عام >عام
صَيِّف وتحرَّش... إلى متى؟
صَيِّف وتحرَّش... إلى متى؟ ‎الثلاثاء 26 04 2016 11:24
صَيِّف وتحرَّش... إلى متى؟


 البقلاوة صار عندا إجرين وصارت تمشي عالطريق"، "يا قشطة بعدِك نِشطة"، "يقبرني جمالك"، "أوعا يفقع"... وغيرها من عبارات "التزنيخ" التي غالباً ما تتدنّى إلى مستوى نابٍ ولا أخلاقي. هذه المضايقات تُرمى على مسامع النساء والفتيات على الطريق. فخروج المرأة من منزلها يتطلّب جرأة في مجتمعنا، وغضّها الطرف عن التعليقات الرخيصة والمضايقات "السمجة" بات عادة دخلت روتينها اليومي.مرّ الأسبوع الدولي لمكافحة التحرّش في الشارع من 10 إلى 16 نيسان الحالي على عالم تفنَّن في التمييز ضد المرأة، وصولاً إلى عدم تقبّل أنوثتها، وعدم احترام كيانها وحضورها وحريّتها في الأماكن العامة. "التزنيخ" يطال النساء في شتّى إطلالاتهنّ، من المحتشمة إلى المثيرة، ولا يفرّق بين تنورة قصيرة أو طويلة أو حتى بنطلون، لأنّ المشكلة تكمن في عقول الرجال.

ولا زالت هذه العقلية المتخلّفة والأنانية ترى في المرأة أداة متعة وكائناً ضعيفاً يمكن التعدّي بسهولة على كرامته. علماً أنّ ثياب المرأة ومدى تغطيتها أو كشفها عن جسدها ليست معياراً لمدى تعرّضها للمضايقات، خصوصاً أنّ العديد من النساء المحتشمات لا يسلمن من التعليقات الذكورية المتطفلة على الطريق، إلّا أنّ ثيابها المثيرة والجريئة قد تجلب لها المزيد من المتاعب، وترفع احتمال "التلطيش" أو حتّى التعدّي عليها.

خطورة التحرّش

هذا الواقع ليس حكراً على المجتمع اللبناني أو العربي، بل يبدو أنّ انتشاره متجذّر في مختلف البلدان وحتى المتحضّرة منها. نتائج صادمة كشفت عنها دراسة فرنسية حديثة أجرتها شركة IPSOS حول نظرة المجتمع الفرنسي إلى الاغتصاب الجنسي والتحرّش الجنسي واللفظي بالمرأة.

وتَبيّن أنّ 40 في المئة من الفرنسيين لا يلقون اللوم والمسؤولية كاملة على المغتصب إذا تصرّفت المرأة الضحية بطريقة استفزازية في المجتمع، كما يرى 27 في المئة من الشعب الفرنسي أنّ مسؤولية المغتصب تتقلّص إذا ما كانت المرأة ترتدي ملابس مثيرة.

هذه الدراسة خير دليل على ترسّخ الأفكار النمطية إلى حدّ بعيد في بعض المجتمعات ومنها الأوروبية، على رغم دأب معظمها على وضع قوانين تحمي المرأة وتفرض احترامها.

عدم تقبّل المرأة

تدلّ نتائج الدراسة إلى أنّ العقلية الذكورية في كثير من المجتمعات وحتّى المتقدّمة منها، ما زالت غير قادرة على تفهّم أنّه من حقّ المرأة ارتداء ما يحلو لها والاهتمام بأنوثتها وجمالها، وأنّ ارتداءها التنّورة القصيرة مثلاً لا يجعلها "رخيصة" ولقمة سائغة لكلّ من تخوّله نفسه التطاول عليها ووضعها في خانة "المُباحة" وتلطيشها أو حتّى التعدي عليها.

واعتبار عدد لا بأس به من الفرنسيين أنّ منتهِك حرمة المرأة وكرامتها لا بدّ أن يحظى بأسباب تخفيفية في حال مارست حريتها في ارتداء الملابس المثيرة وإغوائه، يشكّل مؤشراً خطيراً. فهؤلاء لم يجرِّموا الرجل على عدم تمالكه نفسه وعدم كبحه رغباته الوحشية وصولاً إلى الاعتداء عليها وارتكابه أبشع أنواع الجرائم الخطيرة والمدمّرة في حقّها وتحويلها إلى ضحية.

