عام >عام
الرئيس برّي ينبش اجتهاداً منسياً منذ 50 عاماً
الخميس 3 01 2019 12:17
فتح كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقاء الأربعاء النيابي، عن إمكانية العمل باجتهاد عام 1969 عندما جرى إقرار الموازنة في ظل حكومة تصريف الأعمال آنذاك، برئاسة المغفور له الرئيس رشيد كرامي، الباب أمام التحليلات والتكهنات، حول الحيثيات التي دفعت برئيس البرلمان إلى "نبش" هذا الإجتهاد القانوني، فيما الأجواء السياسية تحاول الإيحاء بأن ولادة الحكومة العتيدة باتت قريبة. وبالتالي، قد لا تحتاج البلاد إلى اللجوء لهذا الاجتهاد أو غيره.
الحريري يستحسن
وتطرق بري إلى "إجتهاد أعتمد عام 1969 أيام حكومة المغفور له الرئيس رشيد كرامي عندما كانت في مرحلة تصريف الأعمال بعدما تعذر تشكيل حكومة جديدة لمدة سبعة أشهر، وقضى الإجتهاد بإقرار الموازنة العامة".
وقال بري: "إن اعتبار الموازنة مسألة تحتم ضرورة فرض هذا الإجتهاد، ويمكن إعتماده اليوم أيضا".
وكشف بري أمام النواب أنه أجرى اتصالا مساء الثلاثاء بالرئيس المكلف سعد الحريري، وأبلغه الاستعداد للسير في هذا الإجتهاد.
وفي السياق، كشف عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة لـ"المدن" أن "الرئيس سعد الحريري استحسن الفكرة، لكنه لم يعط جواباً حاسماً، بإنتظار أن يُجري مشاوراته، خصوصاً مع رئيس الجمهورية"، مشيراً إلى أنه "ربما جاء أيضاً طرح الرئيس بري تحسباً لعدم وجود حكومة ومن باب الإحتياط".
ولفت خواجة إلى أن "الحيثيات التي دفعت الرئيس بري إلى هذا الطرح، هي الحاجة الملحة لوجود موازنة، وانتظام عمل مالية الدولة، ووجود سابقة يُمكن الإرتكاز عليها، لكي لا نعود إلى "سمفونية " غياب الموازنة، التي استمرت أكثر من عشر سنوات. وكذلك، "نغمة" قطع الحساب الذي لم يًقطع بعد، سيما وأن المواد الدستورية المتعلقة بالموازنة لم تتغير، قبل الطائف وبعده. وقد تنبه إلى هذا الأمر رئيس المجلس أيضاً".
قبل الطائف وبعده
بدوره، رأى نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي أنه "في حال لم تشكل الحكومة، فهذا سبب كاف لطرح هذا الإجتهاد والعودة إليه، لأنه حسب المادة 86 من الدستور، يجب أن تصدق الموازنة في شهر كانون الثاني"، واستدرك الفرزلي قائلا لـ"المدن": "أعتقد أننا لن نضطر لهذا الأمر، لأن الأجواء توحي بولادة الحكومة وبالتالي إقرار الموازنة وفقاً للأصول".
أما نائب الحزب التقدمي الإشتراكي الدكتور بلال عبدالله فقال لـ"المدن": "أعتقد أن طرح الرئيس بري يهدف إلى تسريع النقاش والعمل، من أجل إقرار الموازنة، لأننا أصبحنا في مرحلة زادت فيها الطلبات عن الإمكانيات المالية".
من جهتها، عضو كتلة "المستقبل" النائبة رولا الطبش قالت لـ"المدن": "قد يكون طرح الرئيس بري من باب التحسب لكل الإحتمالات لما فيه مصلحة البلد"، متمنية أن "لا تصل الأمور إلى هذه المرحلة، في ظل الأجواء الإيجابية التي نتابعها بشأن ملف تشكيل الحكومة".
هذه الأجواء والطروحات تقتضي التذكير بالمادة 86 من الدستور، التي يستند إليها الاجتهاد والمجتهدون، مع الإشارة إلى أن هذه المادة لم تتغير قبل الطائف وبعده، وهي مذيلة في متن الدستور بعبارة "المعدلة بالقانون الدستوري الصادر بتاريخ 17\10\1927 والقانون الدستوري الصادر في 21\9\1990"، ما يعني أن النص بقي كما هو.
بناء على سابقة تاريخية
وفي آلية تطبيق الماد86، يترتب أولاً إحالة الحكومة مشروع قانون الموازنة على مجلس النواب، قبل بدء العقد العادي الثاني المخصص لمناقشتها وإقرارها، وثانياً، أن يعكف مجلس النواب على درسها والتصويت عليها قبل نهاية العقد الثاني في 31 كانون الأول، وثالثاً مبادرة رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، لإصدار مرسوم عقد استثنائي طوال شهر كانون الثاني حتى نهايته حصراً، لإعطاء المجلس المزيد من الوقت لإقرار الموازنة، ورابعاً مبادرة مجلس الوزراء إلى اتخاذ قرار يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم، يقضي باعتبار مشروع الموازنة نافذاً، تبعاً للصيغة التي أُحيلت بها على مجلس النواب، دونما الأخذ بما بلغته أعمال المجلس في مناقشاتها وتعديلاتها، وخامساً أن إصدار الموازنة بمرسوم يقتضي أن يسبقه طرحها على مجلس النواب، قبل 15 يوماً من بداية العقد العادي الثاني. ولا يملك مجلس الوزراء اتخاذ قرار بمرسوم نفاذها دونما احترامه هذه المهلة.
وللتذكير فإن أزمة عام 1969عرفت بأنها أطول أزمة وزارية في تاريخ لبنان، حين استمرت حكومة رشيد كرامي المستقيلة أكثر من سبعة أشهر، وهي تمارس كافة أعمالها في السياسة الداخلية والخارجية، وإصدار المراسيم، وعقد اجتماعات لمجلس الوزراء أحياناً، لاتخاذ القرارات العاجلة والملحة، وصولاً إلى الجلسة التي انعقدت بتاريخ 4 / 11 / 1969، وأقر خلالها مرسوم إحالة مشروع الموازنة إلى مجلس النواب. إذ كان مستحيلاً على رئيس الجمهورية آنذاك إحالة مشروع قانون الموازنة إلى مجلس النواب خلال المهلة الدستورية، التي كان منصوصا عليها في المادة (86) من الدستور في حينه. وفي الدستور الحالي، نجد أن إحالة مشروع الموازنة إلى مجلس النواب يتطلب قراراً من مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين، في حال تعذر الإجماع .
فهذه السابقة، واقعة تاريخية وسابقة دستورية في الجمهورية اللبنانية، يمكن التوقف عندها واستخلاص عبرها. وروحية اجتهاد 1969 يُمكن استخدامها، والبناء عليها، من أجل حل مشكلة الموازنة، إذا طالت الأزمة الحكومية، خصوصاً وأن الدستور الحالي يُعطي آليات مهمة في فتح دورات استثنائية، لبت مشاريع الموازنة، فالمادة ( 33) من الدستور، تُعطي رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، الحق بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها. كما أن على رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت الأكثرية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النواب ذلك.