدم رغبة الطفل في الدرس، وإن ما زالت الأحكام المسبقة والجاهزة تُطلق في كثير من الأحيان.
وهؤلاء الصغار الذين يعانون من صعوبات تعوّقهم في مجال متابعة عملية تعليمهم، يتنقّلون غالباً من مدرسة إلى أخرى من دون جدوى. ولعلّ الرسوب المتكرر الذي يلاقونه يساهم في مفاقمة وضعهم، لا سيّما عندما لا يبدي أهلهم ولا مدرّسوهم ولا محيطهم تفهماً لأوضاعهم. وحتى لا يبقوا حبيسي المنزل وقد شعروا، وكذلك أهلهم ومحيطهم، بأنّهم فاشلون، ثمّة من يرى ضرورة توجيههم إلى مجالات فنية ومهنية مختلفة. في هذا الإطار، تبرز مؤسسات اجتماعية وأهلية خاصة تُعنى بمن يعانون من صعوبات التعلّم التي تختلف أشكالها. جمعية المواساة في مدينة صيدا (جنوب لبنان) من تلك المؤسسات التي أنشأت قسماً للتأهيل المهني الخاص بهدف الاعتناء بهؤلاء.
في قسم التأهيل المهني الخاص يتوزّع أطفال ومراهقون وشباب على الصفوف الدراسيّة والمهنيّة التي اختاروها، ولا يخفون شعورهم بأنّ حياتهم اختلفت وأنّهم أنجزوا شيئاً ما في حياتهم العلميّة والعملية على الرغم من الصعوبات التي يعانون منها. وخلال جولة في ذلك القسم، التقت "العربي الجديد" عدداً من هؤلاء الذين نجحوا في تحقيق "شيء ما".
منى أبو الكل (14 عاماً) تهوى التصوير الفوتوغرافي، فالتحقت بصفّ التصوير الفوتوغرافي وصيانة الكمبيوتر. تخبر: "كانت لدي صعوبة في القراءة والكتابة لكنّني تحسنّت اليوم. وتعلّمت التصوير الفوتوغرافي الذي أهواه، وأنا أخطّط للعمل في هذا المجال". أمّا هادي معنيّة (20 عاماً) فيعاني من صعوبات التعلّم وتشتت في الانتباه، فيقول: "التحقت بالقسم لأتعلّم المحاسبة لكنني لم أستطع. فانتقلت لأتعلّم التصوير الفوتوغرافي وأنا أملك كاميرا خاصة. تقدّمت في المجال وأنوي العمل مستقبلاً فيه". ويخبر أنّه صوّر قبل أيام مباراة كرة قدم، وبدأت بتعلّم صيانة الكمبيوتر كذلك.
من جهتها، التحقت زميلتهما يمنى حجير (12 عاماً) التي كانت تعاني من صعوبات في القراءة، بصف الأعمال المكتبية. تعبّر يمنى عن سعادتها، "فأنا صرت أستطيع القراءة بعدما تركت مقاعد الدراسة من الصف الثالث ابتدائي". هي التحقت بالقسم قبل عامَين، "الأمر الذي ساعدني على التركيز بشكل أكبر، وقد التحقت بالأعمال المكتبيّة لأنّني أنوي العمل كسكرتيرة".
في صفّ الفندقية والمطبخ، تعمل مجموعة من الفتيات بشغف. ريان حسن (18 عاماً) كانت تجد صعوبة في استيعاب الدروس، لكنّها برعت في فن الطبخ. تقول: "أحب هذا الاختصاص لأنّني قد استفيد منه في المستقبل. فأنا تعلّمت الكثير في هذا المجال وعندما أعود إلى البيت أطبّق ما تعلّمته وأقدّمه للضيوف والأقارب". وتشير إلى رغبتها في التخصص في صناعة الحلويات.
أمّا ميرا جرادي (19 عاماً) التي تعاني إلى جانب صعوبات التعلّم من إعاقة حركيّة، فتبدو متفائلة. وتعبّر عن "سعادتي بما تعلّمته بعد تركي المدرسة. وقد التحقت بالقسم لأتعلّم التربية الحضانيّة، بعدما كنت أعاني من صعوبة في الكتابة ودراسة الرياضيات". تضيف: "اليوم تحسّن وضع يدي، وصرت أستطيع الكتابة على السطر، كذلك أنا قادرة على استعمال المقص للأشغال اليدوية".
في السياق، تشرح منسقة "قسم التأهيل المهني الخاص" في جمعية المواساة، عبير منياتو، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القسم يرتكز على التأهيل المهني لأشخاص عانوا من صعوبات في متابعة الدراسة الأكاديميّة المعهودة، بسبب صعوبات التعلّم على أنواعها وبعض الإعاقات الجسدية، والتي تؤثر سلباً في قدرتهم على التعلّم والتواصل وأداء الأنشطة اليومية". تضيف أنّ "أعمار الأشخاص الذين نستقبلهم تتراوح عادة ما بين ثمانية أعوام و20 عاماً، وفقاً للنمو الذهني لكلّ شخص"، لافتة إلى أنّ "القسم يستقبل من يعانون من صعوبات التعلّم ومن إعاقات حركية بسيطة وتوحّد وتأخّر مدرسي".
وتتابع منياتو أنّ "عملية التأهيل المهني في القسم هي عملية متّصلة ومنسّقة، تتوفّر فيها خدمات مهنية مثل التوجيه المهني والتدريب المهني بقصد تمكين هذه الفئة من ضمان عمل مناسب وتحقيق الاكتفاء الاقتصادي عن طريق العمل واكتساب مهنة أو حرفة أو وظيفة. كذلك تساعد هذه العملية في تحقيق ذواتهم وفي جعلهم يقدّرونها وفي إعادة الثقة بأنفسهم وتحقيق التكيّف في المجتمع. ويأتي كل ذلك تحت إشراف اختصاصيين وكادر تعليمي متخصص".