منذ عام تقريباً، وفي مثل هذه الأيام، يوم كانت حمى اللجوء تجتاح لبنان، من اللاجئين السوريين اساساً، واللبنانيين والفلسطينيين، خرج الشاب خالد البش (٢٣ عاما) كغيره من الشباب الى اوروبا بحثا عن مستقبل افضل.
انطلق خالد مغادراً الحي الذي ولد وترعرع فيه وهو حي قبور الاسلام في الميناء- يقابله على المقلب الاخر من المدينة حي قبور المسيحيين. في الطبقة الخامسة من احد المباني، ولد خالد، مع اشقائه وشقيقاته، يسألون الحياة عن تفاؤل فترد بتشاؤم، لكن الوالد ابرهيم وزوجته فاطمة، وككل الأهل، ثابروا على ما يرضي ابناءهم في انتظار فرج لا بد آت.
هاجر خالد، وزوجته حامل، ووضعت في غيابه، ولم يتسن له رؤية ابنته. ونجح خالد في عبور المسار المعهود نحو الجنان الاوروبية، بفيزا شرعية الى تركيا، ومنها بطريق التهريب المعهودة الى اليونان، ومنها اتجه الى المانيا.
كان خالد وحيداً، وهو لا يزال يافعاً، في مقتبل العمر، يتناسب وضعه مع احتمالات التحوّل التي تترقبها سلطات بعض الدول الاوروبية بهدف اسكان المهجرين، ودمجهم مع مرور الوقت في مجتمعاتهم، يتلقنون قيمها، ومفاهيمها، ويصبحون مواطنين منها.
قلة من اللبنانيين يحظون بقبول الدخول الى المانيا بصفة غير شرعية. لكن خالد حصل على الموافقة بالدخول رغم قدومه تهريبا الى المانيا.
منح خالد حق اللجوء، والاقامة في احد المخيمات، مع مخصص اربعمائة اورو كما افاد والده "النهار"، بالاضافة الى حقه في العمل البسيط داخل المخيم، فتمكن من زيادة مدخوله، وحقق بحبوحة مصروف.
"كان يرسل لي يوميا صورا جديدة متباهيا بما يلبس من جديد، ان على جسده ام في قدميه، كنت اجن به فرحا، اخاله منطلقا، بينما كان يائسا اشبه بالمتشردين هنا"، قال والده ابرهيم والدمعة تترقرق في عينيه الزرقاويين.
ثم ينقل ابرهيم عن خالة ابنه ربى التي تعيش في المانيا ان خالدخرج للسباحة في احد انهر المانيا مع رفاقه. وصدف ان كان النهر مرتفعا وعكرا، فغرق خالد واحد اصدقائه، وجرت عملية انقاذ صعبة لهما، وتم سحبهما من الماء ونقلا الى المستشفى، انقذ رفيقه، لكن خالد فارق الحياة.
في منزل العائلة الذي قصدناه، كان الجميع يبكي ويفكر في كيفية التصرف وتدبر امور الجنازة واستعادة الجثمان. الواقعة وقعت، ولم يكتب لخالد الهناء في حياته الجديدة. وتكتفي امه فاطمة بالمطالبة باحضار جثمانه، "فليس هناك من يهتم"، ولا ترضى عن ذلك بديلا قبل ان يهدأ لها جفن.