عام >عام
وفاة جريح آخر من جرحى مظاهرة صيدا
وفاة جريح آخر من جرحى مظاهرة صيدا ‎الثلاثاء 11 06 2019 16:00
وفاة جريح آخر من جرحى مظاهرة صيدا

جنوبيات

الباحث الدكتور خالد ممدوح الكردي يكشف عن اسم شهيد صيداوي سقط برصاص المستعمر الفرنسي عام 1936
لصيدا ولمقاومة المستعمر والاحتلال قصة لا تنته،  فمنذ مطلع القرن العشرين لم يتوقف  نضال العروبيين عامة والصيداويين  خاصة في ساحات النضال والجهاد من اجل الاستقلال والتحرر والعيش بكرامة ..
وتعود بنا الذاكرة الى   التاسع من  كانون الثاني 1926، حيث ارسل  وجهاء وشخصيات صيداوية عريضة الى المفوض السامي الفرنسي "دي جوفينيل" تؤكد فيها مطالب صيدا بالانفصال عن ما يسمونه "لبنان الكبير" والانضمام الى البلاد السورية على أساس اللامركزية، كما تؤكد رفض الإجابة على الأسئلة الموجهة من اللجنة الدستورية لسن الدستور اللبناني. وتبعها في الخامس من تموز عام 1936 انعقاد مؤتمر في صيدا في منزل الشيخ عباس الحر  أدانوا سياسة التجزئة،  وبمناسبة المحادثات الجارية في باريس بين الوفد السوري والسلطات الفرنسية،  قرر المجتمعون،  مدفوعين بعامل القومية العربية وعامل المصالح الاقتصادية والاجتماعية،  مطالبة فرنسا وحكومة التكتل الشعبي الفرنسية بتحقيق المطالب التالية:
أولاً:  تحقيق مطالبهم بالوحدة والاستقلال القومي.
 ثانياً:  مطالبة الوفد الفرنسي باستفتاء للتأكد من مطالب المواطنين.
ثالثاً:  تكليف الوفد السوري بالدفاع عن قضيتهم وبمتابعة ذلك .
وعلى أثر هذا المؤتمر حصلت أحداث دموية في صيدا،   وتم احتلال مخافر الدرك ورفع العلم السوري،  وحصل إضراب عام ابتدأ في 12 تموز واستمر لاحقاً،  واتُّهم رياض الصلح بأنه يشرف على هذا التحرك بالتنسيق مع شكري القوتلي،  وذلك حسب التقرير المقدم من «Meyrier» «ميريه» وكيل المفوض السامي دي مارتيل.
مجزرة وشهداء صيدا في  12 تموز  1936
 على أثر المؤتمر المذكور والذي انعقد في منْزل الشيخ عباس الحر في صيدا،  وفي 12 تموز 1936،  تقرر انطلاق تظاهرة سلمية نحو السراي الحكومي ومكتب المستشار الفرنسي،  للاحتجاج على سياسة الإرهاب والتعسف التي تتبعها سلطات الانتداب ضد رجال الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية،  وأضربت المدينة،  وأخذ الناس يتجولون في أسواقها بكل هدوء.  وإذا بأحداث يتجمهرون ويطوفون في الشاكرية ويهتفون للوحدة السورية،  حتى إذا وصلوا إلى منتصف بوابة الشاكرية،  أطلق الجنود عليهم النار إرهاباً.  