عام >عام
اللواء ابراهيم: هكذا ولدت الحكومة... وأدرك أنّ حياتي بخطر
السبت 22 12 2018 00:17داني حداد
يُشرِف عامٌ لبنانيٌّ صعب على الانتهاء بأمل. حكومة قد "لا تشيل الزير من البير"، كما يقول العامّة، ولكنّها تفتح كوّةً في جدار الأزمات اللبنانيّة الذي طال ارتفاعه.
وقبيل سقوط الورقة الأخيرة من روزنامة سنةٍ لبنانيّة غير مأسوفٍ عليها، كان "حوار العام" مع شخصيّة نجحت، في الـ ٢٠١٨، في تدوير الزوايا الحادّة وفي ابتكار حلول، حين كنّا نظنّ أنّ الحلّ مستعصٍ.
ليس مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم شخصيّةً عابرة. له الإنجازات، والمهام الصعبة، كما التقدير والإشادة... وهذا الحوار.
البداية من الحكومة. له هنا، أيضاً، بصمةً. فهل بات البلد لا يمشي بلا عباس ابراهيم؟ يجيب اللواء ابراهيم: "أكيد البلد بيمشي من دوني، وما من بلد لا يمشي بلا شخص، وما من مؤسّسة تقوم استمراريّتها على شخصٍ واحد. إلا أنّ مقاربتي للأمور وقدرتي على التواصل مع مختلف الأفرقاء أهّلاني لتأدية أدوار نجحت فيها، إلا أنّني لا أرغب أبداً بتكبير دوري".
تخطّى دور اللواء ابراهيم في الفترة الأخيرة الإطار الأمني الى "ملعب" السياسة. يقول عن هذا الأمر: "أريد أن أذكّر، خصوصاً انطلاقاً ممّا يكتبه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنّني لا أتعدّى على صلاحيّات أحد، وجزء من مهمّة الأمن العام هو الأمن السياسي، وما نقوم به يندرج في هذا الإطار. وأودّ، في هذا المجال، أن أشكر فخامة الرئيس على الثقة شبه المطلقة، كي لا أقول المطلقة وأكبّر حجمي لدى فخامته، حيث أتاح لي أن أترجم مبادرته الى أرض الواقع".
ويضيف: "علاقتي مع الرئيس قديمة، وأفتخر بأنّني أحتفظ بصورة تجمعني به أثناء تخرّجي من إحدى الدورات في المدرسة الحربيّة وكان حينها قائداً للجيش. كما كنت أتواصل معه كزعيم سياسي وأزوره في الرابية بعيداً عن الإعلام، وكذلك كنت أقوم بدور الوسيط بينه وبين أكثر من جهة حين كنت نائبا لمدير المخابرات. وهذه الثقة اكتسبتها نتيجة المصداقيّة في التعاطي معه".
ولكن، ما سرّ نجاح اللواء ابراهيم دوماً في المهام الموكلة إليه، أمنيّاً وسياسيّاً؟
يؤكّد: "ما من سرّ، بل هي طريقة التخاطب مع الآخرين، فأنا أحرص على الشفافيّة والصدق في التعامل، وليست لديّ أجندا مخفيّة وأخرى معلنة ولا أخفي أوراقاً في جيبي بل أطرح الأمور كما هي، وأظنّ أنّ المصداقيّة هي التي تكسبني ثقة الآخرين. لست "سوبر مان"، ولكنّ الظروف هي التي تساعدني أحياناً، وهذا ما حصل في موضوع تشكيل الحكومة".
تفصلنا ساعات عن ولادة الحكومة. فلماذا نجحت المبادرة اليوم؟
يجيب اللواء ابراهيم: "المبادرة من أفكار عدّة، كانت لي كما لغيري مساهمات فيها، إلا أنّ من وضع النقاط على الحروف كان رئيس الجمهوريّة وحوّل هذه الأفكار الى نقاط صالحة للتنفيذ وكلّفني بالمهمّة. أما التوقيت فله صلة بظروف عدّة، منها الظرف الاقتصادي الذي كانت أبرز دلالاته الاجتماعات المتكرّرة بين وزير المال وحاكم مصرف لبنان، بالإضافة الى قضيّة الأنفاق المزعومة على الحدود مع فلسطين المحتلّة. ذلك كلّه دفع المسؤولين الى التراجع خطوة الى الوراء لتسهيل ولادة الحكومة، وحين تتراجع لمصلحة البلد يكون ذلك تضحيةً لا تنازلاً".
