لبنانيات >أخبار لبنانية
الانترنت في لبنان: حاميها حراميها
الثلاثاء 5 04 2016 06:43يبدو ان الفضائح في لبنان تحولت الى يوميات تملأ اوراق الصحف وشاشات التلفزة من دون ان تحرك ساكنا. باتت مادة اعلامية لملء الوقت من دون ان يرف جفن لمرتكبيها او ان يحاسب او يعاقب من غطاها وسهلها ونفذها.
اسابيع مرت على فضيحة الانترنت غير الشرعي وتداعياته وشبكة مخالفاته ولم يسمع اللبناني حتى الساعة بتوقيف او اتهام، وكأن مؤسساتنا اعتادت على الفساد وعلى التآخي مع المفسدين.
لا يبرر عاقل استجرار الانترنت الى لبنان عبر شبكات غير شرعية تكبد خزينة الدولة ملايين الدولارات لكن احتكار هذا القطاع من بعض الشركات يفتح الباب امام السوق السوداء ويجعل من الدولة ذاتها شريكة في تهريب الانترنت. فمنذ العام 1998 انخفض سعر الميغابيت من ال 1200$ الى ال 63$ عالميا فيما يبيعها لبنان حتى اليوم ب 250$ وذلك عبر هيئة اوجيرو التي ترعى هذا القطاع، ما يشجع بعض الشركات على تهريب الانترنت بحثا عن كلفة اقل. من جانب اخر يساهم احتكار القطاع من قبل بعض الشركات على حساب شركات اخرى وبغطاء من اوجيرو في لجوئها الى التهريب لكفاية حاجات زبائنها.
لكن الاخطر من كل ذلك هو ما ارتكبته الدولة اللبنانية بعلم حكومتها التي من المفترض ان تحمي شعبها، عبر تركيب خط ال IMEWE البحري وهو احد الخطين اللذين يؤمنان الانترنت الشرعي للبنان، الذي يخرج من الهند مرورا بجدة ثم الاسكندرية ومنها الى طرابلس فيما يتفرع من الاسكندرية خط باتجاه ايطاليا ثم مارسيليا. وبحسب المعطيات التقنية فان الخط الذي يصل بين الاسكندرية وطرابلس يمر على الشاطىء الاسرائيلي ما يجعل من امكانية وضع العدو لآلات تجسس امرا سهلا. وكانت الدولة اللبنانية قد دفعت حصتها في تركيب خط ال IMEWE في عهد وزير الاتصالات مروان حمادة بقيمة 55 ميلون دولار اميركي عدا عن كلفة الصيانة السنوية.
واذا افترضنا حسن النية وان التجسس عبر هذه القناة قد فات الدولة اللبنانية، قد لا يفوتها ان الخطين IMEWE وكادموس اكسندروس البحريين اللذين يؤمنان الانترنت للبنان يصلان الى مارسيليا حيث يتم تجميع المعلومات وتحليلها. وعلى الرغم من نفي وزير الاتصالات بطرس حرب علمه بذلك، الا ان خبراء الاتصالات يؤكدون على ان اتفاقا بين وكالتي الامن القومي الفرنسية والاميركية ينص على تبادل كل المعلومات بين الجهازين وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على المعلومات الواردة عبر الكابلات اللبنانية. هذا الخرق تثبته مذكرة رفعها اتحاد محامين فرنسيين اميركيين في 2 اب 2015 الى رئيس الحكومة الفرنسية طالبه فيها بتعهد الاستخبارات الفرنسية بعدم نقل اي معلومة او تسريب اي اتصال بين المحامين وزبائنهم وبالتزامها عدم استخدام اي تقنية تعرض خصوصية المواطنين للخطر، لما يشكل ذلك من مخالفة دستورية كرسها مرسوم اصدره رئيس الحكومة الفرنسية في نيسان 2008.
اضف الى ذلك ان بموجب اتفاق بين جهاز الامن القومي الاميركي ووحدة الاشارة الوطنية الاسرائيلية يتبادل الجهازان اي معلومة تصلهما، وبالتالي يسمح الاتفاق بنقل المعلومات التي تصل الى اميركا عبر فرنسا من خلال خط مارسيليا ومنها الداتا اللبنانية، حكما، الى الاستخبارات الاسرائيلية. عدا عما يمسى بالسبع اعين التي تضم نيوزيلاندا وكندا وبريطانيا وفرنسا واستراليا اضيفت اليها فرنسا واسرائيل، وهي تسمية منبثقة عن اتفاقية التعاون مع جهاز الامن القومي الاميركي تجعل من اي معلومة ملكا للدول السبع.
وبالتالي فان خطوط الانترنت المباحة على الشكل التالي امام كل اجهزة الاستخبارات العالمية تجعل الامن القومي اللبناني مكشوفا من الجهة الامنية كما الاقتصادية من خلال التجسس على داتا الشركات والمصارف والمؤسسات التجارية والاقتصادية والمعلوماتية ويجعل البلاد فريسة سهلة في الحرب الاقتصادية التي تقودها اسرائيل بشكل خاص، لما يشكله لبنان من تهديد لها في المنطقة.
فهل تشكل كل هذه الوقائع اسبابا مقنعة لمحاسبة المرتكبين ام ان مقولة "حاميها حراميها" مكتوبة للبنان الى اجل غير مسمى؟