فأسرع عبد الحليم الحلاق –   يتمنى على الضابط إلياس المدوَّر عدم إطلاق النار،  لأنه سيفرِّق تظاهرة الأولاد بنفسه،  وإذا بالمدوَّر يأمر جنوده فيطلقون النار على الحلاق وعلى المتظاهرين،  فيصاب الحلاق إصابة خطرة نقل على أثرها إلى مستشفى الدكتور نبيه الشاب،  حيث توفي في اليوم التالي،  وأصيب أيضاً بعض الفتيان،  فهاجت صيدا وماجت،  وإذا بالجنود ينسحبون إلى داخل القشلة متحصنين بكواها ونوافذها. فوصل الخبر إلى معروف سعد،  وكان مجتمعاً إلى إخوانه المشرفين على تنظيم الإضراب،  فأسرع نحو القشلة بعد أن رأى دماء إخوانه تغطي الشارع،  واقتحم بوابتها الكبيرة،  فانْهمر عليه الرصاص من كل جانب،  فأسرع إلى أحد سلالم القشلة الداخلية،  بعد أن أصيب برصاصة في كتفه اليسرى،  عطلت ذراعه سنة،  وشَلَّت إحدى أصابع يده اليسرى.  وقد أكد ذلك أحد تقارير المفوض السامي الفرنسي «ميريه»،  المرسل إلى الخارجية الفرنسية بتاريخ 24 تموز 1936. كما استشهد الشاب محمد مرعي النعماني ، وراجح الحنوني ،   وأصيبت زليخة شعيّر،  وحسن القاضي،  وإبراهيم السبع،  وعفيف بديع،  ومحمد طبراوي،  وخيرية بدوي. وعند انتشار خبر إصابة معروف سعد،  حاول المتظاهرون إحراق القشلة بإلقاء المواد الملتهبة من سطوح العمارات المجاورة،  كما حاول فريق منهم اقتحامها،  ولم يَهدأ غليانُهم إلا بعد أن اتصل «إخوان معروف» بقيادة القشلة،  واطمأنوا عليه.وبعد التظاهرة،  عمدت السلطات الفرنسية ليلاً إلى اعتقال عدد من الزعماء الوطنيين؛ «أحمد عارف الزين»،  «توفيق الجوهري»،  «عارف لطفي»،  وبالطبع «معروف سعد» الذي نقل وهو مصاب إلى سجن الرمل في بيروت،  وأدَّى ذلك إلى إثارة المدينة،  وإعلانِها الإضراب العام والشامل،  الذي استمر ثمانية أيام،  حتى أطلق سراح المعتقلين.
وللحقيقة  وللتاريخ ومن اجل إنصاف كل المناضلين من أبناء المدينة ،   أحببت ان اقوم ببحث حول هذه الحادثة، ووجدت "خبر"  في  "جريدة النهار" الصادرة بتاريخ 25 تموز 1936 في  الصفحة الرابعة تحت عنوان : "وفاة جريح آخر من جرحى مظاهرة صيدا"، وجاء بالخبر ما يلي:" يذكر القراء ان بين جرحى صيدا الذين أصيبوا في الحادث الأخير الشاب "محمد يوسف جرادي" الذي أصيب بثلاث رصاصات في إنحاء جسمه ونقل في ذلك الوقت الى المستشفى في بيروت لمداواته، وكانت حالة الجريح المذكور الى صباح الأحد تدعو الى الارتياح ولكنه بعد الظهر لم يلبث ان ارتفعت حرارته ارتفاعاً مقلقاً، فبادرت إدارة المستشفى الى ابلاغ الخبر الى ذوي الجريح ، فحضروا في المساء وتولوا نقله الى صيدا وتوفي في الطريق ..وعلمت الحكومة بالحادث فأوعزت الى قوى الامن العام بالتنبه ،ولم يكد يتصل باهالي صيدا خبر موت الجريح حتى ضجوا وأخذت النساء بالعويل .. وقد احتفل بعد ظهر أمس بجنازة الفقيد احتفالاً مهيباً ، بعد ان صُـلي عليه في الجامع الكبير ولف نعشه بالعلم العربي ونقل الى المقر الاخير تواكبه جماهير غفيرة، وبعد ان ووري التراب تفرق المشيعون بهدوء ولم يقع ما يخل بالامن" .
واننا اذ نذكر هذه الحادثة التاريخية لتسليط الضوء على تاريخ هذه المدينة العريقة الطيبة،  ولكي تتعرف اجيالنا على مدينتهم  التي نعتز فيها ونفتخر..
فألف تحية الى روح" الشهيد محمد يوسف جرادي " والى ارواح كل الشهداء الابرار..

المؤرخ الدكتور خالد ممدوح الكردي