لبنانيات >أخبار لبنانية
هذه القصة الكاملة لوقائع التسوية الحكومية
هذه القصة الكاملة لوقائع التسوية الحكومية ‎الأربعاء 19 12 2018 13:20
هذه القصة الكاملة لوقائع التسوية الحكومية

عماد مرمل

بعد طول انتظار، عولجت العقدة السنّية وفق منطق "التسويات اللبنانية". تدوير للزوايا الحادّة ونحت في صخر اللاءات المتشددة، ثم ولادة لحل تمتزج فيه التنازلات المتبادلة، إنما بنِسب متفاوتة ربطاً بموازين القوى. ولكن، ما هي قصة التسوية التي أخرجت الحكومة من عنق الزجاجة؟

 بعد التباين العلني بين موقفي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"حزب الله" حيال تمثيل النواب السنّة المستقلّين في الحكومة، نشطت أكثر من قناة اتصال بينهما سعياً الى سد الثغرة الموضعية في بنيان التحالف الاستراتيجي الذي يجمع الطرفين منذ توقيع وثيقة التفاهم عام 2006.

في تلك المرحلة، كان النائب اللواء جميل السيد أحد أبرز الناشطين على خط بعبدا- حارة حريك، ساعياً الى صوغ مقاربة مشتركة لطبيعة العقدة السنّية وسبل معالجتها. في البداية، سمع السيّد من عون ما مفاده انّ الرئيس المكلّف سعد الحريري هدّد بالاعتذار عن تشكيل الحكومة إذا أصرّ "حزب الله" على انتزاع مقعد وزاري لـ"اللقاء التشاوري"، وأنّه لا بأس في ان يساير "الحزب" رئيس الجمهورية حيال هذه المسألة ويتفهّم دقّة الوضع.

حاول السيّد ان يختبر في قصر بعبدا إمكان إخضاع العقدة السنّية الى حل مستنسخ عن ذاك الذي سبق اعتماده لمعالجة العقدة الدرزية، خصوصاً وانّ السيد أدّى دوراً اساسياً في "حياكة" التسوية للخلاف على المقعد الوزاري الدرزي الثالث، بعد حركة دؤوبة تولاها على خطوط بعبدا - كليمنصو- خلدة، تُوّجت بعشاء مثمر مع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.

لم يتأخّر عون في إبداء ليونة في التعامل مع مبدأ تمثيل النواب الستة بوزير، وبادر الى استقبالهم في قصر بعبدا، معترفاً بحيثيتهم في الطائفة السنّية ومتفهماً مطلبهم، إنما من دون ان يحدّد طريقة الاستجابة له. في هذا الوقت، كان الحريري لا يزال يرفض بشدة أي محاولة لـ"تسلل" سنّة 8 آذار الى حكومته، سواء عبر حصّته أو حصّة غيره.

أدرك عون انّ تصلّب الرئيس المكلّف صار جزءاً من المشكلة، وأنّ عليه أن يستعيد المبادرة، بعدما أخذ الوقت الضائع ينهش في جسم العهد، فالتقى رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد والحاج حسين الخليل المعاون السياسي للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، والتقط منهما إشارات إيجابية، تمّ البناء عليها لاحقاً.

صحيحٌ انّ الحزب متضامن مع مطلب "اللقاء التشاوري" إنطلاقاً من وفائه لحلفائه، لكن الصحيح أيضاً أنّه حريص على حماية عهد حليفه الآخر عون، وهو لا يريد ان يبدو عبئاً على رئيس الجمهورية الذي يجاهر بدعمه للمقاومة، على رغم من كل الضغوط الدولية. وهكذا، ترك "الحزب" نافذة مفتوحة على "التسوية العادلة"، عندما أكّد رعد بعد لقاء عون، انّ المطلوب إعتراف الحريري بحيثية "اللقاء التشاوري" وبحقه في ان يتمثل بوزير ضمن حكومة الوحدة الوطنية، ليبنى على الشيء مقتضاه، فاسحاً بذلك المجال أمام البحث في خيار تمثيل النواب السنّة المستقلّين من خارج صفوفهم.

لاحقاً، وفي إطار استكمال دينامية المبادرة التي أطلقها، التقى عون الحريري على قاعدة ان يتولى إقناعه بالموافقة على مشروع التسوية، فيما يتكفّل "الحزب" بتليين موقف حلفائه السنّة. وفي اليوم التالي، كان الحريري يحطّ في لندن للمشاركة في مؤتمر اقتصادي حضره أيضاً الوزير جبران باسيل، لتبدأ هناك المرحلة الأخيرة والحاسمة من مخاض الولادة الحكومية القيصرية.

بعيداً من جدول أعمال المؤتمر، إجتمع الحريري مع باسيل في أحد فنادق العاصمة البريطانية في توقيت الـ"TEA TIME"، حيث طرح وزير الخارجية على الرئيس المكلّف ثلاثة مقترحات لمعالجة العقدة السنّية. بعد أخذ ورد، وافق الحريري على المقترح الاول (الصيغة التي يجري تطبيقها حالياً) ليخرج الحريري ويقول من لندن، إنّ الوصول الى الحكومة لم يعد يتطلب سوى قطع مسافة المئة متر الأخيرة.

المصدر : الجمهورية