عام >عام
فضيحة "الجامعات" تابع ...عشرات الطلاب يُعاملون كالبرغش!
الخميس 4 07 2019 11:24جنوبيات
عشرات الطلاب يجدون أنفسهم اليوم في غياهب المجهول وبين أنياب الظلم بعدما خسروا عاماً جامعياً أو اثنين وأموالاً سُددّت إلى "دكاكين" روّجت لنفسها على أنها جامعات وألصقت إسمها بإسم دولة أجنبية، فيما ينشغل وزير التربية والتعليم العالي أكرم شهيّب في حادثة "الجبل"، وقبلها بكيفية إصدار نتائج البريفيه قبل "طلوع الضو".
في الجامعة اللبنانيّة–الفرنسيّة ULF، فرع ديك المحدي، خسر عشرات طلاب قسم "الفنون" الذي افتتح منذ فترة قصيرة ،عامين من حياتهم الأكاديمية، بالإضافة إلى الأقساط ورسوم التسجيل التي سددوها، بسبب عدم استحصال "الجامعة" المذكورة على "إذن مباشرة"، و"الشلل" الذي تعانيه وزارة التربية ولا سيّما مع شغور مركز المدير العام للتعليم العالي إثر توقيف مديره أحمد الجمال في قضية تزوير شهادات جامعية.
وفي الوقائع، فإنّ "الجامعة" المعنيّة كانت قد افتتحت منذ عامين قسم "الفنون" لاستقبال طلاب الهندسة الداخلية والغرافيك وتصميم الأزياء (الذي تبيّن لاحقاً أنه غير متواّفر)، وروّجت لنفسها أمام أولياء الطلاب مستندة على الأقساط المتدنية مقارنة مع جامعات أخرى كعامل قوة وجذب، وكانت تُبرز أمام كلّ طالب جديد مرسوم الترخيص لها الصادر في الجريدة الرسمية، ما أوحى بأن كلّ شيء يسير على أكمل وجه...وتحت ناظر الدولة ووزارتها المعنيّة!
انطلق العام الدراسي 2018-2019 في ديك المحدي بسلاسة، على الرغم مما سبقه من فضيحة هزّت الرأي العام اللبناني والكادر التعليمي في لبنان وتمثلت بفضح "جامعات" متوّرطة في تزوير شهادات وبيعها، وكان فرع ULF شتورة من ضمنها.
وفي شهر آذار، تمّ توقيف المدير العام للتعليم العالي احمد الجمال، بناء على إذن وزير التربية اكرم شهيّب بملاحقته أمام القضاء لتوّرطه في قضية إعطاء شهادات مزوّرة. وفي البلدة المتنية الهادئة، بدأ الطلاب يشعرون بخطب ما قبيل انطلاقة الفصل الثاني، وسرعان ما اعترف القائمون على الجامعة أنّ ثمة مشكلة تواجههم:"لا نملك إذناً بمباشرة التعليم في هذه الاختصاصات، على الرغم من أننا باشرنا بها".
حاول المعنيون تدارك الأمور والمضيّ في التعليم على أمل الحصول على "إذن المباشرة" في القريب العاجل، و"كنوع من الاعتذار"، أعفت "الجامعة" طلاب قسم الفنون لديها من دفع أقساط الفصل الثاني.
انتهى العام الجامعيّ ولم يظهر أي دخان أبيض، وبحسب ما قاله أحدهم في إدارة الجامعة لـ "لبنان24"، "فإنّ مشكلتنا لا تستأهل هذا التسويف والتأخير والظلم والعقاب، فمعظم جامعات لبنان، حتى ذات الأسماء الكبيرة واللامعة، تباشر باختصاصاتها الجديدة قبل أن تستحصل على إذن مباشرة من قبل وزارة التربية"، مؤكداً أنّ "الفرع ليس متوّرطاً في قضايا تزوير وفساد".
من يحمي الطلاب؟
قد تكون "جريمة" الفرع هذا "شائنة" إذا ما قورنت مع ما ارتكبته جامعات أخرى توّرطت في تزوير شهادات وبيعها، ومع هذا يبقى السؤال الأساس: من يحمي الطلاب الأبرياء؟ من يضمن لهم حقوقهم؟ أولا يستحقوا تدابير وإجراءات استثنائية للحؤول دون تكبدهم خسائر معنوية ومادية؟!
على ما يبدو، فإن القضية سوف تستغرق وقتاً، والوقت هنا ليس في صالح الطلاب. الموضوع بات في عهدة القضاء، وقد أكدّ وزير التربية في تصريح له (خلال اللقاء الذي نظّمته جريدة "النهار" مع رؤساء الجامعات الخاصة في أواخر شهر حزيران الماضي) أنه "سيواصل التحقيق في قضية الشهادات المزورة"،مؤكداً أنّ "أحمد الجمّال لن يعود إلى الوزارة، ولو ثبتت براءته، وهو سيوضع بتصرّف رئاسة الحكومة ويُعيّن مكانه، وسيختار الفريق الذي سيساعده"، مضيفاً "طالبتُ مجلس الوزراء بتعيين مدير عام أصيل، وتغيير فريق عمله بالكامل، لكي نعود لتصحيح المسار، ونحمي الجامعات المحترمة، ونحاسب الجامعات المقصّرة. ومن هنا وُضع في البيان الوزاري موضوع الاعتمادات في الجامعات الخاصة. وهناك قانون في لجنة التربية، وهو جودة التعليم. لكن إلى أن يقرّ القانون، وأظن أن ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً، قررتُ أن أطلب من شركة تتمتع بمستوى من المعرفة أن تقوم هي بالاعتماد الأكاديمي، وتقول لنا أي جامعة يجب أن تستمر، وأي جامعة يجب أن تغلق".
