عام >عام
كيف سيخوض بري معركة جزين؟
السبت 24 02 2018 10:27لكلّ من الرؤساء الثلاثة عينٌ على منطقة. عين الرئيس ميشال عون على كسروان، عين الرئيس نبيه برّي على جزين، عين الرئيس سعد الحريري على طرابلس. لكل منهم أسباب تجعله يتطلع اليها منفصلة عن القضاء الآخر الذي يرتبط بها.
عين رئيس الجمهورية على كسروان لأنه حلّ نائباً عنها عامي 2005 و2009 الى أن أخلاها بعد انتخابه. كانت البوابة التي كرّست زعامته المارونية في جبل لبنان الشمالي، وهو يريد انتقال مقعده الى صهره العميد المتقاعد شامل روكز. عين رئيس المجلس على جزين مرتبطة بثأر مؤجّل بينه والتيار الوطني الحرّ بسبب ما رافق انتخابات 2009 ونُظر الى انتزاع التيار مقاعدها الثلاثة من برّي على أنه "تحريرها".
عين الحريري على طرابلس ليست أكثر من تصفية حساب مع خصم مستجد هو الوزير السابق اللواء أشرف ريفي.
ما يأخذه الرؤساء الثلاثة في الحسبان في استحقاق 2018، في ظل قانون جديد يعتمد النسبية في منح المقاعد وصوت تفضيلي يسمّي الفائز، ان لا فوزاً كاملاً ولا خسارة كاملة. وهذا يدل على التعامل بواقعية مع توقّع الاحجام المقبلة. لا المقاعد الكسروانية الخمسة سيربحها حزب رئيس الجمهورية، ولا المقاعد السنّية الخمسة في طرابلس والضنية والمنية سيربحها الحريري مجدّداً، ولا المقاعد المسيحية الثلاثة في جزين سيخسرها رئيس المجلس كلها ايضاً. وإذ يبدو رئيس الجمهورية يتفادى وضع صورته في صدارة الاستحقاق كمعني مباشر ــ إلا أنه كذلك عندما يكون خلفه على مقعده صهره ــ تاركاً الدور لحزبه، يخوض رئيسا المجلس والحكومة الانتخابات على نحو مباشر.
بيد أن مقاربة كل منهما دائرته مغايرة عن الآخر. في طرابلس والضنية والمنية التي حاز فيها الحريري في انتخابات 2009 خمسة من المقاعد السنّية الثمانية، الى مقعدين أرثوذكسي وعلوي، يسلّم كما من قبل أنه ليس وحيداً فيها. منافسوه التقليديون الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي وآل كرامي الموزّعون على الوزيرين السابقين أحمد وفيصل. الخصم المستجد هو ريفي. الهدف المباشر للحريري كي لا يخسر على الاقل مقعداً بعد إدخال طرابلس في دائرة التناحر بين الرجلين. في الواقع لفوز ريفي بمقعد سنّي دلالة سياسية اكثر منها حسابية. لم تعد للحريري طموحات فائضة، وبالتأكيد لا يسعه انتزاع طرابلس من قواها التقليدية. بذلك ينظر الى المدينة بعين نصفها مغمض على مقدرته في الاحتفاظ بحصة 2009 وربما اقل بقليل.
ليست كذلك عين رئيس المجلس على جزين. في 6 أيار، ستكون على موعد مع استحقاقين: أولهما تصفية حساب مؤجل لبرّي مع التيار الوطني الحر، وثانيهما دخول تيار المستقبل اليها للمرة الاولى. بذلك تصبح جزين عند تقاطع شيعي ــ سنّي للمرة الاولى يتغلغل سياسياً فيها ويتقاسم مقاعدها الثلاثة. في تجارب ماضيها حتى اندلاع الحرب، وحدها العائلات تقلّبت على مقاعدها، الى أن استطاع حزب الكتائب وحيداً الحصول على أحدها أعوام 1959 و1960 و1968 و1972. ما بين عامي 1992 و2009 كانت في حصة رئيس المجلس بمقاعدها الثلاثة، الى أن انتزعها منه التيار الوطني الحرّ، في أولى علامات انهيار العلاقة بين برّي وعون وهو لما يزل رئيساً للتيار. في الايام الاخيرة أضحت علاقة التيار وحركة امل في القعر تماماً.
