عام >عام
"فتح" تُحبِط مخطّطاً لزجّها باقتتال مع "أنصار الله" بعد إفشاله مع "عصبة الأنصار"
سباق بين محاولات إشعال نار الفتنة والبحث عن التفجير بين عين الحلوة والمية ومية والرشيدية.. ومساعي تفشيلها
"سيناريو" اغتيال زيدان بين الأهداف ووقائع رحلة الموت الأخيرة.. والنتائج
"فتح" تُحبِط مخطّطاً لزجّها باقتتال مع "أنصار الله" بعد إفشاله مع "عصبة الأنصار" ‎الأربعاء 20 04 2016 07:18
"فتح" تُحبِط مخطّطاً لزجّها باقتتال مع "أنصار الله" بعد إفشاله مع "عصبة الأنصار"
ألسنة النيران تشتعل بعد انفجار العبوة في سيارة الشهيد العميد فتحي زيدان عند "دوار الأمركان" – صيدا... إلى أين ستمتد؟!

هيثم زعيتر

يتواصل تنفيذ حلقات "سيناريو" الفتنة وفقاً لما أعدّه الـ"مايسترو"، فيُمعن بتجسيده على أرض الواقع من خلال:
قتل البشر...
تدمير الحجر...
حرق الشجر...
تهجير الأسر...
إطلاق الشرر...
تجهيل الأمل المنتظر...
وهذا ما يؤدي إلى بث الخوف والفزع في أوساط الفلسطينيين في المخيّمات، والبحث عن ملاذ أكثر أماناً خارج هذه المخيّمات، ومن استطاع سبيلاً الهجرة إلى خارج لبنان...
والهدف من كل ذلك، إنهاء قضية حلم العودة للاجئين الفلسطينيين، الذين ما زالوا يتمسّكون بها، وصية الأجداد إلى الأبناء والأحفاد...
ويكتمل المشهد بوصل الحلقات في ما بينها من خلال تعمّد نقل الفتنة من مكان إلى آخر، من أجل تهيئة أرضية خصبة تتقبّل أي حلول وطروحات، حتى لو كانت اقتتالاً فلسطينياً - فلسطينياً، وهو ما يسعى الغيورون، حتى الآن إلى منع حصوله، وعدم الإنجرار إليه، وإنْ كان البعض يرى أنّ آخر الداء الكي...
وفي الآونة الأخيرة، هناك مَنْ يصر على رفع وتيرة التوتير، دون النظر إلى العواقب الوخيمة، وبعدما نجحت الجهود في الوصول إلى الهدوء داخل مخيّم عين الحلوة - دون سحب فتيل التفجير - وهو ما أجّل الانفجار، هناك من يُصر على حدوثه، ولذلك ينتقل المخطّط مجدّداً إلى مخيّم المية ومية في منطقة صيدا، ومخيّم الرشيدية في منطقة صور، دون إغفال الإطلالات المتقطعة توتيراً في مخيّم برج البراجنة في بيروت، ومخيّمي نهر البارد والبداوي في الشمال...

إذا ما أُفشل - حتى الآن - المخطّط في مخيّم عين الحلوة بفضل الـ"موزاييك" السياسي المتنوّع للفصائل والقوى الفلسطينية، خاصة بعدما أحبطت حركة "فتح" مخطّطاً لاستدراجها إلى معركة في المخيّم، وكذلك "عصبة الأنصار الإسلامية"، انتقلت إحدى حلقات المخطّط إلى مخيّم المية ومية لحصول اقتتال بين حركة "فتح" و"أنصار الله"، في أعقاب جريمة اغتيال أمين سر حركة "فتح" في مخيّم المية ومية العميد فتحي زيدان "الزورو"، بتفجير عبوة ناسفة داخل سيارته (الثلاثاء 12 نيسان 2016)، لحظة وصوله إلى "دوّار الأمركان" - صيدا، واستتباع ذلك بما جرى الترويج له بأنّ عنصرين من "أنصار الله" في مخيّم الرشيدية في صور، اعترفا بأنّهما كُلّفا بوضع عبوة تستهدف أمين سر إقليم لبنان لحركة "فتح" رفعت شناعة، قبل أنْ يقوم "أنصار الله" بتوقيفهما، وتسليمهما إلى "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" في المخيّم"، التي سلّمتهما بدورها إلى مخابرات الجيش اللبناني في صور.
التفجير بين المستهدف والهدف!