إذاً، بانتظار التعيينات وما يرافق هذا الملفّ من شدّ حبال بين الأحزاب في السلطة، وإلى أن يقول القضاء كلمته و"تغربل" الشركة المتوقع التعاون معها للبتّ في موضوع الاعتماد الأكاديمي، يبقى عشرات الطلاب، بل المئات مع احتساب طلاب الجامعات الأخرى المتوّرطة، "لا معلقين ولا مطلقين"، أو بالأحرى مطعونين بالظهر بخنجرين: الأول أطلقته الجامعة التي ينتمون إليها، والثاني غرزته المنظومة السائدة في لبنان أكان في القطاع التربوي أم السياسي، وحتى القضائي!
والمشكلة، أنّ أحداً من قبل وزارة التربية لم يتكلّم مع طلاب الـ ULF أو يسأل عنهم أو يطلعهم على جوانب القضية وما قد تؤول إليه، في وقت كانت إدارة الفرع تنتظر حلاً ونهاية سعيدة، إلى أن انتهى الفصل الثاني وبدأ الطلاب يطالبون بمعرفة مصائرهم.
وفيما بدأ الطلاب بتحضير أوراقهم للانتقال إلى جامعات أخرى، علماً أنّ ليس بمقدور معظمهم تسديد أقساط الجامعات الأخرى "المعروفة" في لبنان، وفي وقت يحتاج الانضمام إلى الجامعة اللبنانية اجتياز امتحان الدخول في بعض الاختصاصات مثل الهندسة الداخلية، تبرز المشكلة الأهم وهي رفض الجامعة إعطائهم إفادات أو حتى علامات المواد التي درسوها، فيما بات مؤكداً أن الجامعات الأخرى لن تعترف لهم بأي مادة لتعديلها!
أما الفضيحة الكبرى، فحصلت منذ أسبوع، إذ دعا فرع الـ ULF في ديك المحدي الطلاب إلى اجتماع بعدما طالبها هؤلاء بحلول، وبحسب معلومات "لبنان24"، فقد عرضت الإدارة عليهم "تسوية" غريبة عجيبة تقضي بنقلهم إلى إحدى الجامعات التي وافقت على الاعتراف بالمواد التي تعلموها، وهو ما يضمن عدم خسارتهم سنواتهم الدراسية. لكنّ المفاجأة كانت في اسم الجامعة التي سرعان ما تنبّه الطلاب إلى أنها من ضمن الجامعات المتوّرطة في قضية الشهادات المزوّرة، علماً أنّ هذه "الصفقة"، إذا صحّ التعبير، تبدو غير قابلة للتطبيق، بحسب مصدر في وزارة التربية!
الطامة أنّ بعض طلاب السنة الثانية في قسم الفنون يميلون إلى الموافقة على هذا الطرح بسبب غياب أي خيارات بديلة أخرى، وهو ما يضعهم مجدداً في موضع الخطر.
إلى ذلك، رفضت الجامعة إعادة الأموال التي سددت كقسط جامعي، قائلة:"روحوا تشكوا علينا".
وخلال الفترة الماضية، أي منذ حوالي الشهر، سعى "لبنان24" إلى الحصول على مقابلة مع وزير التربية للوقوف عند رأيه بهذه القضية ومعرفة ما إذا كان لديه من تصوّر أو حلول من شأنها رفع الغبن عن الطلاب سيّما وأنه دائماً ما يبدي حرصه على حماية المتعلمين، لكن من دون أن يتحدد أي موعد للمقابلة المرجوّة حتى الساعة!
على أي حال، نضع هذه القضية اليوم برسم الوزير أكرم شهيّب علّه يجد حلولاً لرفع الظلم عن طلاب وقعوا ضحية الفوضى المستشرية في قطاع التربية في لبنان. وهي أيضاً بعهدة رئيس الحكومة ورئيسة لجنة التربية والتعليم النيابية وجميع المعنيين من أجل معالجة هذا الملف على وجه السرعة من دون التوّقف عند اسم مدير أو طائفته أو مرجعيته الحزبية، ومن دون أي تأخير أو تأجيل.
في الحقيقة، لا تنقص الشباب اللبناني هموماً إضافية بعد أن فاضت سلّة المعاناة التي يضطرون إلى حملها منذ نعومة أظافرهم، هم الذين باتوا يتخصصون في الجامعات ويكدحون رغم يقينهم أن البطالة بانتظارهم، وأن الشقاء يتربّص بهم كوحش عند كل مفترق طرق. ولم يعد ينقص لبنان الذي كان حاضرة علميّة ومنارة أكاديمية وصرحاً ثقافياً يستقطب الباحثين عن العلم والتخصص من المنطقة بل من العالم، تشويهاً وضرباً لمركزه وصورته وقيمته؟! فهل من يتحرّك ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح من دون إيقاع ضحايا ذنبهم الوحيد أنهم التحقوا بجامعات يُفترض أنها تعمل في وضح الشمس وتحت عين الدولة؟!