لبنانيات >أخبار لبنانية
الخفاف في مهرجان الصادقين الشعري الخامس: السيد السيستاني قال لي:" اذا لم نستطع ان نرفع معاناة الناس فعلى الاقل نواسيهم بأنفسنا
الأربعاء 28 11 2018 12:49جنوبيات
تحت شعار”العدل حياة الأحكام” وفي أجواء ولادة النبي محمد “ص” والامام جعفر الصادق “ع”، أقامت جمعية آل البيت “ع” الخيرية ” في قاعة السيد عبد الحسين شرف الدين في مجمع الامام الصادق ع الثقافي مساء الاثنين مهرجان الصادقين الشعري الخامس” برعاية آية الله العظمى السيد علي السيستاني “دام ظله” ممثلاً بالاستاذ حامد الخفاف وبمشاركة الشعراء: احمد شلبي من مصر، حسن المقداد من لبنان، مسار رياض من العراق، حسن بعيتي من سوريا، سليمان جوادي من الجزائر، وعباس عياد من لبنان، وحضور: دولة رئيس مجلس النواب، ورئيس حركة أمل الأستاذ نبيه بري ممثلاً بالنائب محمد خواجة، سماحة رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الامام الشيخ عبد الأمير قبلان ممثلاً بنائبه سماحة الشيخ علي الخطيب، سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان ممثلاً بالشيخ بلال الملا، غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ممثلاً بالأب عبدو ابو كسم، سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن ممثلاً بالشيخ غسان الحلبي، أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله ممثلاً بعضو المكتب السياسي الشيخ محمد كوثراني، سعادة السفير العراقي في لبنان الدكتور علي العامري، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ممثلا بالمقدم فادي حداد، النائب ايهاب حمادة، اضافة الى نواب ووزراء سابقين وممثلي مرجعيات دينية، ومفتين وقضاة وحوزات علمية وفاعليات ادبية، وثقافية، واكاديمية، ودبلوماسية، وإعلامية، وقضائية، وعسكرية، وبلدية، واجتماعية، وحشد من المهتمين.
افتتح المهرجان بآيات بينات من القرآن الكريم تلاها السيد عباس شرف الدين ثم النشيد الوطني اللبناني.
ثم ألقى ممثل السيد السيستاني دام ظله في لبنان، ورئيس “جمعية آل البيت” “ع” الخيرية الاستاذ حامد الخفاف كلمة من وحي المناسبة استهلها بالتهنئة والتبريك بمناسبة ذكرى ولادة الصادقين عليما السلام والترحيب بالحضور.
وتحدث الخفاف عن أهمية العدل في الاسلام ومعانيه دينيا، وفقهيا، وفلسفيا، وكلاميا، وأخلاقيا، وقانونيا، وفكريا، مشيرا الى ان موضوعات العدالة تشعبت بحجم تشعب موضوعات الحياة، ولفت الى ان التفاوت الطبقي والحرمان الإقتصادي من أهم العوامل التي تزعزع المجتمع الإسلامي وتفكك أواصره.
ورأى الخفاف إن شيوع ظواهر الفساد المالي والإداري وفقدان الخدمات العامة التي إبتليت بها مجتمعات إسلامية حكمت بشعارات الدين في عصرنا الحاضر، وأدت إلى نشوء طبقة متخمة بجوار حرمان وفقر مدقعين، هي من أهم أسباب إبتعاد الناس عن الدين وأهله، وتمدد ظاهرة الإلحاد في تلك المجتمعات التي كانت حتى الأمس القريب موصوفة بالتقوى والفضيلة.
واذ أكد على أهمية العدل لدى السيد السيستاني دام ظله في كل ما يتعلق بشؤون الناس قال الخفاف: “وقد أجابني سماحته شخصيا – بعد رفضه لمقترح يتعلق بتحسين وضع مكتبه الخاص رعاية لزواره – قائلا: “إذا لم نستطع أن نرفع معاناة الناس، فعلى الأقل نواسيهم بأنفسنا”.
