مقالات مختارة >مقالات مختارة
الأول من نيسان كما يراه ضحايا الكذب والناجون منه!
قد يحوّل الأبيض إلى أسود والمزاح لمأساة حياة
اللعب بالموت والعودة على عجل والحاجّة "أكلت الضرب"
الأول من نيسان كما يراه ضحايا الكذب والناجون منه! ‎الأربعاء 30 03 2016 07:40
الأول من نيسان كما يراه ضحايا الكذب والناجون منه!
الكذب ليس من تراثنا العربي والإسلامي

سامر زعيتر

خُصّص له يوم في العام كي يحوّل الحقيقة إلى كذب، يحق معها للصادقين التخلّي عن حصانتهم والتلاعب بأعصاب الآخرين، ولكن هل يعترف الجميع به؟!...

إنه الأول من نيسان، كذبة إبريل، التي انطلقت من فرنسا إلى سائر دول العالم، ولم يقتصر الأمر على عامة الناس، بل تعدّاها إلى الحكام ووسائل الإعلام، التي تنقل في هذا اليوم أخباراً كاذبة، ما تلبث أن تنفيها...

مزاح قد يتحوّل إلى مأساة حياة هو ما حدث للبعض، الذي جعل من اليوم الأبيض يوماً أسود، فكان الموت حاضراً أمام الأقارب على أنه حقيقة كادت تودي بحياة من وقع فريسة هذا اليوم، فيما البعض الآخر اقتصر على المزاح الأبيض...

بينما هناك من يؤكّد على نكران الكذب في التعامل طيلة العام، لأنه ليس من شيمة التجار أو الراشدين، وهو طارئ على العادات والتقاليد الشرقية!...

"لـواء صيدا والجنوب" يُسلّط الضوء على كذبة الأول من نيسان، حيث عاد بهذه الانطباعات...

أصل الحكاية

من أين جاء هذا اليوم، ومعه هذه الكذبة المُنتشرة في غالبية دول العالم! يجمع غالبية الباحثين على أنها تقليد أوروبي قائم على المزاح في الأول من نيسان (إبريل) بإطلاق الإشاعات أو الأكاذيب، وقد بدأت في فرنسا بعد تبنّي التقويم المعدّل الذي وضعه شارل التاسع عام 1564م بنقل رأس السنة إلى الأول من كانون الثاني بدلاً من الأول من نيسان، وكان الذين أيدوا التغيير يرسلون في أول نيسان إلى معارفهم هدايا كاذبة، فيضعون لهم في علب جميلة قطعاُ من الحلوى الممزوجة بالملح والخل، أو يرسلون إليهم رسائل من أشخاص وهميين بهدف إغاظة المتمسّكين بالتقويم القديم، ومن هنا ولدت كذبة الأول من نيسان وغَزَتْ العالم.

ويرى آخرون أن هناك علاقة قوية بين الكذب في أول نيسان وبين عيد "هولي" المعروف في الهند، والذي يحتفل به الهندوس في 31 آذار من كل عام، وفيه يقوم بعض ‏البسطاء بمهام كاذبة لمجرّد اللهو والدعاية، ولا يكشف عن حقيقة أكاذيبهم هذه إلا مساء الأول من نيسان.

وهناك جانب آخر من الباحثين في أصل الكذب يرون أن نشأته تعود إلى القرون ‏الوسطى، إذ أن شهر نيسان في هذه الفترة كان وقت الشفاعة للمجانين وضعاف العقول، ‏فيطلق سراحهم في أول الشهر ويصلّي العقلاء من أجلهم، وفي ذلك الحين نشأ العيد ‏المعروف باسم "عيد جميع المجانين" أسوة بالعيد المشهور باسم عيد جميع القديسين.

ويرى باحثون آخرون أن كذبة أول إبريل لم تنتشر بشكل واسع بين غالبية ‏شعوب العالم إلا في القرن التاسع عشر.

