عام >عام
قرارات "جريئة" لوزير الزراعة
قرارات "جريئة" لوزير الزراعة ‎الاثنين 20 06 2016 13:03
قرارات "جريئة" لوزير الزراعة


 

لا يدعي وزير الزراعة أكرم شهيب أنه قام بمعجزات لحماية القطاع الزراعي في لبنان، إلاّ انه واثق بأنه أصدر قرارات جريئة صبّت في مصلحة المزارع اللبناني، وهو يعمل وفق ما يقول لـ"النهار" وسط النيران لحماية القطاع وأهله. قراراته نابعة من ايمانه بقدرة القطاع الزراعي على المساهمة في النمو الاقتصادي ورجحان كفّة الميزان التجاري لمصلحة لبنان اذا ما تمّ دعمه وتوفير أسواق لتصريف انتاجه.

ينطلق الحديث مع الوزير شهيب، من القرار الأخير الذي أصدره اخيراً ويتعلّق بوقف استيراد المنتجات الزراعية والحليب والألبان والأجبان والبيض من سوريا حتى الأول من شباط المقبل. هذا القرار رأت فيه بعض الجمعيات الزراعية أنه سياسي بامتياز ولا علاقة له بمصالح المزارعين وحمايتهم، فيما يصرّ شهيب على أن قراره لا خلفيات سياسية له "بغض النظر عن موقفنا السياسي كحزب اشتراكي من النظام السوري"، واضعاً المعارضين للقرار في قفص الاتهام نفسه الذي وضعوه فيه، وأن "اعتراضهم نابع من خلفية سياسية وليس من خلفيات وطنية".
فما الذي استدعى شهيب الى اتخاذ مثل هذا القرار؟ لم يكن القرار وليد الساعة. إذ نشطت في الفترة الأخيرة عمليات تهريب للمنتجات الزراعية والحيوانية، وذلك على رغم محاولات ضبطها مع مصلحة الجمارك والقوى الأمنية. ويبدو واضحاً برأيه أن ثمة سياسة لاغراق المنتجات الزراعية في السوق اللبنانية عبر المعابر الشرعية.
وفي التفاصيل التي يوردها شهيب أن الوزارة أصدرت مذكرة اجازة للاستيراد بغية التخفيف من الكميات الزراعية الواردة الى لبنان التي تضرّ بأسعار منتجاتنا في موسمها. ولكن الذي حصل أن البعض كان يعمد الى دسّ منتجات في المستوعب متوافرة في لبنان ويتم تغطيتها بمنتجات وافقت الوزارة على استيرادها، لتسهيل مرورها عبر الحدود الشرعية. الى ذلك ثمّة أمور يشير اليها شهيب استدعت منه إنقاذ القطاع الزراعي من الاغراق، إذ أنه "بعد اقفال الحدود الأردنية - السورية، برزت مشكلات في التصدير، فحاولنا معالجتها عبر "الرورو" ودعم التصدير البحري. إلاّ أن عامل الوقت كان من أبرز المعوقات، خصوصاً أنّ ثمّة أنواعاً من المنتجات الزراعية لا تحتمل السفر لوقت طويل. ويبرز في هذا الاطار ايضاً مسألة توقف الصادرات الى العراق عبر سوريا، إذ أصبح الانتاج يصدر بحراً الى تركيا وينقل منها براً الى كردستان حيث توضع ضرائب على كل مستودع ثم ينقل الى العراق، بما أدى الى اضعاف عامل المنافسة للمنتجات اللبنانية. اضافة الى ذلك هناك مشكلة مزاحمة بعض المنتجات الأجنبية للمنتجات اللبنانية في الأسواق الخليجية التي تعتبر أسواقاً رئيسيّة للانتاج اللبناني".
أمام هذا الواقع كان لا بدّ من تحرك وزارة الزراعة بعدما تبيّن لها "أن التهريب مقونن من سوريا الى لبنان، بمعنى أن السلطات القائمة حالياً في سوريا تعمل على اغراق اسواقنا بالمنتجات الزراعية والحيوانية عبر منطقتي عكار والهرمل تحديداً، بما يوفّر للمزارع السوري مردوداً بالعملة الصعبة". هذا الأمر يعتبره شهيب عملاً منظّماً، بدليل أنه يوجد نحو 50 معبراً غير شرعياً عبر منطقة الهرمل فقط". وإذ تمنى أن لا يفهم موقفه بأنه كيدي أو ابعاده سياسية، أكد أن أبعاده تقنية لحماية الانتاج اللبناني، متمنياً تعاون الجانب السوري حيال وقف التهريب وتنظيم الاستيراد بالروزنانة المحددة وفق حاجة السوق اللبنانية، لكي تصوّب الأمور.
ولكن شهيب لا يضع المسؤولية بكاملها على الجانب السوري، "فجزء من المسؤولية يتحمّلها الجانب اللبناني، خصوصاً من بعض ضباط الجمارك وافراده. كذلك يحمّل المسؤولية للتعاونيات والطبقة السياسية خصوصاً في المناطق التي يتمّ التهريب عبرها. هذا واجب وطني، فالقضية لم تعد قضية تهريب بكميات محدودة بل تعدّتها لأن تكون مسألة لضرب الاقتصاد اللبناني والمزارع اللبناني، ولها انعكاساتها على كل الصعد الاجتماعية والاقتصادية".
هذا بالنسبة الى الانتاج النباتي، فماذا عن الانتاج الحيواني؟ هذه المسألة هي الاخطر وفق شهيب. فلبنان يستهلك نحو مليون خروف سنوياً، منها 250 ألف تقريباً من الانتاج المحلي و150 الف تستورد عبر المرفأ، أما الكميات المتبقيّة فتدخل الى لبنان عبر تهريب منظّم. ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يشمل الدجاج المقطّع والحيّ، مستذكراً الكارثة التي حصلت في بلدتي سرعين والنبي شيت بسبب مرض H5، "اذ قمنا بإعدام نحو 250 الف طير دجاج لمحاصرة المرض. وهذا المرض تسبّب به عدد من الطيور المهرّبة التي تحمل هذا المرض". ويشمل الاغراق ايضاً البيض الذي يأتي من أوكرانيا الى تركيا ثم الى سوريا ومنها الى لبنان.
ولكن شهيب يقرّ بأن الانتاج الحيواني المحلي لا يكفي الاستهلاك المحلي، إلاّ أنه يعتبر أن ثمة مصادر عدة للاستيراد، "التهريب لا يفيد منه الاّ التجار على حساب الدولة اللبنانية وكذلك على حساب النوعية بسبب غياب المراقبة على الانتاج المهرّب". وكشف في هذا السياق أن "بعض التجار يستوردون أبقاراً بأعمار صغيرة، ثم يعمدون الى ارسالها الى سوريا بغية زيادة وزنها ومن ثم ارجاعها الى لبنان من دون أن نعرف نوعية العلف التي تتناولها أو كمية الهرمونات الموجودة فيه".
هذا الواقع أصبح مزرياً، وفق ما يقول شهيب "ولن نقبل بأن تكون أسواقنا المحلية مفتوحة لهذه التجاوزات، فلبنان لم يعد حديقة خلفية للنظام السوري، هذا القرار وطني وعلى الجميع الوقوف الى جانبنا في هذا الموضوع تحديداً". علماً أنه اذا تمّ تنظيم الأمور، نحن على استعداد للتعاون، خصوصاً اننا نعرف أنه اذا تمّ اغلاق الحدود بين البلدين فإن الضرر سيلحق بالطرفين. لذلك نحن لا نسعى الى التصعيد، بل نسعى الى تنظيم العلاقة وحماية الانتاج الوطني ومزارعينا، تماماً كما هي واجباتهم في حماية انتاجهم ومزارعيهم".
واغراق السوق اللبنانية لا يقتصر على الانتاج السوري، وهذا الامر يدركه شهيب جيداً، من هنا كان قراره بوقف استيراد الموز من الاكوادور، "عندما يصبح انتاجنا غير كاف نبدأ عملية الاستيراد. وكذلك ثمّة منتجات أوروبية تضر بمنتجاتنا مثل حليب البودرة، ولكن لا يمكننا وقف استيراده لأسباب عدة منها حاجتنا اليه اضافة الى الاتفاقات التي وقّعها لبنان".
أما المنتجات الأخرى، فإنه يتم تهريبها عبر سوريا الى لبنان وخصوصاً أنواع من الاجبان، إذ تدخل نحو 4000 تنكة يومياً من الأجبان البيضاء بأسعار متدنية وبمواصفات غير صحيّة، والخطورة أنه توضع عليها عند الحدود اللبنانية - السورية ملصقات "صنع في لبنان". علماً أنّ ثمّة أنواعاً من الألبان والأجبان يتم تهريبها الى لبنان ومن ثم تعبئتها في علب لماركات معروفة، كاشفاً أنه سيتم اعلان الأسماء غير المستوفية الشروط في صناعة اللبنة غداً أو بعد غد الأربعاء.


