عام >عام
عباس إبراهيم... يضيء "شموعا" في ظلمة وطن
عباس إبراهيم... يضيء "شموعا" في ظلمة وطن ‎الخميس 13 06 2019 09:46
عباس إبراهيم... يضيء "شموعا" في ظلمة وطن

دافيد عيسى

 وسط الصورة القاتمة هناك من يضيء شمعة في عتمة هذا الوطن، وفي زمن الشح والقلة والتجاذبات وعدم المسؤولية هناك من يحقق إنجازات، وفي مجتمع مشحون بالأخبار السيئة والسلبية يظل هناك متسع لأخبار جيدة وإيجابية.
آخر هذه الأخبار والإنجازات تمثلت في عودة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من طهران ومعه المعتقل اللبناني المحرر نزار زكا، إنه إنجاز "إنساني" بالدرجة الأولى، المهمة كانت صعبة لأن السلطات الإيرانية لا تفرج عن سجناء تتهمهم بالتعرّض لأمنها الوطني فكيف إذا كان هذا الشخص يحمل الجنسية الأميركية وفي عز احتدام المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
لم يتراجع عباس إبراهيم ومضى قدماً منذ سنة على تهيئة ظروف الإفراج عن زكا فزاره في سجنه مرة واستمر في التواصل مع أهله مطمئناً ومع السلطات الإيرانية مفاوضاً، ونجح أخيراً في الوصول إلى النهاية السعيدة.
هذه ليست أول مرة ولن تكون الأخيرة يكلّف فيها هذا الرجل مهمة صعبة وينجح فيها وهو الذي خاض غمار المهمات والتجارب الصعبة وعاد منها مظفراً، صحيح أنه يستند إلى تفويض وتكليف رسمي في كل مهمة تولاها ويستمد من موقعه الرسمي القدرة على التحرك والتفاوض... ولكن لم يكن ليحقق هذه النجاحات وينجح حيث يفشل الآخرون لو لم يكن رجلاً صاحب شخصية قريبة إلى القلب، صادقاً، مبادراً، ذكياً، تحركه الدوافع والمشاعر الوطنية والإنسانية والأخلاقية.
فكل مبادراته ومهماته من تحرير مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا مروراً بالكشف عن مصير العسكريين المفقودين والسعي إلى معرفة مصير المطرانين المخطوفين، وصولاً إلى تحرير نزار زكا من سجنه، كانت تتمحور حول مفهوم الإنسان والحرية، كونه يرفض أن يظل لبنانياً أو غيره بريئاً قيد الأسر والاحتجاز خارج وطنه.
لا يستكين ولا يهدأ له بال إلا متى تحرر الذين يقبعون ظلماً أو قهراً في معتقلات وسجون، ولم يميز يوماً بين لبناني وآخر ولم تدخل في حساباته المناطق والطوائف وإنما كان عابراً لها.
عباس إبراهيم رجل دولة متميز يتحلى بحس وطني وروح إنسانية، رجل أفعال ومبادرات لا رجل أقوال ونظريات، يكفي أن نرى مسؤولاً يعمل بجد وصمت وسط هذه المعمعة من التخبط والخلافات والتجاذبات، في حين يغرق المسؤولون والسياسيون في متاهات وسجالات سئم منها اللبنانيون وملوا وكفروا، ينصرف اللواء إبراهيم إلى العمل الهادف والمنتج وفي كل الاتجاهات وعلى كافة المستويات، ويخوض كل أنواع المهام والمفاوضات، من المفاوضات الهادفة إلى تحرير سجين أو أسير، إلى المفاوضات الهادفة إلى ترسيم الحدود الجنوبية البرية والبحرية، أو تلك الهادفة إلى إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.
لا يأبه اللواء إبراهيم للمشاحنات والمناورات السياسية ولا يقع في فخ الاستدراج، لا يسمح لمؤسسة الأمن العام أن تدخل في السياسة كما لا يسمح للسياسيين أن يتدخلوا بها، ولاؤه للوطن وقضيته الانسان في هذا الوطن.
يظل في حركة لا تهدأ ولكن من دون ضجيج وغبار بينما آخرون كثيرون يغطّون في سبات عميق أو يخوضون معارك جوفاء لا طائل منها... وهكذا يمضي قدماً ويقطع أشواطاً في بناء مؤسسة أمنية نموذجية في أدائها وإنتاجيتها وحيويتها وتفاعلها مع الناس بينما مؤسسات كثيرة في الدولة تعاني من الفساد والركود وتفتقد إلى ثقة الناس بها...
اللبنانيون كما لو أنهم أصبحوا سجناء في السجن اللبناني الكبير، ورهائن العصبيات والغرائز والفساد والتسلّط وباتوا في حاجة إلى مبادرات ورجالات ومن يحررهم ويخرجهم من هذا الواقع المرير...
في الختام وإذا كان الشيء بالشيء يذكر في قضية المعتقل نزار زكا لا بدّ من توجيه الشكر إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي كان له الفضل الكبير والأساس في إطلاق نزار زكا والتي لبت طلبه القيادة الايرانية، وإلى رئيس الحكومة سعد الحريري على جهوده ومطالبته الدائمة بضرورة إطلاقه، لكن يبقى الشكر الكبير الكبير لعباس إبراهيم المفاوض ورجل المهمات الصعبة والعامل بصمت وهدوء، والامين على ما يكلف به، والذي لا يميز بين لبناني وآخر.