والواقع أن كل هذه الأقوال لم تكتسب الدليل الأكيد لإثبات صحتها، وسواء أكانت ‏صحيحة أم غير صحيحة، فإن المؤكّد أن قاعدة الكذب كانت ولا تزال في الأول من نيسان.

ويعلّق ‏البعض على هذا بالقول: إن شهر إبريل يقع في فصل الربيع، ومع الربيع يحلو للناس ‏المداعبة والمرح، وقد أصبح أول نيسان هو اليوم المباح فيه الكذب لدى جميع شعوب العالم، ‏فيما عدا الشعبين الإسباني والألماني، والسبب أن هذا اليوم مقدّس في إسبانيا دينياً، أما في ألمانيا فهو يوافق يوم ميلاد "بسمارك" الزعيم الألماني المعروف.

عادات غريبة ليست من قِيَمنا

* أما الكذب في العادات والتقاليد العربية والإسلامية، فيراها صاحب محل "فلافل عكاوي" هلال شلون بأنها غريبة عن مجتمعنا بالقول: "هي عادة أوروبية وليست عربية، باتت تندرج ضمن العادات التي انتقلت إلى العرب مثل عيد الأم، الذي يخصُّ الأم بيوم في السنة، رغم أن عاداتنا تصرّ على تكريم الأم طيلة العام، والحمد لله بما أننا دائماً نتعامل مع الآخرين بصدق، فإنه لم يجرأ أحد أن يمرّر علينا كذبة الأول من نيسان، ونحن ضد الكذب، وإن كان مزاحاً".

بداية محزنة انتهت بفرح

* عادة قلّت بسبب الضغوط الاقتصادية وفق ما يرى صاحب إحدى محال "النراجيل" في صيدا شادي طحان بالقول: "هي عادة قديمة، ربما ارتبطت بالفرح وحب المزاح، ولكن اليوم بسبب الضغوط الاقتصادية والأوضاع المعيشية، فضلاً عن التوترات في المنطقة، كل ذلك يلقي بثقله على الناس، التي لم تعد في كثير من الأحيان تجد ما يسرّها، ولعل هذا الأمر قلّل من ظاهرة اعتياد الناس على كذبة الأول من نيسان، فأنا أذكر أنه منذ 5 سنوات "أكلت" مقلباً دبّره لي أحد الأصدقاء، كانت بدايته حزينة ولكن نهايته جاءت سعيدة، حيث أخبرنا بأننا سنقدّم العزاء بزميل عزيز علينا لم نلقه منذ سنوات بسبب سفره المتواصل، ولكن حين وصلنا إلى منزله كانت المفاجأة بأن زميلنا عاد من السفر، وأراد من هذه المزحة أن نسرّ برؤيته، فكانت كذبة جميلة، لأننا لم نره منذ 15 عاماً، والحمد لله رأيناه حياً وليس ميتاً، فكانت بداية المقلب مرعبة، ولكن نهايتها جميلة".

دعابة للعودة مبكراً للمنزل

* بدوره صاحب محل الأجبان والألبان محمد خضر الغزاوي سرد ما حدث معه بالقول: "في الأول من نيسان اتصلت بي زوجتي وطلبت مني الحضور مبكراً إلى المنزل، لأنها تعرّضت لكسر في اليد، فذهبت سريعاً إلى المنزل قبل ساعتين من موعد اقفالي المعتاد، ولم أجدها قد تعرّضت لأي شيء، بل أعدّت لي عشاء، وأكلت هذا الضرب في الأول من نيسان، فكانت مزحة جميلة وغير مؤذية بهدف اقفالي للمحل مبكراً".

مزاح الموت كاد أن يتحقق!

