عام >عام
البطريرك الراعي في رسالة الميلاد: المسؤولون يتفنّنون في خلق العقد الحكوميّة
البطريرك الراعي في رسالة الميلاد: المسؤولون يتفنّنون في خلق العقد الحكوميّة ‎الاثنين 24 12 2018 10:51
البطريرك الراعي في رسالة الميلاد: المسؤولون يتفنّنون في خلق العقد الحكوميّة

جنوبيات

وجّه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة عيد الميلاد، وقال فيها: "الكنيسة تحتاج إلى التّعاون مع الدّولة التي من واجبها الأوّل تأمين ما يتوجّب عليها تجاه المواطنين من حقوق أساسيّة هي مصدر سلامهم. فكيف يتمتّعون بالسّلام، إذا حُرموا الحقّ في العمل كضرورة معيشيّة وتحقيق للذّات؛ ومن الحقّ في السّكن للدفء والاستقرار؛ ومن الحقّ في إنشاء عائلة كحقّ طبيعيّ للحياة السّعيدة والإنجاب؛ ومن الحقّ في الطّبابة لحماية الصّحّة من المرض؛ ومن الحقّ في الغذاء لتعزيز سلامة الجسد والنّشاط؛ ومن الحقّ في التّعليم والثّقافة لنموّ المواهب والإسهام في تقدّم المجتمع؟"، لافتاً إلى أنّ "السّياسة وُجدت وأُقيمت على مقدّرات الدّولة ومرافقها ومالها العامّ، من أجل تأمين هذه الحقوق لجميع المواطنين. وهي ترتكب خيانة بحقّهم، إذا أهملت واجبها، أو ما هو أفظع، إذا تآكلها الفساد، وراح أصحابها يحلّلون كلّ السّبل من أجل مصالحهم الخاصّة ومكاسبهم غير المشروعة".

وشدّد على أنّه "لا يحقّ للجماعة السّياسيّة إهمال هذه الحقوق التي هي واجبات عليها، ولا حجب مساندتها للمؤسّسات الكنسيّة التي تشارك الدّولة في هذه المسؤوليّة الجسيمة، وتحمل عنها قسطًا وافراً من هذه الواجبات، ولا يحقّ للمسؤولين في السّلطة العامّة التّلكّؤ عن أداء ما يتوجّب على الدّولة تجاه هذه المؤسّسات من مستحقّات ماليّة في وقتها، حمايةً لنشاطاتها في خدمة المواطنين، فيما هم يحمون الفساد والمفسدين، وتبديد المال العامّ، ويدّعون بأنّ الخزينة فارغة، وأنّهم إذا دفعوا المستحقّات، فهم يسجّلون ديونًا إضافيّةً على الدّولة. ومع ذلك ما زال أصحاب الشّأن يماطلون في تأليف الحكومة منذ سبعة أشهر، ويتفنّنون في خلق العقد في كلّ مرّةٍ تصل الحلول إلى خواتمها. وهم غير آبهين بالخسائر الماليّة الباهظة التي تتكبّدها الدّولة والشّعب اللّبناني. أليس هذا جريمة؟ هذا ما أثار غضب الشّعب أمس، فقاموا بتظاهراتٍ محقّة، لا أحد يعرف عواقبها الوخيمة، إذا استمرّ السّياسيّون المعنيّون في مناوراتهم؟".