وهذا نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
بادئ ذي بدء، أتقدم إليكم بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة ذكرى ولادة الصادقين عليهما السلام، ولادة رسول العدالة والإنصاف محمد بن عبد الله (ص) الوارد في زيارته السلام عليك يا قائما بالقسط، وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
كما أتقدم بأسمى آيات الترحيب بكل الحضور المبجل، وأخص بالذكر الشعراء الأفاضل الذين يشاركون في هذا المهرجان المبارك، خصوصا الذين قدموا من خارج لبنان.
فأهلا وسهلا بكم جميعا، في مجمع الإمام الصادق (ع) الثقافي صرح المرجعية الدينية العليا في بيروت.
أيها الحفل الكريم:
منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا، كانت ثنائية (العدل والظلم) هاجس البشرية الدائم، بل كانت – ولا تزال – العامل الأساس في أغلب التحولات الكبرى في تاريخ الإنسانية، ومن هذا المنطلق تقيم جمعية آل البيت (ع) الخيرية مهرجان الصادقين الشعري الخامس تحت عنوان “العدل حياة الأحكام” في محاولة منها، لإعادة مفهوم “العدالة” إلى صدارة الأولويات التي نادى بها الدين، بل هي روحه وغايته المغيبة في حياة الناس!!
وأضاف إن عنوان المهرجان لهذا العام، هي رواية منسوبة للإمام علي بن أبي طالب (ع)، “صوت العدالة الإنسانية” كما وصفه جورج جرداق. وردت الرواية في كتاب “غرر الحكم ودرر الكلم” لعبد الواحد الأمدي التميمي، وهو من علماء القرن الخامس الهجري. والرواية المذكورة ذات مضامين راقية، تؤكد أن لا حياة ولا روح لأحكام الدين من دون العدل، فهو حياة الصلاة والصيام والزكاة، وغيرها. والبعض يرى “أن حياة أحكام الدين بحياة الأهداف الكامنة وراء هذه الأحكام. فالإهتمام بأحكام الدين دون أهدافه من أكبر الأضرار التي تصيب الدين، بل إن هذا الخيار هو إلغاء للدين على نحو التدريج”.
وتابع: لن آتيكم بجديد إن قلت: أن موضوعة “العدالة” من أكثر المواضيع إتساعا في المكتبة العربية والإسلامية، بل والإنسانية… وقد تشعبت مباحثها، وإستطالت مطالبها، ما تنوء بحمله دقائق عشر هي المساحة الزمنية لكلمة إفتتاحية في مهرجان أدبي، ولكنني أتوكل على الله، وبإختصار مكثف، أشير إلى بعض الملاحظات ذات الصلة بالموضوع:
أولا: للعدل تعاريفه الكثيرة، لغة وإصطلاحا، وتعاريفه: دينيا، وفقهيا، وفلسفيا، وكلاميا، وأخلاقيا، وقانونيا، وفكريا. ولعل أكثرها شيوعا هو أن العدل:”إعطاء كل ذي حق حقه” أو “وضع الأمور مواضعها”، وعبر عنه أحد أساتذة الحوزة النجفية بأنه “الضمير الأخلاقي لله سبحانه وتعالى” وهو إستعارة وتوسع في التعبير.
ومن دون الإسهاب في تعريف العدل فإن معانيه حاضرة في ذهن كل واحد منا، فما أن يذكر العدل حتى نستحضر مفاهيم: الإستقامة، والإستواء، والحق، والإعتدال، والمساواة، والوسطية، والميزان، والإنصاف، والإتزان، والقسط.
ثانيا: إن الإهتمام بالعدالة نشأ منذ أن وجد عقل ناهض، وضمير نابض. ويسجل التراث الإنساني لفلاسفة الطبيعة الأوائل سقراط وأفلاطون وأرسطو نظريات رائدة – وإن لم تكن مكتملة – في العدل ونبذ الظلم. كما لفقهاء وفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا ومسكويه وغيرهم. حتى عد البعض كتاب الجمهورية لأفلاطون كتابا في العدالة. كما عدوا “نهج البلاغة كتاب عدالة بدون ترديد”.
وقد تطورت أبحاث العدالة بمرور الزمن وصولا إلى عصرنا الحاضر.