ولم يكن عبثياً اغتيال القيادي الفتحاوي "الزورو"، لأنّ المستهدف يحقّق أكثر من هدف، يسعى إليه مَنْ يقف خلف هذه الجريمة النكراء، من خلال:
- إنّه عضو قيادي في حركة "فتح" ويُعتبر من أبرز قياديي الرعيل الأوّل للحركة في مخيّم المية ومية.
- توقيت التفجير بعد خروج "الزورو" من مخيّم المية ومية، وفي مدنية صيدا، وليس داخل مخيّم.
- للفت الأنظار عمّا يجري في مخيّم عين الحلوة، باتجاه مخيّم المية ومية، الذي كان يتّصف دائماً بـ"الوداعة".
- إنّ المخطّطين هدفوا إلى حصر وضع العبوة، التي انفجرت تحت مقعده، بمخيّم المية ومية، الذي انطلق في رحلة الموت الأخيرة من منزله إلى مقر "القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة" في المية ومية، قبل أنْ يقود سيارته باتجاه مخيّم عين الحلوة مروراً بـ"دوّار الأمركان"، حيث نُفّذت الجريمة الإرهابية.
- إنّ وضع العبوة تحت مقعد سيارته وبزنة 1 كلغ من المواد الشديدة الانفجار، لم يكن رأفةً وبهدف تخفيف الأضرار، لأنّ الانفجار أدّى مفعوله المطلوب، وهو اغتيال "الزورو"، وشدّته وانحراف سيارة الـ"BMW" التي كان يقودها، أدّيا إلى اصطدامها بسيارة أخرى واحتراقها واندلاع ألسنة اللهب، حيث غطّت سحب الدخان السماء.
- إنّ المكان الذي وقع فيه الانفجار، هو المكان المحدّد دون سواه، وإلا لكان جرى تفجير العبوة داخل مخيّم المية ومية، وحصرت تردّدات الانفجار داخل المخيّم، وليس استهدافاً في منطقة ذات حساسية بالغة ومعقّدة، فهي على مقربة من "ثكنة الشهيد محمد زغيب" للجيش اللبناني، وسراي صيدا الحكومي، والطريق الدولي المؤدي إلى الجنوب، الذي تسلكه قوافل قوّات "اليونيفل"، فضلاً عن أنّه على مشارف مخيّم عين الحلوة، ومخيّم المية ومية، وما بينهما من منطقة مكتظة سكانياً، وفيها الكثير من المدارس.
ومَنْ يعرف "الزورو" يعلم تماماً أنّه لا يدخل سيارته إلى مخيّم عين الحلوة، بل يركنها بالقرب من "مسجد أبي عبيدة" على مقربة من المكان الذي حصل فيه الانفجار.
رحلة الموت المشؤومة
ووفقاً لوقائع التحقيقات التي أُجريت تبيّن أنّ "الزورو" غادر منزله قرابة العاشرة صباحاً، وأدار محرك سيارته في المرآب الواقع تحت منزله، والمغلق بإحكام عبر بوابة كبيرة، ومقابلها كاميرا موصولة بجهاز DVR للتسجيل (سلمت إلى أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية)، ومن هناك انطلق إلى أمام مقر "القوّة الأمنية"، حيث عقد اجتماعاً مع المسؤولين فيها من أجل بحث إمكانية تعزيز تواجدها في المخيّم، حيث ركن سيارته بين عدّة سيارات على مقربة من الحاجز، وسلّم المفتاح إلى نجله محمد، فيما الكاميرا الموضوعة على نقطة الحاجز موصولة بالتلفزيون، دون تسجيل، ولدى انتهائه من الاجتماع ومغادرته قرابة الثانية عشرة إلا ربع، تسلّم مفتاح السيارة من نجله محمد، الذي كان يقف إلى جوار السيارة، قبل أنْ ينطلق "الزورو" باتجاه لحظة الموت.
وهذا يشير إلى عدم إمكانية وضع العبوة صباح اليوم المشؤوم، سواء داخل منزله المحكم بإتقان، وأمامه حراسة وكاميرا تسجيل، أو أمام الحاجز، حيث كان يتواجد العديد من الحرّاس، وبينهم نجله محمد، وهو ما يوحي إلى أهمية البحث عن افتراضيات أخرى، وليس حصرها في دائرة ضيقة جداً.
وفي ضوء التحقيقات، يتم التركيز على الأماكن التي كان يركن فيها "الزورو" سيارته، سواء لدى دخوله إلى مخيّم عين الحلوة، بالقرب من "مسجد أبي عبيد بن الجراح" أو لدى انتقاله إلى داخل صيدا القديمة، حيث يركنها على كورنيش صيدا البحري، أو إذا ما كان قد تركها لغسلها في محطة للمحروقات أو لدى ميكانيكي أو حدّاد سيارات.