ويروي اللواء ابراهيم مسار المبادرة، فيقول: "زرت الرئيس نبيه بري لأنال بركته، واكتشفت أنّه كان يدرس هذه المبادرة منذ فترة طويلة، وهو يتبنّاها، ثمّ كان لقاء مع الرئيس المكلّف سعد الحريري ومع اللقاء التشاوري المعني بالأزمة، أما موعد ولادة الحكومة فيحدّده رئيسا الجمهوريّة والحكومة، إلا أنّ المؤكّد أنّ الولادة قريبة جدّاً".
وماذا عن موعد وشكل اللقاء بين الحريري واللقاء التشاوري؟
يجيب: "لم يتحدّد حتى هذه اللحظة إلا أنّ مسار الأمور يفرض حصوله".
ونسأل اللواء ابراهيم: هل صحيح أنّك زكّيت إسم جواد عدرا؟ فيجيب سريعا: "لم أزكِّ أحداً، وأعضاء اللقاء التشاوري يعرفون جيّداً ما حصل في الاجتماع بيني وبينهم، فهم اقترحوا أسماء وأنا نقلتها بأمانة الى فخامة الرئيس ليختار من بينها ولم أذكر إسم جواد عدرا حين التقيتهم كفرادى أو كمجموعة".
ويلفت الى أنّ "حزب الله مسهّل ومبارك لأيّ خيار يتّفق عليه النوّاب الستّة، كما قال السيّد حسن نصرالله".
يبدو مدير عام الأمن العام متفائلاً. يقول: "ستحدث الحكومة صدمة إيجابيّة تعيد تحريك العجلة الاقتصاديّة، وهناك الكثير من المشاريع التي ستنطلق من جديد، وأعتقد أنّ العام 2019 سيكون أفضل من العام الحالي".
وبما أنّنا على وشك وداع عام واستقبال آخر، لا بدّ من السوأل: هل تشكيل الحكومة إنجاز العام للواء عباس ابراهيم؟
يقول: "الإنجاز للرئيس، ولكنّ نجاحي في المهمّة هو المحطة الأبرز في سنتي".
ولكن، ما هي خيبة العام إذاً، نسأل ثمّ نقترح: هل هو مرسوم التجنيس؟
يجيب: "أبداً، فهذا الموضوع بات وراءنا وأنا قمت بواجبي لناحية دراسة الأسماء على الصعيد الأمني ووضعت ملاحظاتي، إلا أنّ القرار في ذلك يعود الى السلطة السياسيّة".
ويتابع: "أنا عسكري وأكتفي بإنجاز مهمّتي، ولكن حين يعود القرار لغيري فعليّ أن أتقبّل الأمر وأطيع".
في ظلّ المزايدات من أكثر من جهة، نجح اللواء عباس ابراهيم، من دون كثرة كلام، في إدارة ملف النازحين السوريّين. يشير الى "خطّة لعودة النازحين، تنقسم الى جزئين: العودة الطوعيّة المنظّمة، التي تتمّ بالتنسيق مع السلطات السوريّة، والعودة الطوعيّة المسهَّلة من قبل الأمن العام. وأستطيع أن أؤكّد أنّ عدد العائدين في العام 2018 تجاوز الـ 110 آلاف نازح.
وسنتابع السياسة نفسها في العام 2019، إلا أنّ المؤكّد أنّ الظروف السياسيّة الدوليّة ستسهّل العودة بشكلٍ أوسع".
أما عن سبب عدم تطبيق المبادرة الروسيّة في هذا الشأن، فيرى "أنّ الأمر له صلة على الأرجح بالعوائق الماديّة".