ثالثا: لقد إهتم الإسلام أيّما إهتمام بالعدل وضرورة تطبيقه في حياة الفرد والأمة سلوكا ومنهجا، وأصّل ذلك في القرآن الكريم، الذي وصفه عليّ (ع) “بأنه الناطق بسنة العدل”. وقد عد بعض الباحثين الآيات القرآنية التي تعتبر شواهد للعدل حوالي الثلاثمائة آية. فالعدل في القرآن في بعض ما ورد من آيات هو: من جملة الخُلق الإلهي، ومن غايات بعث الأنبياء، وهو عنوان عام للتشريع في الدين، وهو عنوان عام للقضاء بين الناس، واعتبرت عدالة الشاهد شرطا في إثبات الحقوق، ومقتضى العدل لازم في الإصلاح بين المجموعات المختلفة، وجعل العدل هو السلوك السليم في التعامل بين الناس، وألزم المؤمنين بمراعاة العدل حتى مع من يبغضونه ويعادونه، وأمرهم أيضا بالتعامل مع غير أهل الدين بالقسط، وأمر سبحانه بتحري العدل مع الفئات المستضعفة كاليتامى، وأوجب القسط في التعامل الأسري، وذكر تعالى أن موازين القيامة تجري بالقسط، وهو أقرب طرق الوصول إلى التقوى.
وبالتأكيد فإن العدل في القرآن هو “قرين التوحيد، وركن المعاد، وهدف تشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة، ومعيار كمال الفرد، ومقياس سلامة المجتمع”.
رابعا: إن التراث الروائي الإسلامي زاخر بتبجيل قيمة العدل والحث عليه: فالعدل – كما ورد عن الرسول وأهل بيته (ع) – قوام الرعية، ونظام الأمرة، وأغنى الغنى، وأقوى أساس، وأفضل سجية، وفوز وكرامة، والعدل يصلح البرية، وسائس عام، وهو أساس به قوام العالم. وهو فضيلة السلطان، والإنسان، وخير الحكم.
ومن علامات العقل العمل بسنة العدل. وإن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، وما حصّن الدول بمثل العدل.
خامسا: ورد في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام الشهيرة وهي تعدد أهداف بعض القيم والأحكام، ما نصه: “ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها عن الكبر، والصيام تثبيتا للإخلاص، والزكاة تزييدا في الرزق، والحج تشييدا للدين، والعدل تسكينا للقلوب… وفي رواية أخرى: “تنسيقا” وكلاهما تفيدان نفس المعنى، لأن العدل يزرع المحبة والسكينة والألفة بين القلوب، والظلم ينمي الضغينة والكره والحقد.
وقد وردت العبارة في كتاب بلاغات النساء لإبن طيفور المتوفى سنة 280هـ بصيغة “والعدل تنسكا للقلوب” وهو معنى جميل أيضا، إذ إن العدل يوفر للقلوب ما يوفره النسك والزهد من الراحة النفسية والطمأنينة والإستقرار الروحي.
والملفت أن السيدة الزهراء عليها السلام قرنت العدل بالإيمان بالله وبأحكام الدين، مؤكدة أنه مما فرضه الله على العباد كما فرض الأحكام.
سادسا: تعتقد بعض المذاهب الإسلامية أن العدل من أصول الدين، وأنه من أركان المعتقد التوحيدي، وقد سئل الإمام عليّ (ع) عن التوحيد والعدل فقال: “التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه”.
ويروى عن الصاحب بن عباد المتوفى 385هـ قوله:
العدل والتوحيد كل معاقلــي وولاء آل الطهر كل حصوني
وقوله:
لو شق عن قلبي يرى وسطه سـطران قد خطا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانـــــب وحب أهل البيت في جانب
ولأهمية العدل وكونه غاية الدين، لم يتردد السيد علي بن طاووس المتوفى 664هـ أن يفتي بوضوح: أن السلطان العادل الكافر أفضل من السلطان المسلم الجائر. ليؤكد أن العدل مع الكفر مقدم على الظلم مع الدين.