غضّ النظر

وفي خضم هذا الواقع لا بدّ من السؤال عن نظرة المجتمعات حول التحرّش اللفظي الذي ربّما يقلّ خطورة عن الجسدي، علماً انّ المعادلة قد تكون جدّ مشابهة لدى البعض، وعلى قاعدة "إنّ ارتداءها الملابس المثيرة والقصيرة يخفّف من جُرم التحرّش اللفظي بها"، بينما يعتبر آخرون أنّها "تلبس هكذا لاستجلاب تعليقات الذكر التي تُمتعها".

ويبدو أنّ المجتمع، وخصوصاً اللبناني، يغضّ الطرف عن التحرّش اللفظي على رغم انتشاره الكبير وتأثيره النفسي السيئ في المرأة. وتشير العيّنة الفرنسية إلى أنّ 76 في المئة من الفرنسيين يرون أنّ المرأة تُصنّف في خانة العنف بعض تصرّفات وأحداث لا يعتبرها الرجل عنفية. إلّا أنّ التحرّش اللفظي وبشهادة علماء النفس مؤذ.

فعدد من النساء يعمدن إلى خفض رؤوسهنّ أمام المتحرّش الوقح وعدم الإجابة، وتحاول أخريات تغيير المسار في الشارع والابتعاد عنه، وغيرهنّ تقوم بتعديل طريقة لباسها لعدم استجلاب تعليقاته.

آثار مدمّرة

إنّ تواتر "التلطيش" مرفقاً أحياناً بالعنف الكلامي، يخلق مناخاً غير سليم للضحايا ويشكّل انتهاكاً لكرامتهنّ وحريتهنّ. وتشعر الضحايا بعدم الأمان والحرية، وينتابهنّ الخوف والحذر لدرجة أنهنّ قد يفوّتن فرصة تعارف حقيقية ويصبحن أقلّ قبولاً لملاحقة معجب فعلي ولمحاولة جذب رجل يلفتهنّ بسبب تعرّضهن الدائم للمضايقات.

 

فالتحرّش اللفظي ليس فكاهة، حتى لو كان مثيراً للسخرية والضحك لشدة غباء الألفاظ، ولا هو مجاملة ولو اعتبرت بعض الفتيات أنها لفتت نظر هذا "الرجل" وأثارته ما دفعه إلى التحرّش بها. فهذا الذكر هدف حتماً إلى إهانتها وليس إلى التعبير عن إعجابه.

القوانين تُجرّم

واقع المضايقات الذكورية في الشارع أو في وسائل النقل العامة دفع دولاً عديدة إلى محاولة كبحه من خلال وضع قوانين تجرّم المتعدّي. ففي فرنسا مثلاً، يتعرّض المتفوّه بالشتائم والتهديدات إلى الحبس مدّة 6 أشهر وإلى غرامة قدرها 22500 يورو.

أمّا وضع اليد على أرداف الضحية، أو إجبارها على تبادل القبل أو التطاول عليها من خلال فرك المرتكب نفسه على جسدها في قطار مزدحم، تصل عقوبتها إلى السجن 5 سنوات ودفع غرامة قدرها 75000 يورو.

آخر الدول التي جرّمت التحرّش بالمرأة في الشارع كانت البرتغال في 27 كانون الأول الماضي. ويتعرّض المتّهم بمضايقة المرأة كلامياً أو بوضع يده على مؤخرتها مثلاً إلى عقوبة تصل إلى 3 سنوات من السجن، خصوصاً إذا عمد إلى خلق جوّ من التخويف، والعدائية، والإهانة والمذَلَّة.

القانون اللبناني

وتجدر الإشارة إلى أنّ لبنان لا يكبح قانونياً التحرّش ضد المرأة، أكان في أماكن العمل أو في الشارع. فالقوانين في هذا الإطار غير موجودة. بينما لا يزال بلدنا يتمسّك بقوانين بالية لم يكبّد مجلس النواب نفسه عناء إلغائها على مرّ السنوات، كما لم يشرّع قوانين أو يعدّل أخرى كي تتماشى مع التطوّر وتواكب العصر.

ففي التشريع اللبناني ما زالت النساء اللواتي يرتدين "الشورت" مخالفات بحسب قانون صادر عام 1941 يشترط أن يستر اللباس مجمل الصدر من النحر حتى الساقين.

وينصّ القانون نفسه على وجوب عدم ارتداء "البيكيني" أو لباس السباحة المثير. وَرثَ اللبنانيّون هذا النصّ القانوني من حقبة الانتداب الفرنسي، علماً أنّه لا يطبّق منذ زمن بعيد إلّا أنه موجود وتطبيقه مشرّع، بينما تغيب موضوعات ذات خطورة عن القوانين اللبنانية، من بينها التحرّش بالمرأة في أماكن العمل وفي الشارع، الذي بات التحرّك في إطار ردعه ضرورة ملحّة.