ولكن يبقى التساؤل هل من أحد تمكّن من نسخ مفتاح سيارة الـ"BMW" الخاصة بالعميد "الزورو"، قبل ذلك، ووضع العبوة قبل فترة من الانفجار؟
وهنا يجب ألا يُستثنى أحد من الاحتمالات، خاصة إذا ما تم التغرير ببعض الأشخاص أو تحريضهم، وهو ما يطرح جملة من التساؤلات؟
لأنّ العبوة لم تكن موضوعة إلى جانب الطريق، ولم تكن في صندوق السيارة، أو ألصقت من الخارج، بل تم وضعها تحت مقعد قيادته.
وهذا يشير إلى أنّ مَنْ تتبّع خطوات الضحية، تمكّن من تحديد تفاصيل تحرّكاته، وطالما أنّ المنفذين هم أيدٍ محلية كانت متواجدة في مسرح الجريمة، فقد يكون هؤلاء ممن كان "الزورو" قد التقى بهم، وربما صافحهم، دون أنْ يدري أنّهم سيكونون المخطّطين أو المنفذين لجريمة اغتياله!
وهو ما يحتّم ضرورة الاستماع إلى إفادات الجميع، والأطراف التي هي في دائرة الاتهام، عليها تكثيف العمل من أجل إثبات البراءة وليس العكس، فأكثر من طرف متهم حتى إثبات براءته، التي تكون بالوصول إلى النتائج الحقيقة للتحقيق بكشف المخطّطين والمنفّذين.
تركّز التحقيق
منذ لحظة الانفجار الرهيب، تركّز التحقيق على معرفة كيفية حصول التفجير، وفي هكذا جرائم يتم الاستناد إلى تقرير الخبير العسكري بعد معاينة مسرح الجريمة، ومعالجة كافة الفرضيات، التي تمحورت حول طريقة تفجير السيارة بعدما تحدّد أن ّالعبوة كانت بداخلها.
* سلكياً: لم يثبت وجود شريط أدّى إلى التفجير.
* ساعة توقيت: لم يُعثر على أثر لها.
* لاسلكياً، وتُبحث عدّة احتمالات في هذا المجال:
أ- الجو، هل سجّل تحرّك لطائرات العدو الصهيوني في أجواء المنطقة في تلك اللحظات، حيث كان الطقس عاصفاً وممطراً؟!
ب- الربط بهاتف خلوي، يتم تفجيره لدى الاتصال به من رقم آخر، وهو ما لم يُعثر عليه.
ج- وبقي الاحتمال الثالث عبر الـ"ريموت كونترول"، وهو ما حسم أمره الخبير العسكري.
ومن أجل الوصول إلى خواتيم سريعة ودقيقة في جريمة الاغتيال، مطلوب التنسيق في العمل بين الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية والفلسطينية، وألا تتشعّب المعطيات والملفات المتعلّقة بهذه الجريمة، بل يتم حصرها في إطارها الصحيح، حيث يجري التحقيق بإشراف مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي هاني الحجار.
لقد حقّق التفجير قسماً كبيراً من أهدافه باغتيال قيادي فتحاوي له باع طويل في حركة الطلقة الأولى، وأيضاً بتردّدات هذا الانفجار في المنطقة ذات الوضع الحسّاس، وبتوجيه الأنظار إلى ما هو مخطّط بالتركيز على محورين، وهما:
- الخلايا الإسلامية، وفي طليعتها "الشباب المسلم" في مخيّم عين الحلوة.
- حركة "أنصار الله" بقيادة الحاج جمال سليمان، والتي تتّخذ من مخيّم المية ومية معقلاً رئيسياً لتواجدها.
ولكن لا يجب استبعاد احتمالات لأطراف أخرى
وفي التوقيت، أتى التفجير بعد الحديث عن أنّ سليمان ينوي الانتقال من مخيّم المية ومية إلى مخيّم عين الحلوة، وبالتالي مواجهة مَنْ يسعى إلى توتير الأجواء والوضع الأمني في عين الحلوة، لذلك اعتُبِرَ هذا التفجير للحؤول دون انتقاله إلى عين الحلوة، وإنّ الوضع الأمني في المية ومية غير مستقر.
وهذا يظهر باختيار كادر فتحاوي الإصرار على استدراج حركة "فتح" لاقتتال مع الأطراف الإسلامية، وبعدما أُفشلت سابقاً في مخيّم عين الحلوة من خلال زجّها في مواجهة مع "عصبة الأنصار الإسلامية" و"الحركة الإسلامية المجاهدة" ومجموعات من "الشباب المسلم"، كان التوجّه إلى زجّها في اقتتال مع "أنصار الله".