وقال: لقد تشعبت موضوعات العدالة بحجم تشعب موضوعات الحياة، فهناك العدالة الدينية، والقضائية، والسياسية، والسلطانية، والأسرية، وغيرها، ولعل من أهم موضوعات العدالة المؤثرة بحياة الناس ومستوى إرتباطهم بالدين وأهله، هي العدالة الإجتماعية والإقتصادية. إن التفاوت الطبقي والحرمان الإقتصادي من أهم العوامل التي تزعزع المجتمع الإسلامي وتفكك أواصره، وقد قال الإمام الصادق (ع): ان الناس يستغنون إذا عدل بينهم. وقال الإمام الكاظم (ع): لو عدل بين الناس لاستغنوا. وهذا يعني أينما وجدت فقرا وحرمانا وجدت غيابا للعدالة الإقتصادية والإجتماعية والعكس صحيح.
إن شيوع ظواهر الفساد المالي والإداري وفقدان الخدمات العامة التي إبتليت بها مجتمعات إسلامية حكمت بشعارات الدين في عصرنا الحاضر، وأدت إلى نشوء طبقة متخمة بجوار حرمان وفقر مدقعين، هي من أهم أسباب إبتعاد الناس عن الدين وأهله، وتمدد ظاهرة الإلحاد في تلك المجتمعات التي كانت حتى الأمس القريب موصوفة بالتقوى والفضيلة.
ورحم الله الشيخ الوائلي حين يقول:
بغداد يومك لايزال كأمســــــــــه صـور على طرفي نقيض تجمع
يطغى النّعيـــــــم بجانب وبجانبٍ يطغى الشّقا فمرفّه ومضيــــــــع
في القصر أغنية على شفة الهوى والكوخ دمع في المحاجر يــلذع
ومن الطُوى جنب البيادر صرّع وبجنب زق أبي نؤاس صــــرّع
واشار الى ان العدل حياة الأحكام يعني “تطبيق الأحكام في حياة الناس، لهم وعليهم، ومشاهدة آثارها في تصرفات الحكام والمسؤولين، ولا تحيا الأحكام ولا يبقى ذكر الشريعة خالدا إلا بتطبيق العدالة والعمل بها”.
إن الناس لن تغتر – كما طلب منهم الإمام الصادق (ع) – بكثرة صلاة المسؤولين وصيامهم وحجهم، وإنما تختبرهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة. وأي صدق أفضل من النزاهة وعدم الفساد وأي أمانة أثقل من حفظ المال العام وصرفه على مصالح الناس، وتوفير الخدمات العامة لهم.
ومن هنا فقد أكد سماحة السيد السيستاني دام ظله مرارا وتكرارا على ضرورة إعتماد مبدأ القسط والعدل في كل ما يتعلق بشؤون الناس، وتأسيس النظام الجديد في العراق، وشدد على ضرورة تكريس مبدأ العدالة الإجتماعية قائلا في أحد نصوصه: إن المواطنين يتوقعون – وهم على حق في ذلك – أن يروا أعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين في الحكومة يشاطرونهم في معاناتهم ويشاركونهم في مصاعب الحياة، ويتشبهون في ذلك بالإمام علي (ع) الذي كان يقول: “أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟”.
وتابع: “وأشار سماحته إلى الإختلاف الفاحش في سلم الرواتب حيث ينعم البعض برواتب كبيرة في الوقت الذي لا يحصل فيه المعظم على ما يفي بمتطلبات العيش الكريم، مؤكدا على ضرورة علاج هذا المشكل بما يضمن العدالة الإجتماعية.
وقد أجابني سماحته شخصيا – بعد رفضه لمقترح يتعلق بتحسين وضع مكتبه الخاص رعاية لزواره – قائلا: “إذا لم نستطع أن نرفع معاناة الناس، فعلى الأقل نواسيهم بأنفسنا”.
واشار الخفاف الى “إن العدل هو ممارسة في السلطة، وأداء في الإدارة، وأحكام في القضاء، وإنضباط في البيع والشراء، وطريقة عيش في الأسرة، وتقويم للسان من شطط القول، وتهذيب للنفس من أدرانها، واعتدال في المواقف، وتوازن في الرؤى. وسيف قاطع في الحق.
