لبنانيات >أخبار لبنانية
هل يصبح الوجود السوري في لبنان كالوجود الفلسطيني؟
هل يصبح الوجود السوري في لبنان كالوجود الفلسطيني؟ ‎الأحد 24 02 2019 18:45
هل يصبح الوجود السوري في لبنان كالوجود الفلسطيني؟

جنوبيات

 

الكلام الذي قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في أول جلسة لـ"حكومة  العهد الأولى"، والذي خصّصه حصرًا للحديث عن أزمة النازحين السوريين في لبنان وتأثيراتها السلبية على وضعية لبنان، على أثر الزيارة التي قام بها وزير شؤون النازحين السوريين صالح الغريب لسوريا، وما تركته من ردود فعل متباينة، أظهر مدى صعوبة هذا الملف، خصوصًا عندما أشار إلى أن عودتهم إلى أرضهم يجب أن تتم من دون ربطها بالحل السياسي "الذي يمكن ان يطول"، وقارن بين الوجودين الفلسطيني والسوري، وقال "لا تزال التجربة الفلسطينية ماثلة امامنا لجهة عدم الوصول الى حل سياسي للازمة الفلسطينية على مدى سنوات طويلة، مما ادى الى بقاء اللاجئين الفلسطينيين حتى اليوم على الارض اللبنانية". وفي هذا الكلام الكثير من الواقعية، ولكنه يحمل في طياته مخاوف من أن يطول بقاء السوريين على أرض لبنان كما بقي فيه الفلسطينيون، وهي فترة طويلة من الزمن، من دون أن ننسى الفارق بين الأزمتين، من حيث أن التعاطي مع الوجود السوري، على رغم صعوبة ظروفه، يبقى أسهل من التعاطي مع الملف الفلسطيني المرتبط حصريًا بكيان معادٍ، ولا مجال لإمكانية أي تفاهم معه، لا بالمباشر ولا بالواسطة.

ولم يغفل الرئيس عون، في كلمته، ما يشكله وجود النازحين السوريين في لبنان من عبء على "واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والامني"، ولكن ما هو ملفت في كلامه ما أفصح عنه من "أن الدول الخارجية لم تقم بأي عمل جدي حتى الآن لمساعدتنا في هذا الملف، وبالتالي يجب الاعتماد على انفسنا لايجاد كل السبل الممكنة لعودة النازحين".

ولم يُفهم إذا كان المقصود في كلام رئيس الجمهورية المبادرة الروسية، التي عوّل عليها البيان الوزاري الكثير، والذي تحدّث عن "العودة الآمنة" للنازحين السوريين، في حين كان لرئيس الحكومة كلام مغاير عندما تحدّث عن "العودة الطوعية"، وما بين التعبيرين بون شاسع، وفي ذلك ترجمة واضحة لما بين المكونات اللبنانية من تباين واضح حول هذا الملف.

فهل يعني كلام الرئيس عون عندما تحدّث عن ضرورة "الإعتماد على أنفسنا" الإستمرار في ما يقوم به الأمن العام اللبناني لتأمين عودة الراغبين من النازحين السوريين إلى بلادهم، بعد إتخاذ الإجراءات الضرورية الكفيلة بحمايتهم، بالتنسيق مع السلطات السورية، لكن هذه الجهود على رغم أهميتها إفراديًا، والتي تتم بين الحين والآخر وعلى دفعات منظمة لا تزال دون الحدّ المطلوب، إذ تشير الإحصاءات التي تجريها منظمات غير حكومية إلى أن نسبة العائدين حتى هذه اللحظة لا تتخطى 0،4 في المئة من مجموع أعداد النازحين، الذين يشكّلون أعلى نسبة في تاريخ النزوح العالمي، وذلك قياسًا إلى عدد سكان لبنان، وهي تبلغ ودائمًا حسب الإحصاءات عشرين في المئة من أعداد اللبنانيين، وهو رقم ضخم لا يمكن إلاّ أن تكون له إنعكاسات سلبية على وضعية بلد كلبنان، يعاني في الأساس حتى قبل أزمة النازحين، إذ أن بناه التحتية باتت تحتاج إلى تحديث لا يحتمل التأجيل، وهذا ما لحظه مؤتمر "سيدر"، الذي خصص معظم مساعداته من قبل الدول التي شاركت فيه للإستثمار في مشاريع تهدف إلى تحسين وضعية البنى التحتية.

وعلى رغم الحديث عن جهود روسية لتأمين عودة سريعة وآمنة لأعداد كبيرة للنازحين فإن هذه المساعي لا تزال حبرًا على ورق، ولم تقدَّم حتى الآن حلولٌ عملية لهذه العودة، خصوصًا بعد الدراسة الإحصائية التي أجريت مؤخرًا، والتي شملت عينات مختلفة حول عدد الراغبين بالعودة إلى سوريا، إذ بلغت نسبة المتحمسين إلى الثمانين في المئة، إلاّ ان دراسة أخرى جاءت نتائجها مناقضة للأولى حين سئلت عينات أخرى عن الأسباب التي لا تزال تحول دون عودتهم الآمنة فجاءت الاجوبة معاكسة للرغبات، إذ قال ما نسبته عشرون في المئة أن عودتهم ستكون آمنة فيما أعرب ثمانون في المئة عن خشيتهم من هذه العودة، وهم لا يزالون يفضّلون البقاء في لبنان وعدم المغامرة في عودة غير مضمونة النتائج.

ومن بين الأسباب الكثيرة التي لا تشجع العدد الأكبر من النازحين على العودة القريبة، نورد ما يلي:

أولًا: يخشى كثيرون، ومن بينهم الشباب، أن يُعاد تجنيدهم في الخدمة العسكرية، وذلك قبل أن يستتب الوضع الأمني في شكل مضمون وينتظم العمل السياسي وتستقر الأوضاع بما يسمح لهؤلاء الإطمئنان إلى مستقبلهم.

ثانيًا: لا تزال معظم المناطق التي سيقصدها النازحون بأعداد كبيرة غير مهيأة لناحية تأمين مستلزمات العيش بحدّه الأدنى، خصوصًا أن معظم العائدين سيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل، في غياب المحفزات التي تفتقدها سوريا حاليًا، وعدم توافر فرص عمل، وبالأخص للأشخاص الذين ليست لديهم ممتلكات لإستثمارها زراعيًا.

ثالثًا: يفضّل كثيرون ممن يتلقون مساعدات دولية البقاء في لبنان على أن يذهبوا إلى المجهول، خصوصًا أن هذه المساعدات ستتوقف عنهم فور عودتهم إلى سوريا.

رابعًا: وفق الإحصاءات فإن عددًا لا بأس به من النازحين يعملون في لبنان، وهم يكيّفون أوضاعهم بالتي هي أحسن بما يوفّر لهم مدخولًا مقبولًا نسبيًا، فضلًا عمّا يتلقونه من مساعدات.

فلكل هذه الاسباب مجتمعة تبدو العودة السريعة غير مؤمنة وغير متاحة في المدى المنظور، خصوصًا أن الخطط الموضوعة لهذه العودة لم تأخذ في الإعتبار كل هذه الأسباب ولم تلحظ لها حلولًا عملية.

فلذلك، فإن الأزمة باقية على حالها ما دام أفق الحل السياسي في سوريا لا يزال مسدودًا، وهذا ما عبّر عنه الرئيس عون، في مقابل ما عاد به الوزير الغريب من تطيمينات سورية بالنسبة إلى التجنيد الإجباري الفوري، فضلًا عن الضمانات الدولية بإستمرار المساعدات الإنسانية للعائدين إلى سوريا.