عام >عام
مراكز التقوية الدراسية: تقاعس من الأهل أو المدرسة؟
الاثنين 25 02 2019 18:03جنوبيات
ظاهرة جديدة بات يعرفها المجتمع اللبناني، ويختبرها كل ربّ أسرة. المقصود هنا معاهد التقوية الدراسية. منذ زمن طويل، كان الأهل إذا ما تيقنوا من ضعف أحد أبنائهم في مواد دراسية، يكلفون أستاذاً خاصاً ليقوم بالتعويض عن التقصير الحاصل في المدرسة مهما تعدّدت أسبابه.
كان الأمر يقتصر على الإتفاق مع أستاذ أو أساتذة، وطبعاً لمن كانوا يمتلكون القدرة على دفع التكاليف، إذ أنّ معظم الطلاب لم يحظ بهذه الفرصة وقد أدى ذلك الى سلوك البعض منحى أو اتجاهاً في الدراسات العليا طبقاً للمعدلات التي حصل عليها خلال سنوات التعليم الأساسي.
ويضاف الى ذلك، أن معظم العائلات كان الأهل فيها إما أميين أو تلقوا تعليماً بسيطاً لكنهم مع ذلك كانوا يضعون كل معرفتهم من أجل تدريس أبنائهم ومتابعتهم ليكون النجاح من نصيبهم.
لكن اليوم يبدو أن هذا الوضع بات مغايراً تماماً عما اعدتناه وخبرناه. كيف انتشرت معاهد ومراكز التقوية الدراسية التي تتكفل بإعطاء التلاميذ حصصاً دراسية إضافية؟ ولماذا؟
يظهر بحسب متابعة بسيطة، أن السبب الأساسي قد يعود الى تخلّف أغلب الأهالي عن متابعة شؤون أولادهم في المدرسة، التي هي أهم وأول مراحل التعليم التي تُكوّن الفرد علمياً وقيمياً. لعل الامر يعود الى الضغوط التي يعاني منها الاهل بسبب اضطرار كل من الاب والام لحرق وقت طويل في العمل من أجل تأمين لقمة العيش والحفاظ قدر الإمكان على استقرار مالي يتيح للعائلة أن تستمر. هذا بطبيعة الحال كأنه سيف ذو حدين.
وبينما يؤمّن العمل فرصة ليحصل الأولاد على سبل عيش وحياة لائقة، فإن الأمر له سلبياته المتعددة. أولاً ضيق الوقت الذي يجعل الأب والأم في حالة من الإستنزاف العقلي والجسدي والنفسي، ما يمنعهما من متابعة شؤون أولادهم بشكل ملائم وليس الشؤون الدراسية فحسب، بل حتى تلك التي ترتبط بنمو الاولاد العقلي والنفسي والمشاكل التي يواجهونها يومياً. ثانياً، وهو إيكال الاب والام مهمة تقوية مستوى اولادهم الى معهد خاص وليس حتى الى أستاذ لان الامر يتطلب من الاهل أيضاً سؤال الاستاذ والمتابعة معه.
قد تكون فكرة تلك المعاهد جي، لكنها للأسف ليست للجميع. فالتكاليف التي تتراوح ما بين 500 و 700 دولار شهرياً، لا يستطيع تحملها الا الميسورون مادياً، وليس من يتقاضى راتباً شهرياً قد لا يتخطى الــ 700 دولار، الامر الذي يضع مستقبل بعض الاولاد العلمي على المحك!
الموضوعية تتطلب منا أن نتناول هذه الاشكالية من اكثر من زاوية، وعليه يصبح السؤال عن موقع الصّرح التعليمي الأول ودوره أساسياً. إذ ليس من المنطقي أن تقع اللائمة على الاهل في حين أن المكان الاول والأخير الذي يفترض فيه أن يقدم مستوى علمياً لائقاً للتلميذ هو المدرسة. فالمدرسة التي تتقاضى حقها أقساطاً كبيرة، يتوجب عليها متابعة كل تلاميذها وتقويتهم خلال الحصص الدراسية عبر الاساتذة والمعلمين، وإيلاء العناية بالطلاب من ذوي القدرات الصعبة على الاستيعاب او المشاكل في السلوك، وليس التلامذة المميزون كما تجري العادة. وفي هذا السياق أيضاً، تبرز إحدى عوامل المشكلة وهي هرع الكثير من المدارس الى دخول سوق المنافسة لتحقيق "صيت" واسع يؤمن لها عدداً اكبر من التلاميذ الجدد. هذه المنافسة تأخذ مظهر الضغط على الطلاب وساعات دراسة اضافية وفروض مدرسية مكثفة، بطريقة تجعل التلميذ أشبه بآلة عليها ان توصل المدرسة الى حصد مراتب على مستوى لبنان، وهذا لا يقوم بها الا الجهابذة من الطلاب في وقت يجد فيه من هم اقل قدرة على التميز بأن مجرد النجاح في ظل مستويات علمية عالية هو حلم بحد ذاته، فيضطر عندها للجوء الى معاهد التقوية ... وإن كانت النتيجة غير مضمونة طبعاً!