وختم بالقول: ” لأن ديوان العرب الشعري ليس فيه إلا النزر القليل عن العدالة كقيمة إنسانية – بحدود إستقرائي المتواضع – فإن مهرجان الصادقين الشعري الخامس يكتسب بعنوانه فرادة الريادة من خلال قصائد شعرائه التي نأمل أن تتغنى بالعدل، وتنشد للقسط، وتعزف للمظلومين لحن خلاصهم، وللظالمين نذير هلاكهم، إلى أي دين أو طائفة إنتموا. وهذه هي رسالة المهرجان لهذا العام”…
السلام على المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم ألقى كل من الشعراء: احمد شلبي من مصر، حسن المقداد من لبنان، مسار رياض من العراق، حسن بعيتي من سوريا، سليمان جوادي من الجزائر، وعباس عياد من لبنان، قصائد من وحي المناسبة
عرف الحفل الشاعر حسين حمادة
افتتح المهرجان بآيات بينات من القرآن الكريم تلاها السيد عباس شرف الدين ثم النشيد الوطني اللبناني.
ثم ألقى ممثل السيد السيستاني دام ظله في لبنان، ورئيس “جمعية آل البيت” “ع” الخيرية الاستاذ حامد الخفاف كلمة من وحي المناسبة استهلها بالتهنئة والتبريك بمناسبة ذكرى ولادة الصادقين عليما السلام والترحيب بالحضور.
وتحدث الخفاف عن أهمية العدل في الاسلام ومعانيه دينيا، وفقهيا، وفلسفيا، وكلاميا، وأخلاقيا، وقانونيا، وفكريا، مشيرا الى ان موضوعات العدالة تشعبت بحجم تشعب موضوعات الحياة، ولفت الى ان التفاوت الطبقي والحرمان الإقتصادي من أهم العوامل التي تزعزع المجتمع الإسلامي وتفكك أواصره.
ورأى الخفاف إن شيوع ظواهر الفساد المالي والإداري وفقدان الخدمات العامة التي إبتليت بها مجتمعات إسلامية حكمت بشعارات الدين في عصرنا الحاضر، وأدت إلى نشوء طبقة متخمة بجوار حرمان وفقر مدقعين، هي من أهم أسباب إبتعاد الناس عن الدين وأهله، وتمدد ظاهرة الإلحاد في تلك المجتمعات التي كانت حتى الأمس القريب موصوفة بالتقوى والفضيلة.
واذ أكد على أهمية العدل لدى السيد السيستاني دام ظله في كل ما يتعلق بشؤون الناس قال الخفاف: “وقد أجابني سماحته شخصيا – بعد رفضه لمقترح يتعلق بتحسين وضع مكتبه الخاص رعاية لزواره – قائلا: “إذا لم نستطع أن نرفع معاناة الناس، فعلى الأقل نواسيهم بأنفسنا”.
وهذا نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
بادئ ذي بدء، أتقدم إليكم بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة ذكرى ولادة الصادقين عليهما السلام، ولادة رسول العدالة والإنصاف محمد بن عبد الله (ص) الوارد في زيارته السلام عليك يا قائما بالقسط، وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
كما أتقدم بأسمى آيات الترحيب بكل الحضور المبجل، وأخص بالذكر الشعراء الأفاضل الذين يشاركون في هذا المهرجان المبارك، خصوصا الذين قدموا من خارج لبنان.
فأهلا وسهلا بكم جميعا، في مجمع الإمام الصادق (ع) الثقافي صرح المرجعية الدينية العليا في بيروت.
أيها الحفل الكريم:
منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا، كانت ثنائية (العدل والظلم) هاجس البشرية الدائم، بل كانت – ولا تزال – العامل الأساس في أغلب التحولات الكبرى في تاريخ الإنسانية، ومن هذا المنطلق تقيم جمعية آل البيت (ع) الخيرية مهرجان الصادقين الشعري الخامس تحت عنوان “العدل حياة الأحكام” في محاولة منها، لإعادة مفهوم “العدالة” إلى صدارة الأولويات التي نادى بها الدين، بل هي روحه وغايته المغيبة في حياة الناس!!
