مقالات مختارة >مقالات مختارة
صناعة الكراسي الخشبية في صيدا: عاندت الاندثار والركود قبل الازدهار مجدّداً
الأربعاء 24 04 2019 07:53ثريا حسن زعيتر
عادت صناعة الأدوات الخشبية في مدينة صيدا إلى الإزدهار من جديد، بعدما مضت سنوات على نسيانها، عاندت فيها الاندثار والأفول، لتُعيد اليوم مجدها الغابر، وتألّقها بسبب رغبة الناس باقتناء كل ما هو متين وتراثي في آنٍ وتسترجع مجدها، ما جعل ورش الكراسي الخشبيّة في مدينة صيدا تعاود نشاطها من جديد.
في صيدا لم تبق سوى ورشتين لصناعة الكراسي الخشبية، الأولى في سوق "النجارين"، ويحترفها آل الشامي، والثانية آل كوسا، وتقع على الواجهة البحرية لصيدا قبالة مدخل سوق السمك، وما زال آل الشامي يحافظون على مهنتهم، على اعتبار أنّها ليس مجرّد مهنة، إنّما هي تراث يتوارثه الأبناﺀ بعد الآباﺀ والأجداد، أما محترف عائلة "كوسا"، فإنّه يستوقف العابرين كونه على الواجهة البحرية، حيث تخرج من تحت أيدي حرفييه، وتُعرض أمام المارّة منتوجات تتنوّع بين الكراسي والتحف والمحفورات التراثية، التي يتداخل فيها الخشب بالقش والخيزران والفخار أحياناً.
الخشب والقش
بين أكوام من الخشب والقش ينكب أبو عمر كوسا على العمل، ليُنهي عمله اليدوي اليومي في صناعة كراسي القش، حيث أتقن هذه المهنة منذ طفولته، وقال: "الكرسي الخشبي قد يعمّر أكثر من مئة عام، لأنّه يمكن ترميمه بسهولة في أي لحظة، ولكن للأسف لقد تغيّر كل شيء في المهنة، والبلد كلّه يتراجع إلى الوراء، لذلك طوّرنا هذه المهنة كي نعيش، فصناعة الكراسي الخشبية وحدها لا تكفي لقوت يومنا، ولم تعد تلقى رواجاً كما كانت في الماضي، فزبائن اليوم قلّة، وهم إما من المُغرمين بالأثاث الخشبي البسيط من أصحاب المطاعم أو السياح. لأنّه من إحدى ضروريات المنزل تحوّلت هذه الكراسي إلى تحف، والواقع دفع بالكثيرين من صنّاعها إلى البحث عن عمل آخر، فهنا في صيدا مثلا لم يبق سوى اثنين، ممن يعملون في هذه المهنة".
نخشى من اندثارها
وأضاف: "هذه المهن هي من التراث التي دخلت لبنان خلال الحقبة العثمانية، وتميّزت بها البلاد على مدى عقود، لكن للأسف بتنا نخشى من اندثارها خلال السنوات المقبلة، لذلك قمنا بتطويرها، فأدخلنا القش اليوم على صناعة الكراسي والطاولات، التي يتم شراؤها بهدف الزينة، وإنما دخل "القش" في صناعة الحقائب النسائية وحقائب البحر، وكذلك القبعات والمحفظات الصغيرة وقطع أخرى لتزيين الجدران... وأيضاً أدخلنا القصب لأنّ أهل القرى ما زالوا يطلبون السلال لقطف الزيتون والفواكه والخضار، والسياح عموماً هم من يهتمون باقتناء الأشياء التراثية... أما المشكلة، التي نواجهها اليوم، أنّ هذه الصناعة لا تجد سوقاً لتصريف منتجاتها كما يجب، خاصة أنّ صناعة كل قطعة صغيرة يستغرق إنجازها ساعة أو اثنتين على الأكثر، لكن هناك قطعاً تحتاج إلى يوم أو يومين، حسب حجمها".
ولفت إلى أنّ "تكلفتها ليست مرتفعة بالإجمال، وتستطيع كل الطبقات الاجتماعية الحصول عليها، وبالنسبة إلى الربح، الذي يجنيه أصحاب المهنة، فهو محدود في تلك المهنة، لأنّ الكرسي الصغيرة ثمنها 15 ألف ليرة لبنانية، ونحن نربح فيها فقط 3 آلاف ليرة، ولكن أفضل من لا شيء أو الجلوس في المنزل".
حرفة تراثية
وأردف أبو عمر وهو منهمك في العمل: "الشريحة الأكبر التي تتوجّه إلينا اليوم هم مَنْ يبحثون عن ديكور تراثي، وأيضاً أصحاب المطاعم في بيروت وطرابلس والجنوب... والقيمة المالية لصناعة "القش" زادت عن السابق، رغم ضعف الإقبال عليها، لأنّه أيضاً توجد تكاليف من إيجار الدهان والخشب وكل شيء مكلف في هذا البلد".
صناعة النقوش
وأوضح أنّه "توجد أنواع من هذه الصناعة، كالكراسي المصنّعة من الخشب والقش بين "كنبة وكرسي السفرة وكرسي الاستخدام الخارجي أو الداخلي"، ونستعين في بعض الأوقات بـ"النايلون" الملوّن، بدلاً من القش، حسب مزاجية المشتري، الذي يقرّر قبل التصنيع ماهية "الطلبية"، لكن تبقى الأولوية العمل بالقش، في صناعة كراسي الخيزران. ونستخدم أيضاً في الصناعة بعض النقوش مثل "عين الشمس" و"الطاووس" وتترافق مع صناعة الكراسي، صناعة باتت هي الأخرى نادرة، وهي حرفة "التقشيش"، فأصحاب هذه المهنة يعملون فقط في تقشيش الجديد أو في ترميم القديم. وأيضا أنواع أخرى غير النايلون والقش، إذ في بعض بيوت صيدا كراسٍ خشبية من قصب عريض كان يطلق عليه سابقاً إسم "رابعات"، وهو عريض قدر إصبع، ينبت قرب المستنقعات أو قرب الساحل اللبناني، يُقطف ويوزّع كسبل السيكار، شغله أصعب ويحتاج إلى "روح طويلة"، إذ لا يتجاوز طول سبلته المتر الواحد، وهو يحتاج إلى وصل مستمر".
وختم: "أتمنى إدخال هذه المحترفات التراثية على خارطة السياحة المحلية في المدينة وفي لبنان بما يساهم في تنمية ذلك القطاع والمحافظة عليه حرفة تراثية وهوية ثقافية للمدينة ومورد رزق للعائلات التي تعتاش منه".
تجسيد علم لبنان بكراسٍ خشبية ملوّنةا
سلال من القصب