عام >عام
الأمهات في عيدهن في فلسطين يزفِفنَ أبناءهن شهداء
الحراك المطلبي متواصل في غزة.. وعرض للاعتداءات على كوادر "فتح"
الجمعة 22 03 2019 08:34هيثم زعيتر
"يا أم الشهيد نيالك يا ريت أمي بدالك".. بهذه الهتافات تصدح حناجر الشبان الفلسطينيين وهم يستقبلون عيد الأم ويودعون الشهيد تلو الآخر، وأمنيتهم أن يُزفوا شهداء بدلاً من زفة الزواج، فعيد الأم في فلسطين له نكهة خاصة، مزيج من الحزن والحرقة والغصة، وبين فراق فلذة الأكباد، فيما العالم يحييه بفرح.
هذا هو حال "الخنساوات" الفلسطينيات اللواتي يقدمن أولادهن فداءً لفلسطين شهداء وأسرى وجرحى، ينتظرن منهم المعايدة في عيد الأم كل بأسلوبه الخاص، وهو حال أم محمد أبو خضير "شهيد فجر رمضان" وأم محمد الدرة "أيقونة الانتفاضة" وأم فارس عودة "جنرال الانتفاضة"، وأم ناصر أبو حميد والدة الشهيد والأسرى الستة والقافلة تطول، وينضم إليهن في كل يوم "خنساوات" جدد.
يُمارس الاحتلال مختلف أساليب القمع ضد الفلسطينيين ولا يستنثني النساء والأطفال، الذين يحتفلون أيضاً بعيدهم.
فقد أمضت 22 أمّاً فلسطينية، لـ79 إبناً وإبنة، من بين 45 أسيرة تقبعن في معتقل "الدامون" الإسرائيلي، العيد محرومين من زيارة أبنائهنّ، وتمكينهنّ من احتضان أبنائهن، وبينهن أمهات أطفال رضّع، ومنع التواصل الهاتفي معهم، ولقاء الأسيرات بأبنائهنّ الأسرى في معتقلات الاحتلال.
ففي يوم عيد الأم، كانت هدية فدوى مناصرة، استشهاد نجلها أحمد جمال مناصرة (21 عاماً) بإعدامه بدم بارد على أيدي جنود الاحتلال الإسرائيلي، مساء أمس الأول، عند حاجز النشاش - جنوب بيت لحم، بإصابته بخمس رصاصات، حينما ترجل من سيارة كان يستقلها هو ورفاقه بعد عودتهم من زفاف أحد الأصدقاء لإسعاف الجريح علاء غياضه، الذي أطلق الاحتلال النار عليه، وهو في سيارته برفقة زوجته وبناته.
وبعد أن قام مناصرة بنقل غياضه إلى "مستشفى اليمامة" القريبة من المكان، عاد لمساعدة زوجة غياضه وبناته ونقلهم، لكن رصاص القنص الإسرائيلي كان بإنتظاره، فارتقى "شهيد النخوة".
وأمس جرى تشييع جثمان الشهيد مناصرة من أمام "مستشفى بيت جالا الحكومي"، إلى مسقط رأسه في قرية واد فوكين - غرب بيت لحم، ولدى وصول الجثمان الذي لف بعلم وكوفية فلسطين وراية "العاصفة"، استقبلته والدته فدوى، وطبعت قبلة الوداع في يوم عيد الأم التي كان يسارع إلى القيام بها، وقالت: "زفوا الشهيد وخلوا الزفة عليّ السنة.. زفوا الشهيد لبيتو الثاني بالجنة".
واعتبرت نبأ استشهاده "الشرف الأعظم والأكبر في "يوم الأم، وأحتسبه عند الله"، متمنية أن "يتقبله مع الشهداء، والصديقين، والصالحين في الفردوس الأعلى، فهو استشهد لأجل فلسطين، وكل شيء يرخص في سبيلها".
حل عيد الأم على "أم عمر" أبو ليلى هذا العام مغايراً عنه في الأعوام السابقة، حيث أطلقت فيه زغرودةً للمرة الأولى في حياتها، لحظة تلقيها نبأ استشهاد فلذة كبدها عمر أمين أبو ليلى "رامبو سلفيت" (19 عاماً)، الذي نعته حركة "فتح" بعد مواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي احتاجت إلى قوة كبيرة من وحداتها الخاصة "اليمام" والمستعربين لتحديد مكان تواريه ومحاصرة المنزل الذي كان يتحصن داخله في قرية عبوين - شمال مدينة رام الله في الضفة الغربية، وإطلاق قوات الاحتلال صواريخ "لاو"، فضلاً عن غزارة النيران والقذائف التي أطلقت باتجاه المنزل، فاستشهد بعد رفضه الاستسلام، بعدما كان قد أصاب جندياً إسرائيلياً بالسلاح الذي انتزعه من أحد الجنود الإسرائيليين بعد طعنه وقتله يوم الأحد الماضي، في عملية بطولية مركّبة "طعن وإطلاق نار"، عند مفترق مستوطنة "أرئيل" - شمال مدينة سلفيت - جنوب نابلس، واستخدام السلاح بإطلاق النار ما أدى إلى مقتل حاخام آخر، وجرح آخرين، بعضهم جراحهم خطرة، قبل أنْ ينجح بالتواري.