وأضاف إن عنوان المهرجان لهذا العام، هي رواية منسوبة للإمام علي بن أبي طالب (ع)، “صوت العدالة الإنسانية” كما وصفه جورج جرداق. وردت الرواية في كتاب “غرر الحكم ودرر الكلم” لعبد الواحد الأمدي التميمي، وهو من علماء القرن الخامس الهجري. والرواية المذكورة ذات مضامين راقية، تؤكد أن لا حياة ولا روح لأحكام الدين من دون العدل، فهو حياة الصلاة والصيام والزكاة، وغيرها. والبعض يرى “أن حياة أحكام الدين بحياة الأهداف الكامنة وراء هذه الأحكام. فالإهتمام بأحكام الدين دون أهدافه من أكبر الأضرار التي تصيب الدين، بل إن هذا الخيار هو إلغاء للدين على نحو التدريج”.
وتابع: لن آتيكم بجديد إن قلت: أن موضوعة “العدالة” من أكثر المواضيع إتساعا في المكتبة العربية والإسلامية، بل والإنسانية… وقد تشعبت مباحثها، وإستطالت مطالبها، ما تنوء بحمله دقائق عشر هي المساحة الزمنية لكلمة إفتتاحية في مهرجان أدبي، ولكنني أتوكل على الله، وبإختصار مكثف، أشير إلى بعض الملاحظات ذات الصلة بالموضوع:
أولا: للعدل تعاريفه الكثيرة، لغة وإصطلاحا، وتعاريفه: دينيا، وفقهيا، وفلسفيا، وكلاميا، وأخلاقيا، وقانونيا، وفكريا. ولعل أكثرها شيوعا هو أن العدل:”إعطاء كل ذي حق حقه” أو “وضع الأمور مواضعها”، وعبر عنه أحد أساتذة الحوزة النجفية بأنه “الضمير الأخلاقي لله سبحانه وتعالى” وهو إستعارة وتوسع في التعبير.
ومن دون الإسهاب في تعريف العدل فإن معانيه حاضرة في ذهن كل واحد منا، فما أن يذكر العدل حتى نستحضر مفاهيم: الإستقامة، والإستواء، والحق، والإعتدال، والمساواة، والوسطية، والميزان، والإنصاف، والإتزان، والقسط.
ثانيا: إن الإهتمام بالعدالة نشأ منذ أن وجد عقل ناهض، وضمير نابض. ويسجل التراث الإنساني لفلاسفة الطبيعة الأوائل سقراط وأفلاطون وأرسطو نظريات رائدة – وإن لم تكن مكتملة – في العدل ونبذ الظلم. كما لفقهاء وفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا ومسكويه وغيرهم. حتى عد البعض كتاب الجمهورية لأفلاطون كتابا في العدالة. كما عدوا “نهج البلاغة كتاب عدالة بدون ترديد”.
وقد تطورت أبحاث العدالة بمرور الزمن وصولا إلى عصرنا الحاضر.
ثالثا: لقد إهتم الإسلام أيّما إهتمام بالعدل وضرورة تطبيقه في حياة الفرد والأمة سلوكا ومنهجا، وأصّل ذلك في القرآن الكريم، الذي وصفه عليّ (ع) “بأنه الناطق بسنة العدل”. وقد عد بعض الباحثين الآيات القرآنية التي تعتبر شواهد للعدل حوالي الثلاثمائة آية. فالعدل في القرآن في بعض ما ورد من آيات هو: من جملة الخُلق الإلهي، ومن غايات بعث الأنبياء، وهو عنوان عام للتشريع في الدين، وهو عنوان عام للقضاء بين الناس، واعتبرت عدالة الشاهد شرطا في إثبات الحقوق، ومقتضى العدل لازم في الإصلاح بين المجموعات المختلفة، وجعل العدل هو السلوك السليم في التعامل بين الناس، وألزم المؤمنين بمراعاة العدل حتى مع من يبغضونه ويعادونه، وأمرهم أيضا بالتعامل مع غير أهل الدين بالقسط، وأمر سبحانه بتحري العدل مع الفئات المستضعفة كاليتامى، وأوجب القسط في التعامل الأسري، وذكر تعالى أن موازين القيامة تجري بالقسط، وهو أقرب طرق الوصول إلى التقوى.