الأدوية المسرطنة
مع ازدياد نسبة الأمراض السرطانية في لبنان، عمدت وزارتا الصحة والزراعة الى التفتيش عن اسباب تجعل هذه الأمراض منتشرة في لبنان بالتعاون مع خبراء واساتذة من الجامعة الاميركية والجامعات الأخرى واصحاب اختصاص. فكانت الحملة أولاً على القمح المسرطن، وحالياً على قضية الأدوية الزراعية. في هذا الموضوع يقرّ شهيب أنه لا يفقه بأنواع الأدوية المسرطنة، ويترك لأصحاب الاختصاص بتّ الأمراض التي تسببها، إلاّ أنه يؤكد أن النتائج التي توصلوا اليها قد تدفع بالوزارة الى منع أنواع كثيرة من الأدوية والمخصبات، علماً أن المشكلة ايضاً هي في طريقة استخدامها عشوائياً.

قطاعات زراعية واعدة
وبعيداً من مشكلات التهريب، يتوقف شهيب عند إمكانات القطاع الزراعي، وخصوصاً في مجال قطاع النبيذ "الواعد". إذ ننتج نحو 10 ملايين قنينة سنوياً، نصدّر منها نحو 3 ملايين. إضافة الى قطاع انتاج العسل الذي تعتاش منه نحو 6 آلاف عائلة اضافة الى قطاع الزهور الذي ندعمه. الى هذه القطاعات هناك القطاع الأهم برأيه، "قطاع الزيتون، إذ نعمد الى انشاء المؤسسة العامة لإنتاج الزيت والزيتون وتنظيم زراعته وتوضيبه لأنه ليس من المهم فقط أن تكون مواصفات الانتاج صالحة للتصدير بل يهمنا كذلك أن يستهلك اللبناني زيتاً بالنوعية والجودة المطلوبتين".
ولم يغفل شهيب أخيراً الاشارة الى المشروع الذي اطلقته وزارة الزراعة والذي يقضي بغرس 40 مليون نصبة لزيادة المساحات الحرجية الى 17% من مساحة لبنان.