وإذ اعتبر أنّ "السّلامالمنتظَر من السّياسة السّليمة هو "الإنماء الإنسانيّ الشّامل الذي هو الإسم الجديد للسّلام"، سأل البطريرك الراعي: "أين نحن في لبنان من هذا السّلام الحقيقي، والمسؤولون السياسيون يمعنون في ضرب نموّ الإنسان والمجتمع والدّولة؟ لقد أنتجت ممارستهم السلبيّة المأزومة للعمل السياسي، أزمة إقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة خانقة حتى بلغت بثلث الشّعب اللّبنانيّ إلى الأدنى من مستوى الفقر، وبثلاثين بالمئة من شبابنا وقوانا الحيّة إلى حالة البطالة، وفتحت واسعًا باب هجرة الوطن حسّيًّا ومعنويًّا. وبسبب الفساد المستشري في الوزارات والإدارات العامّة وتعطيلالحركة الإقتصاديّة وصلوا بماليّة الدّولة إلى حالة خطرة مع تزايد العجز وتراكم الدّيون. ومن جراء عدم الجديّة والاتّفاق على وضع خطّة واعية لعودة النّازحين واللّاجئين إلى بلادهم، ثقُل أكثر فأكثر عبئهم الإقتصاديّ والإجتماعيّ والأمنيّ على لبنان وشعبه".

وتابع: "وما القول عن الخوف من حرب جديدة مع إسرائيل، والدّولة لا تمتلك أحاديّة السّلطة والسّلاح، لكي تُخرج لبنان من ساحة الصّراع في المنطقة؟ فميثاقيًّا ودستوريًّا ودوليًّا لا تستطيع الدّولة اللّبنانيّة التّخلّي عن دورها في تنفيذ القرارات والسّياسات الدّوليّة وبخاصّة النّأي بالنّفس وتطبيق القرار 1701. ولا يحقّ لها التّنازل لأيّ طرف عن حقّها وواجبها بالقرار الأوحد في قضيّة الأمن القوميّ اللّبناني وفي السّياسة الخارجيّة والعلاقات الدّوليّة".

وتساءل الراعي: "أين هي مسؤوليّة رجال السّياسة عندنا، المنشغلين بمصالحهم وحصصهم، عن حماية دولة العيش المشترك والميثاق، فيما الممارسة الكيديّة والغدّارة الطّائفيّة والمذهبيّة في الإدارات العامّة، والجامعة اللّبنانيّة، والأمن الدّاخلي تجنح بالدّولة إلى غير طيب العيش معًا الذي أردناه ركيزة أساسيّة لديمومة وطننا وعقدنا الإجتماعي، وإلى غير مشروعنا اللّبنانيّ المحبّ للإنسان والحرّيّات والسّلام في دولة مستقلّة قادرة وحدها على حماية مواطنيها، وفرض طاعتهم لها. أين هم من تطبيق اتّفاق الطّائف نصًّا وروحًا، وقد مضى عليه ثلاثون سنة، وأرادوه مدخلاً لإعادة بناء الدّولة عبر توسيع المشاركة في الحكم والإدارة، وتعميمها ونشر اللاّمركزيّة الإداريّة الموسَّعة والإنماء الشّامل؟".

وأضاف: "لقد اعتبر البعض إنّ اتّفاق الطّائف آليّة تعويضٍ عن الماضي، والبعض الآخر أنّه شهادة تطويب استراتيجيّ وسياسيّ لأجزاء من لبنان، والبعض الآخر أنّه سماح للتّمتّع بخيرات البلاد. قليلون هم الذين أدركوا أنّ التّعدّديّة الدّينيّة والثّقافيّة تجربةٌ صعبةٌ وحسّاسةٌ تستوجب إتقانها بعنايةٍ وصبرٍ، والتقدّم بها نحو المواطنة، وصولاً إلى وطنٍ تسوده الثّقة المتبادلة، بحيث لا يخاف أحدٌ من أحد، بل يستطيع الكلّ تحقيق ذاته. ولا بدّ من تصحيح مسار خطر قوامه تطبيق لاتّفاق الطّائف والدّستور حسب موازين القوى، وهذا مخالف لهما، ويرمي البلاد في أزمةٍ تُعيدها إلى الوراء على مختلف الأصعدة، لدى كلّ استحقاقٍ لتشكيل حكومة وانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة. فلا يجوز أن تطلّ علينا من حين إلى آخر نسخة جديدة مشوّهة لاتّفاق الطّائف".