وبالتأكيد فإن العدل في القرآن هو “قرين التوحيد، وركن المعاد، وهدف تشريع النبوة وفلسفة الزعامة والإمامة، ومعيار كمال الفرد، ومقياس سلامة المجتمع”.
رابعا: إن التراث الروائي الإسلامي زاخر بتبجيل قيمة العدل والحث عليه: فالعدل – كما ورد عن الرسول وأهل بيته (ع) – قوام الرعية، ونظام الأمرة، وأغنى الغنى، وأقوى أساس، وأفضل سجية، وفوز وكرامة، والعدل يصلح البرية، وسائس عام، وهو أساس به قوام العالم. وهو فضيلة السلطان، والإنسان، وخير الحكم.
ومن علامات العقل العمل بسنة العدل. وإن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل، وما حصّن الدول بمثل العدل.
خامسا: ورد في خطبة السيدة الزهراء عليها السلام الشهيرة وهي تعدد أهداف بعض القيم والأحكام، ما نصه: “ففرض الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها عن الكبر، والصيام تثبيتا للإخلاص، والزكاة تزييدا في الرزق، والحج تشييدا للدين، والعدل تسكينا للقلوب… وفي رواية أخرى: “تنسيقا” وكلاهما تفيدان نفس المعنى، لأن العدل يزرع المحبة والسكينة والألفة بين القلوب، والظلم ينمي الضغينة والكره والحقد.
وقد وردت العبارة في كتاب بلاغات النساء لإبن طيفور المتوفى سنة 280هـ بصيغة “والعدل تنسكا للقلوب” وهو معنى جميل أيضا، إذ إن العدل يوفر للقلوب ما يوفره النسك والزهد من الراحة النفسية والطمأنينة والإستقرار الروحي.
والملفت أن السيدة الزهراء عليها السلام قرنت العدل بالإيمان بالله وبأحكام الدين، مؤكدة أنه مما فرضه الله على العباد كما فرض الأحكام.
سادسا: تعتقد بعض المذاهب الإسلامية أن العدل من أصول الدين، وأنه من أركان المعتقد التوحيدي، وقد سئل الإمام عليّ (ع) عن التوحيد والعدل فقال: “التوحيد أن لا تتوهمه، والعدل أن لا تتهمه”.
ويروى عن الصاحب بن عباد المتوفى 385هـ قوله:
العدل والتوحيد كل معاقلــي وولاء آل الطهر كل حصوني
وقوله:
لو شق عن قلبي يرى وسطه سـطران قد خطا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانـــــب وحب أهل البيت في جانب
ولأهمية العدل وكونه غاية الدين، لم يتردد السيد علي بن طاووس المتوفى 664هـ أن يفتي بوضوح: أن السلطان العادل الكافر أفضل من السلطان المسلم الجائر. ليؤكد أن العدل مع الكفر مقدم على الظلم مع الدين.
وقال: لقد تشعبت موضوعات العدالة بحجم تشعب موضوعات الحياة، فهناك العدالة الدينية، والقضائية، والسياسية، والسلطانية، والأسرية، وغيرها، ولعل من أهم موضوعات العدالة المؤثرة بحياة الناس ومستوى إرتباطهم بالدين وأهله، هي العدالة الإجتماعية والإقتصادية. إن التفاوت الطبقي والحرمان الإقتصادي من أهم العوامل التي تزعزع المجتمع الإسلامي وتفكك أواصره، وقد قال الإمام الصادق (ع): ان الناس يستغنون إذا عدل بينهم. وقال الإمام الكاظم (ع): لو عدل بين الناس لاستغنوا. وهذا يعني أينما وجدت فقرا وحرمانا وجدت غيابا للعدالة الإقتصادية والإجتماعية والعكس صحيح.