وإذ تبدو جزين ــ كجزء لا يتجزأ من الدائرة التي تجمعها بصيدا ــ وحدها دون سواها من دوائر الجنوب برسم التحدي، استعجل أفرقاؤها الرئيسيون وضع خطوط حمر سلفاً من حول انتخاباتها. في المقابل يتعامل معها رئيس المجلس على انها المعركة الوحيدة التي يخوضها في انتخابات 2018:
أولها، ان حزب الله يقف الى جانب رئيس المجلس في الخيار الذي يريده للاصوات التفضيلية، نظراً الى عدم وجود مقعد شيعي في الدائرة. على طرف نقيض مما فعل في انتخابات 2009، عندما مال الى الاقتراع للائحة التيار الوطني الحرّ.
ثانيها، النائبة بهية الحريري لا تتحالف مع النائب السابق اسامة سعد الذي يقول بدوره إنه لا يتحالف معها، في دلالة ليس الى استمرار التنافس بين البيتين فحسب منذ انتخابات 1992، بل ايضاً الى استبعاد اي مرشّح سنّي صيداوي بارز.
ثالثها، أن سعد لا يتخلى عن المرشح ابراهيم سمير عازار الذي يمثّل رأس حربة رئيس المجلس، إذ يضع ايضاً من حوله خطاً احمر، ويتشبّث بأن يكون شريك سعد في اللائحة.
رابعها، رفض التيار الوطني الحرّ التخلي عن أي من المقاعد المسيحية الثلاثة في القضاء، سواء بالانتزاع في المواجهة مع رئيس المجلس، أو بالتفاوض مع نائبة صيدا حليفته المتوقعة، متيقّناً كذلك من عدم قدرته على الاحتفاظ بمقاعد 2009.
ليست بالخطوط الحمر وحدها تُدار انتخابات جزين، وقد باتت مقاربة مقاعدها وتوزيعها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصيدا، الواثقة من فقدان تيار المستقبل احد مقعديها السنّيين. بل تبدو المشكلة التي يواجهها التيار الوطني الحرّ انه يتقلّب على جانبي مبرد:
1 ـ فقدانه الحتمي مقعداً مارونياً يذهب الى لائحة يدعمها برّي، ومقعداً كاثوليكياً يتنازل عنه لحليفته نائبة صيدا.
2 ـ تعتقد الحريري جازمة أن حاصلها الانتخابي يمنحها مقعداً ثانياً الى مقعد سنّي. طلبت المقعد الكاثوليكي دونما إبداء أي اتجاه الى التنازل عنه. لم تتخلَّ عن الرغبة في التحالف مع التيار الوطني الحرّ، الا انها قرنته اخيراً بهذا الشرط يعوّض انتقال مقعد الرئيس فؤاد السنيورة الى سعد. في حسبانها وتيار المستقبل، وجود مرشحين سنّيين بالاصوات التفضيلية لتيار المستقبل يتسبّب في خسارة أحدهما جراء تشتتها، فاستقرت المفاضلة على عمة رئيس الحكومة.
3 ـ لا خيار للتيار الوطني الحرّ للتحالف سوى مع الحريري، وتالياً الرضوخ لشرطها بتخليه عن المقعد الكاثوليكي، خصوصاً وان نائبة صيدا نجحت في التلاعب على وتر الانتماء لإحراج حليفها. سمّت ما لم يفعله هو: اختيار مرشح من جزين هو عصام حداد في مقابل مرشحين للتيار من خارج القضاء هما جاد صوايا من صربا في كسروان وسليم الخوري نجل النائب السابق انطوان الخوري من صيدا. المرشحان المعلنان للتيار هما زياد اسود وامل أبوزيد يتنافسان على مقعد ماروني واحد هو ما سيكون له فحسب.
4 ـ اطمئنان رئيس المجلس الى مقدرة اللائحة التي يدعمها وحزب الله على الحصول على مقعدين احدهما سنّي (سعد) والآخر ماروني (عازار المرشح لأن يكون أول الفائزين).