يقارب اللواء ابراهيم موضوع الخطر الأمني بواقعيّة. يؤكد أنّ "الخطر الأمني جاسم باستمرار، وما من بلدٍ في العالم آمن بشكلٍ كامل، ولكن مستوى الأمن مرتفع جدّاً في لبنان ونحن نتابع هذا الموضوع ونضعه في سلّم أولويّاتنا، والتوقيفات مستمرّة وبشكلٍ شبه يومي".
ونسأل: هل هناك عمليّات أمنيّة تكتشفونها ولا تكشفون عنها؟
يجيب: "نعم، هناك الكثير من العمليّات التي لا نكشف عنها لأسبابٍ عدّة، ولكن ما من شيء يدعو الى القلق في هذا الإطار، ويمكنني التأكيد أنّ الأمن الاستباقي لا تزال مفاعيله سارية".
وماذا عن الخطر على حياة اللواء عباس ابراهيم؟ يقول: "ضميري مرتاح، وأتّخذ الإجراءات الوقائيّة باستمرار، والخطر الموجود على حياتي لن يمنعني من مواصلة مهامي، فأنا إبن المؤسّسة العسكريّة وهذا خياري".
تردّدت في الفترة الأخيرة معلومات عن تباين في وجهات النظر بين اللواء ابراهيم وقائد الجيش. يؤكد، في هذا الصدد، أنّ "التنسيق قائم بين المؤسّستين على مدار الساعة، وعلاقتي جيّدة بقائد الجيش على الصعيدين الاجتماعي والمهني، وتعليماتي واضحة بتسهيل أيّ طلب من الجيش، وعدم لقائي بالعماد جوزيف عون لا يعني أنّ علاقتي به غير جيّدة".
ويتابع، ردّاً على سؤال عن صراع الأجهزة: "حين تولّى الوزير نهاد المشنوق مسؤوليّته في وزارة الداخليّة، عقدنا اجتماعات عدّة للأجهزة الأمنيّة معه ومع وزير الدفاع، وأطلق نظريّة كسرت من حدّة هذا الصراع، فقال إنّ العمل الذي تقومون به كلّه سمّ، فإذا توزّعتم السمّ على الجميع أصبح طُعماً، أما إذا احتفظتم بالسمّ فقد يقتلكم. علماً أنّ الصراع بين الأجهزة مفيد لجهة التنافس الإيجابي لأنّه أحد عوامل الاستقرار في البلد".
يتابع مدير عام الأمن العام قضيّتين حسّاستين: نزار زكا الموقوف في إيران، والمطرانان وسمير كساب المخطوفون في سوريا.
عن قضيّة زكا، يشدّد على أنّه يتابع هذا الملف على طريقته، "وسبق أن زرت نزار في سجنه في طهران، وآمل أن أزوره من جديد لاصطحابه الى لبنان".
ولكن، هل ستكون هذه الزيارة قريبة؟
يجيب: "إن شاء الله، فهذا الموضوع على نار ولكن أتجنّب الخوض فيه حتى مع عائلة نزار، وآمل أن ينتهي نهاية سعيدة كما سائر الملفات".
أما عن قضيّة المطرانين المخطوفين والمصوّر سمير كساب، فيقول: "نتابع هذا الموضوع في المديريّة وأبحث فيه في زياراتي كلّها، وخصوصاً في زيارتي الأخيرة الى روسيا، انطلاقاً من معرفتي بقدرات الروس في سوريا".
ختاماً، رسالة من مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الى اللبنانيّين: "كلّ عام وأنتم بخير، وآمل أن يكون العام 2019 أفضل من العام الحالي، وأنا واثق من ذلك. وأؤكّد أنّ لبنان وطن استثنائي، وهو رسالة كما كان يقول قداسة البابا يوحنا بولس الثاني، ويستحقّ أن نضحّي جميعاً من أجله وواجبنا أن نحافظ على هذه الرسالة. والتنوّع اللبناني نعمة علينا ألا نحوّلها الى نقمة، بل أن نقدّم نموذجاً للدول كلّها في التعايش وفي صناعة وطنٍ نموذجيّ".