ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
حوار ناجي العلي وغسان كنفاني ، حوار العظماء
السبت 12 05 2018 22:49جنوبيات
غسان : شو إللي خلاك ترسم الخيمة على شكل هرم .. يعني شو علاقة الخيمة بالهرم ؟
فردّ العلي وهو يشير بيديه مستعيناً بهما على شرح ما سيقول :
فيه علاقات مش بس علاقة واحدة . شوف يا سيدي .. أولاً إحنا الفلسطينيين منتميّز بالخيمة زي ما المصريين بيتميزوا بالهرم . يعني لما تقول خيمة بتقول فلسطين ، ولما بتقول هرم بتقول مصر .. يعني هما خِتْمهم الهرم وإحنا خِتْمنا الخيمة .. مزبوط هيك ؟
وهزّ كنفاني رأسه علامة القبول , وتابع العلي يقول :
ثانياً ، الهرم والخيمة مكان للسكن إلهم وإلنا .. بس هُمه بيسكنوها في موت الحياة يعني علامة للخلود ، وإحنا بنسكنها في حياة الموت يعني علامة الإصرار على العودة , وللخلود كمان ، وحتى تظل قضيتنا حمرة متل الجمرة . ويوم ما إنضُبْ هالخيمة ونلفها ، منضُبْ فلسطين وبنلفها كمان .. صح هيك ، ولا لأ ؟
غسان : هاي فلسفة كبيرة يا ناجي ، منين جبتها ؟
فردّ العلي وهو يهتز ابتهاجاً :
والله من هالدنيا .. هالدنيا علّمتنا اشياء كثيرة . هو قليل اللي شفناه واللي خبرناه ؟ عليم الله يا زلمة اللي شفناه بيعلّم العالم كله ، مش بس إحنا !
وكان كنفاني يضع ذقنه الدقيقة في راحته اليمنى ، ويغطي فمه بباقي يده , وينصت بانتباه ، وقد وقف وقفة نخلة مائلة ، ووقف أمامه العلي مقوّس الظهر ، والتفّ حولهما رجال وبنات وأطفال من المخيم ومجموعة من المشاركين برسوماتهم ذوي سحنات محفورة بعذاب الشتات .
وتابع العلي كلامه بثقة :
ثالثاً : العلاقة بين الهرم والمخيم ، يعني ختمنا وختمهم ، جاية من إنو مفيش تحرير لفلسطين بدون مصر ، يعني بصراحة .. لا نصر من دون مصر !
فرد عليه كنفاني بابتهاج شديد وفرح غامر ، وقد مال بجسمه أكثر ناحية العلي ، وكأنه يود أن يهمس في أذنه :
وبشوفك سياسي كمان؟
العلي : ما قلنالك يا زلمة ، هالدنيا علمتنا كل إشي . عليم الله هذا المخيم لحاله فيه عِلْم أكثر من الجامعة الأمريكية اللي بيحكوا عنها ببيروت !
وضحكوا جميعاً ، ثم تابع العلي يقول مبتهجاً وبحماس بالغ :
بعدين يا أستاذ ، العلاقة بين الخيمة والهرم إنهم مش ممكن يكونوا إلا في الخلا .. وواضحين تحت السما مباشرة ، متل الشجر . هلاّ قول لي ، في حدا بيبني خيمة جوّه بيت ، ولا هرم جوه بيت ، ولا بيزرع شجرة تحت سقيفة ؟
وردّ كنفاني بحبور غامر :
وبعدين معاك إنت ما خليت إلنا إشي نقوله ، على مهلك يا زلمة ، خلينا نحكي شوي !
وردّ العلي باسماً وعيناه تلتمعان بوهج الحقيقة :
واحدة وبس .. ما إنت إللي سألت يا عمي ، وبدنا نجاوبك ع المزبوط !
وصمت برهة ، وأخذ نفساً وقال بحزم :
العلاقة الأخيرة ، هي العلاقة بين حجر الهرم وقماش الخيمة !
ولم يفهم كنفاني قصد العلي ، فسأله باستحياء وبصوت خافت :
شو يعني .. مش فاهم؟
فرد العلي بثقة ، وكأنه يختم على وثيقة أمامه :
ما بيرجّع فلسطين غير هالحجر !
وصَفَق قبضة يده اليمنى ببطن راحته اليسرى علامة الختم ، وانحنى ، والتقط حجراً من أرض الخيمة ، وقال بجدّ وهو يشدّ عضلات وجهه ، ويقطب جبينه :
وما بيطلع هالحجر إلا من هالخيمة .. لا من قصور ولا من علالي ، وسلامة تسلمك !
وصفّق له كل من سمعه وكان حوله ، وهتفوا بحياة فلسطين والحجر .
وتعانق كنفاني والعلي ، وتبادلا الأنفاس ، وبديا
من الخلف وكأنهما ظهر واحد وكتف واحد .
"من أكَلَه الذئب : السيرة الفنية للرسام ناجي العلي"