وذلك ليس غريباً، إذ أعقب اغتيال "الزورو" وتوجيه أصابع الاتهام إلى "أنصار الله"، الحديث عن ادّعاء عنصرين من "أنصار الله" في مخيّم الرشيدية بأنّهما كُلّفا بوضع عبوة لاغتيال أمين سر إقليم لبنان لحركة "فتح" الحاج رفعت شناعة، قبل أن تقوم "أنصار الله" بتوقيف المُدّعيين سلمان محمود ناصر وطارق علي المهداوي، وتسليمهما إلى أمين سر حركة "فتح" في منطقة صور العميد توفيق عبدالله، الذي سلّمهما بدوره إلى مخابرات الجيش اللبناني للتحقيق معهما.
وأصبح واضحاً أن هناك مَنْ يدق بمطرقة الفتنة إسفين التفجير على سندان المخيّمات من خلال توتير الأجواء وبث الشائعات لإيقاع صدام بين القوى الفلسطينية - للأسف - بأيدٍ فلسطينية تنفّذ أجندات خارجية، أكانت تدري أم لا تدري ما تقوم به!
والإشكالات والتوتير والاشتباكات لها أهداف متعدّدة، بتحقيق تصادم بين عدة قوى، أو شد عصب أطراف متشرذمة، تسعى للتجميع في ما بينها تحت عنوان "التقاء المصالح".
وفي متابعة لما يجري وبعد إفشال الصدام بين عدد من الفصائل الفلسطينية، يبدو جلياً التركيز على استهداف شخصيات لها واقعها التنظيمي والعائلي، في محاولة لإشعال بذور صراع عشائري، وخير دليل على ذلك، ما تعرّض له عبد الرحمن قبلاوي من اغتيال على يدَيْ عمر الناطور، ورد فعل أصدقاء قبلاوي بقتل محمود الناطور، شقيق القاتل عمر (28 آذار 2016)، ولولا تدخّل المصلحين لفلتت الأمور، وأصبح صراعاً عشائرياً، وهو ما كان يُراد حدوثه بعد اغتيال العميد زيدان، إبن إحدى أكبر العائلات في مخيّم المية ومية.
وما جرى كُنّا قد حذّرنا منه في مقالات سابقة، باحتمال الانتقال إلى استهداف شخصيات تحظى بوضع اجتماعي وعشائري، لايقاع صدام بين العائلات، بحيث تتحوّل المخيّمات إلى مربّعات أمنية، وتنتشر فيها النزعة العائلية، بعدما نجحت المصالحات في طَيْ صفحات ثارات سابقة.
ومن أجل مواجهة ما يجري، مطلوب الوصول بالتحقيقات إلى خواتيمها، وإعلانها على الملأ، وعدم إبقاء الأمور رمادية وغامضة، لأنّ الناس قد تصل إلى فترة لا تثق فيها بالتحقيقات والمحقّقين، وتسعى إلى أخذ الثأر باليد، ويتم تشريع القتل والقتل المضاد، وعندها يدخل المصطادون في المياه الراكدة للعبث بأمن المخيمات، ويتعمّدون تزكية وإشعال نار الفتنة فيها، وهو ما عانت منه المخيّمات في فترات سابقة.
كما أنّه بعدما أفشلت "فتح" مخطّطاً لاستدراجها، يبدو أنّ البعض مُصرٌّ على التركيز على الواقع الفتحاوي، سواء بالحديث عن ضعف القيادة الفتحاوية أو عدم حسمها للأمور، فيما تؤكد حركة الطلقة الأولى على أنها أكبر من الجرائم النكراء والاستهداف المتوالي لها، الذي يغتال قيادتها وكوادرها وعناصرها، بهدف الاستدراج، وليست عاجزة عن الحسم العسكري، بل هي تدرك أنّه مُكلف للمخيّم، وتسعى إلى استمرار التواصل مع المخلصين لمحاصرة مَنْ يريد توتير الأجواء في المخيّم تحقيقاً لمشاريع تآمرية متعدّدة الأهداف.
بين تنفيذ المؤامرة، ومساعي إحباطها... لمَنْ ستكون الغلبة؟!

المكان الذي ركن فيه العميد "الزورو" سيارته للمرّة الأخيرة بالقرب من حاجز "القوّة الأمنية" في مخيّم المية ومية

البوابة الحديدية عند مدخل منزل العميد فتحي زيدان مُحكمة الإغلاق

العميد زيدان في آخر اجتماع شارك فيه في مخيّم المية ومية، قبل دقائق من استشهاده