إن شيوع ظواهر الفساد المالي والإداري وفقدان الخدمات العامة التي إبتليت بها مجتمعات إسلامية حكمت بشعارات الدين في عصرنا الحاضر، وأدت إلى نشوء طبقة متخمة بجوار حرمان وفقر مدقعين، هي من أهم أسباب إبتعاد الناس عن الدين وأهله، وتمدد ظاهرة الإلحاد في تلك المجتمعات التي كانت حتى الأمس القريب موصوفة بالتقوى والفضيلة.
ورحم الله الشيخ الوائلي حين يقول:
بغداد يومك لايزال كأمســــــــــه صـور على طرفي نقيض تجمع
يطغى النّعيـــــــم بجانب وبجانبٍ يطغى الشّقا فمرفّه ومضيــــــــع
في القصر أغنية على شفة الهوى والكوخ دمع في المحاجر يــلذع
ومن الطُوى جنب البيادر صرّع وبجنب زق أبي نؤاس صــــرّع
واشار الى ان العدل حياة الأحكام يعني “تطبيق الأحكام في حياة الناس، لهم وعليهم، ومشاهدة آثارها في تصرفات الحكام والمسؤولين، ولا تحيا الأحكام ولا يبقى ذكر الشريعة خالدا إلا بتطبيق العدالة والعمل بها”.
إن الناس لن تغتر – كما طلب منهم الإمام الصادق (ع) – بكثرة صلاة المسؤولين وصيامهم وحجهم، وإنما تختبرهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة. وأي صدق أفضل من النزاهة وعدم الفساد وأي أمانة أثقل من حفظ المال العام وصرفه على مصالح الناس، وتوفير الخدمات العامة لهم.
ومن هنا فقد أكد سماحة السيد السيستاني دام ظله مرارا وتكرارا على ضرورة إعتماد مبدأ القسط والعدل في كل ما يتعلق بشؤون الناس، وتأسيس النظام الجديد في العراق، وشدد على ضرورة تكريس مبدأ العدالة الإجتماعية قائلا في أحد نصوصه: إن المواطنين يتوقعون – وهم على حق في ذلك – أن يروا أعضاء مجلس النواب وكبار المسؤولين في الحكومة يشاطرونهم في معاناتهم ويشاركونهم في مصاعب الحياة، ويتشبهون في ذلك بالإمام علي (ع) الذي كان يقول: “أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟”.
وتابع: “وأشار سماحته إلى الإختلاف الفاحش في سلم الرواتب حيث ينعم البعض برواتب كبيرة في الوقت الذي لا يحصل فيه المعظم على ما يفي بمتطلبات العيش الكريم، مؤكدا على ضرورة علاج هذا المشكل بما يضمن العدالة الإجتماعية.
وقد أجابني سماحته شخصيا – بعد رفضه لمقترح يتعلق بتحسين وضع مكتبه الخاص رعاية لزواره – قائلا: “إذا لم نستطع أن نرفع معاناة الناس، فعلى الأقل نواسيهم بأنفسنا”.
واشار الخفاف الى “إن العدل هو ممارسة في السلطة، وأداء في الإدارة، وأحكام في القضاء، وإنضباط في البيع والشراء، وطريقة عيش في الأسرة، وتقويم للسان من شطط القول، وتهذيب للنفس من أدرانها، واعتدال في المواقف، وتوازن في الرؤى. وسيف قاطع في الحق.
وختم بالقول: ” لأن ديوان العرب الشعري ليس فيه إلا النزر القليل عن العدالة كقيمة إنسانية – بحدود إستقرائي المتواضع – فإن مهرجان الصادقين الشعري الخامس يكتسب بعنوانه فرادة الريادة من خلال قصائد شعرائه التي نأمل أن تتغنى بالعدل، وتنشد للقسط، وتعزف للمظلومين لحن خلاصهم، وللظالمين نذير هلاكهم، إلى أي دين أو طائفة إنتموا. وهذه هي رسالة المهرجان لهذا العام”…
السلام على المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ثم ألقى كل من الشعراء: احمد شلبي من مصر، حسن المقداد من لبنان، مسار رياض من العراق، حسن بعيتي من سوريا، سليمان جوادي من الجزائر، وعباس عياد من لبنان، قصائد من وحي المناسبة
عرف الحفل الشاعر حسين حمادة