ولكنه يسرد موقفاً محزناً تعرّض له أحد الأصدقاء وكاد أن يودي بحياته بالقول: "لا يجب أن يكون المزاح مؤذياً، فمنذ 6 سنوات اتصل أحد الأصدقاء بزميلنا وأخبره بأن والده قد فارق الحياة، فعاد مسرعاً إلى المنزل، ما أدّى إلى تعرّضه لحادث سير، تضررت على أثره سيارته وكاد هو الأخر أن يتضرر، لكن الله ستر، وحين علم أنها كذبة أول نيسان انزعج جداً وتخاصم مع أصدقائه، لأنها مزحة ثقيلة جداً، يقوم بها الشباب غير الناضج الذي لا يقدّر أبعاد مثل هذا المزاح، فأنا مع المزاح الخفيف ولست مع الكذب الذي قد يؤدي إلى مشاكل عديدة، حتى المزاح يجب أن يقتصر على الكلام وليس على التطاول بالأيدي، وهدف المزاح هو الترفيه عن النفس واختيار كذبة بيضاء، وهي عادات يجب أن لا تتحوّل إلى أذية للآخرين".

الموت يحضر في كذبة أخرى

* تجاوز الحدود والتلاعب بالآخرين نكرها مهندس الاتصالات صلاح جردلي بالقول: "لا زلت أذكر أن إحدى الصبايا تلقّت اتصالاً من شخص ليخبرها بأن أحد أفراد عائلتها قد فارق الحياة، وهو خبر صادم، أدّى إلى انهيارها، وبعد ذلك جاء الخبر السار من خلال الـ "واتس أب" بأن تلك هي كذبة أول نيسان، وهذا أمر يجعلنا نلعن الساعة التي اخترعت فيها مثل هذه الكذبة، لأن البعض يتجاوز كل الحدود المألوفة، فهي كذبة مؤذية حتى لو كانت بيضاء، وأنا لا أشجع الكذب حتى لو كان في يوم محدد، وهذه الحادثة أثّرت بي كثيراً، وأشعر أن البعض يريد القيام بالتسلية، ولكن التسلية بالآخرين أمر سيئ، ولا اعتقد أن الراشدين يقومون بمثل هذه الأعمال التي قد تسيء للبعض، وهي تقتصر على المراهقين".

الصدق في التجارة

* بدوره العامل في مجال أجهزة الكومبيوتر ربيع السعدي أكد على أهمية الصدق في التجارة بالقول: "كذبة أول نيسان أمر يتنافى مع العادات والتقاليد التي تربّينا عليها، وخصوصاً أننا في مجال العمل اعتدنا على الصدق في التعامل مع الناس، حتى لو كان الأمر يقتصر على المزاح، لأن ذلك يقلّل المصداقية لدى الزبائن، حتى لو كان الأمر مقتصرا على يوم واحد، فديننا ينهانا عن الكذب حتى لو كان بغرض المزاح، فالصدق مع الناس هو أساس التعامل في التجارة، فكل كلمة نقولها يجب أن نحترس لها، خصوصاً أن هناك فكرة قائمة لدى الناس بأن أصحاب المصالح غير صادقين في مواعيد تسليم عملهم، أو لا يأتون لإصلاح الاعطال لدى طلبهم، وهذا أمر غير مقبول لدى التجار الذين يتمتعون بالسمعة الحسنة، من هنا نحرص على الصدق الدائم مع الناس، لأن تعويد الزبائن على الصدق يجعل التاجر متميّزاً عن الآخرين، لأن الزبائن يعطون نصائح لجيرانهم وأصدقائهم بالتعامل مع التجار الصادقين في معاملاتهم".

رفض الكذب أمر يندرج ضمن القيَم التي تؤكّد عليها المجتمعات الشرقية، ولكن إن كان البعض يرفض الكذب حتى في يوم واحد، فماذا عن السياسة وفنها؟ وكيف نستطيع فهم الكثير من التقلّبات والانقلابات في المواقف والآراء؟... يبقى سؤال الغالبية الصامتة من الناس!

ضغوط الأعباء الاقتصادية قلّلت من أجواء المرح

مزحة خفيفة للعودة إلى البيت مبكراً

المفاجآت قد لا تكون دائماً سارّة