لبنانيات >أخبار لبنانية
رسالة الايمان تتجدد في رمضان صيدا... و"مسحّراتي" صيدا القديمة يحافظ على طبلته
الاثنين 20 06 2016 20:32
بين صيدا ورمضان تتوطد كل عام أواصر الايمان والتقوى، تتكرس رسالة الوحدة والاعتدال والانفتاح الذي لطالما آمنت المدينة به وعاشت على وقعه حتى في عز أيام الحرب، حين كان المدفع لغة التخاطب بين اللبنانيين.
رمضان في صيدا غيره خارجها، فبين الحكواتي والمسحراتي تتواصل فصول الحكاية بين الماضي والحاضر لتضفي على مدينة صيدا فيشهر رمضان الكريم رونقا خاصا، يتوزع بين العبادات والعادات، بين الواجبات الدينية والتقاليد، ففي وقت اختفى فيه حكواتي ايام زمان بعدما كان ارثا ثقافيا واجتماعيا، تكرس حضور المسحراتي هذه الايام ليعوض عن ذاك الغياب ويحافظ في ذات الوقت على الارث الثقافي بطابع ديني وخاصة ان مكانهما كان واحدا: داخل احياء صيدا القديمة وحاراتها الضيقة ومقاهيها الشعبية.
داخل أحياء صيدا القديمة وبين حاراتها ذات القباب التاريخية وحجرها الصخري القديم، ينقر المسحراتي عباس قطيش على طبلته كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ليوقظ الصائمين على سحورهم. يصدح صوته الجهوري، قائلاً "يا نايم وحّد الدايم... يا نايم وحّد الله، قوموا على سحوركم جاي رمضان يزوركم".
وقطيش المسحراتي الوحيد الذي يجول في حارات صيدا القديمة وبين مقاهيها الشعبية وبين عشرين مسحراتياً ما زالوا يحافظون على هذه المهنة، ويقول لـ"النشرة": "منذ عقدين ونيف من الزمن وأنا أقوم بتسحير الناس ليلاً في رمضان، لم أرثها عن أبي أو جدي انما بعدما تعرفت على "شيخ المسحراتي" في صيدا الحاج خضر السالم "آخر الرعيل الأول"، حيث رافقته في جولاته على مدى سنوات وتعلمت منه المهنة التطوعية واصولها الى ان اصبحت مسحراتيا معروفا بين ابناء البلد".
ويرفض قطيش ان يعترف بان زمن المسحراتي قد ولى امام عصر الانترنت، ويقول: "رغم التكنولوجيا المتطورة ومنبّه الساعة، يبقى لطبلتي وقع خاص على الناس ينتظرونها غداة كل سحور، أتلو معها القصائد والتواشيح الدينية وأكاد لا أمر قرب منزل إلا وتضاء أنواره، ويقف اطفاله عند الابواب او يراقبونني عبر النوافذ حتى اشعر بالسعادة تغمرني لانّ هدف من التسحير قد انجز بنجاح".
يوزع قطيش تسحيره الليلي في جولتين، في أول الليل، يتنقل في أحياء صيدا التي تعج مقاهيها بالرواد، يتوقف بينهم، ينشد بعض القصائد والأدعية الدينية، ويوضح أنّه يقوم بهذه المهمة بتكليف من بلدية صيدا، ويقول: "أبدأ الجولة الأولى من التسحير من الحادية عشرة ليلاً وحتى الثانية عشرة منتصف الليل مقابل مبلغ رمزي".
أما الجولة الثانية فتمتدّ من الواحدة حتى الثالثة فجراً، حيث يجول بين المنازل في الحارات الضيقة ليوقظ الناس على صدى طبلته و"ترانيم" أدعيته، ويتوقف بين الحين والآخر ليأخذ قسطاً من الراحة يستعيد بها نبرة صوته التي كثيراً ما تبحُّ من التكرار، متناولا بعض الشاي والقهوة شتاء او البارد من شراب التمر والجلاب في فصل الصيف ليطفىء فيه لهيب الحر.
ويؤكد قطيش "ان هذه الجولة الثانية هي تطوعية وهي الاساس في التسحير"، ويضيف: "أجد فيها شيئاً من المتعة الروحية... ويحرص بعض الاهالي على تقديم الطعام والشراب والحلوى لي، فيما أصحاب "المخابز" يقدمون لي المناقيش الساخنة".
ويعاون قطيش في جولاته المسحّراتي أحمد قرصيفي الذي يحمل فانوسا كهربائيا يضيء به عتمة الزواريب الضيقة حين يكون التيار الكهربائي مقطوعا، لكن تطوعه لا يخلو حيناً من بعض المخاطرة من ظلمة الليل وحيناً آخر من بعض المراهقين الذين يريدون ممازحته فيلقون عليه "المفرقعات" المختلفة الأحجام والأنواع بيد أنه يواصل عمله قائلا "سامحهم الله، لقد اعتدت على هذا النوع من المزاح الثقيل".
ناس وعيدية
ويقول ابو محمد اغا وهو رب العائلة من صيدا القديمة: "لقد تعودنا على المسحراتي وأصبح جزءاً من شهر رمضان المبارك، فجميل أن يستيقظ الانسان على التواشيح الدينية والأدعية والطبلة ليبدأ يومه بطاعة الرحمن"، ويضيف: "رغم كل التكنولجيا والتلفاز يبقى للمسحراتي وقع خاص، احرص على زرعه في نفوس اولادي كجزء من عادات شهر رمضان المبارك".
من جهتها، تقول سعاد شامية، "منذ ان كنت طفلة صغيرة وانا احرص على مشاهدة المسحراتي في كل ليلة من شهر رمضان، الان كبرت وتزوجت واسست عائلة وما زلت على نفس العادة، وعندما يكبر اولادي سازرع فيهم هذه الخصلة من رمضان كي يبقى حيا يقاوم النسيان".
ويواظب قطيش على تطوعه كل ليلة حيث يقضي ساعات ليله بين الأحياء والناس ليعود قبل نصف ساعة الى منزله، يتسحر ويصلي الفجر ثم ينام، ويبقى على هذه الحال حتى رؤية هلال العيد اذ يخرج أول أيامه معايداً الناس في منازلهم على وقع قصائد العيد الخاصة.
ورغم انه لا يطلب أجراً، الا أن بعض المحسنين يجيدون عليه "بالعيدية"، فيفرح ويصمم على مواصلة تطوعه في العام المقبل وهو يقول "كل عام وأنتم بخير".