منذ الإعلان عن العملية حبست "أم عمر" أنفاسها، وابتهلت بالدعاء لحماية ابنها وتحقيق أمنيته، منذ تنفيذه العملية النوعية إلى حين تلقيها نبأ استشهاده بمواجهة بطولية أضيفت إلى العملية البطولية أيضاً.
وقالت "أم عمر" في منزلها في بلدة الزاوية: "ظليت على أعصابي، وبعد أن قالوا لي أنه استشهد، أطلقت الزغاريد، وهي المرة الأولى في حياتي التي أزغرد فيها".
واستطردت قائلة: "عمر لا يوجد مثيل له في هذا العالم، لم أتوقع أن يفعل شيئاً، خرج بهدوء وعاد لي شهيداً".
واستعادة بذاكرتها الأيام الماضية قائلةً: "قبل استشهاده بأسبوع نام في حضني، وشعرت بالنور يخرج من وجهه، وكان في السابق يخجل من النوم بين أحضاني، إلا أنه قبل استشهاده هو من طلب ذلك".
وعمر هو الولد البكر من زواجها من أمين أبو ليلى ضمن 5 أفراد (4 صبيان وابنة واحدة) واختارا له إسم عمر تيمناً باسم الخليفة عمر بن الخطاب، الذي فتح بيت المقدس، على أمل أن يكون فلذة كبدهما ذا شأن، فإذا به يكون قدوةً في السلوك والأخلاق، والبطولة في تنفيذ عملية نوعيةً بهدوء وروية، وسكينة الإيمان والتواري والاستشهاد.
وعلى الرغم من همجية الاحتلال الذي قد يُقدم على هدم منزل العائلة، كما يتم مع عائلات الشهداء منفذي العمليات البطولية، فإن ذلك لن يُغيّر قناعة العائلة من حتمية ضريبة النضال بالأرواح والأموال من أجل تحرير الأرض من المحتل الغاصب.
واكتسبت "أم عمر" لقباً جديداً يُضاف إلى "أم الشهيد" هو "أم الأسير"، بعدما أسر الاحتلال جثمان الشهيد، فهو يخشى المناضلين، فحتى وهم شهداء يؤرقون هواجسه.
إلى ذلك، شهدت مدن ومخيمات قطاع غزة، أمس إضراباً وعصياناً مدنياً احتجاجاً على قمع عناصر "حماس" للمسيرات والفعاليات الاحتجاجية السلمية التي تتواصل لليوم الثامن على التوالي، للمطالبة بتحسين ظروف الحياة المعيشية وإلغاء الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع والسلع والتراخيص في القطاع.
ونفذ الإضراب والعصيان المدني تلبية لدعوة من الحراك الشبابي "بدنا- نعيش" في مختلف مناطق القطاع وشمل المؤسسات والمحال التجارية، على الرغم من اعتداءات المطاردة والملاحقة، والاعتقال للمشاركين في فعاليات الحراك الجماهيري، واقتحام البيوت، وتكسير محتوياته، والعبث فيها، وسرقة الهواتف الخلوية وأجهزة الحاسوب "لاب توب" الخاصة بالمواطنين المشاركين في الاحتجاجات السلمية.
ودعا الحراك إلى مسيرات غضب اليوم (الجمعة) بعد صلاة الجمعة مباشرة، قائلاً:"ثورتنا لم ولن تنتهي فبهذه الثورة سقط الشهداء والأسرى وتم اختطاف المئات من أبناء شعبنا في غزة (بدنا - نعيش).
وعقد نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام الفلسطيني نبيل أبو ردينة، أمس، مؤتمراً صحفياً مشتركاً مع المشرف العام على الإعلام الرسمي الوزير أحمد عساف، والناطق باسم الحكومة وكيل وزارة الإعلام يوسف المحمود، ورئيس لجنة الحريات في نقابة الصحفيين محمد اللحام، في مقر وزارة الإعلام بمدينة رام الله.
وجرى عرض للاعتداءات على كوادر حركة "فتح" في قطاع غزة من قبل أجهزة "حماس"، والشهادات الموثقة لما يحدث، وأشكال الانتهاكات التي تتفاوت بين الاعتقال والضرب ومصادرة المعدات واقتحام المنازل والتهديدات.