عام >عام
غاب فانوس رمضان وحضرت الزينة بخجل في مدينة النبطية
عادات وتقاليد تلاشت وبقيت الذكريات الجميلة في شهر الخير
أهالي حي السراي: تبدّل كل شيء حتى السهرات مع العائلات
الأربعاء 29 06 2016 08:08ثريا حسن زعيتر:
تتغيّر العادات والتقاليد من زمن إلى آخر... ومن جيل إلى جيل، وهذا التغيّر قضى على الكثير من العادات الاجتماعية المميّزة في لبنان، وحتى شهر رمضان المبارك لم يسلم من تغيّر العادات، إذ اختفت أو ضعفت عادات وتقاليد كثيرة كانت سائدة سابقاً، حيث كان الناس يتبادلون الزيارات والسهرات بعد الإفطار، أما اليوم فقد حلّت البرامج التلفزيونية الرمضانية التي تغزو بكثرة مكان هذه العادة في هذا الشهر...
وفي مدينة النبطية الجنوبية، أيضاً تبدّلت الأحوال فيها، ففي السابق كانت الأحياء والحارات مفعمة بالحياة الرمضانية، حيث كانت تصدح في أزقتها أصوات مدقّات اللحمة على البلاطة، وأصوات الباعة تصدح من كل الزوايا، ومناظر الحلويات الرمضانية وزحمة الأهالي لشراء مستلزمات المائدة الرمضانية، إذ كانت لـ "رمضان" شهر البركة، نكهة خاصة، أما اليوم فقد غاب الفانوس الرمضاني، وحتى الزينة بَدَتْ خجولة جداً، يرافقها ارتفاع في أسعار الخضار، وكأنّه لا يكفي المواطن ما يعانيه من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تثقل كاهله...
"لـواء صيدا والجنوب" حطَّ رحاله في مدينة النبطية، والتقى أهالي حي السراي، وعاش معهم ذكرياتهم مع شهر رمضان...
ذكريات.. وعادات
يعيش حي السراي شهر رمضان المبارك، وهو الأعتق والأقدم في مدينة النبطية، زمن الحداثة إذ كان الناس يتبادلون الزيارات للتهنئة بحلول هذا الشهر، أما اليوم فقد حلّت الرسائل القصيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مكان هذه العادة الاجتماعية، والأطفال كانوا يخرجون ليلاً حاملين الأكياس، يطوفون في أزقة الحي ويطرقون الأبواب من أجل جمع الحلوى، بينما اليوم يقضي الطفل وقته يلهو بالألعاب الإلكترونية بدلاً من أنْ يتمتّع بطفولته مع أصدقائه.
وغابت بهجة شهر رمضان عن حي السراي أيضاً هذا العام، فالزينة الرمضانية خجولة جداً، والحكواتي لا يأتي كما كان في السابق، أما المسحّراتي الذي كان يحتل مكانة مميّزة سابقاً في إيقاظ النائمين عبر طبلته، وكان الأطفال ينتظرونه قبل الأهل، فقد حلّت السيارات وعليها مكبّرات الصوت مكانه، فبقي الحي وأهله يعيشون الذكريات والحنين إلى أيام شهر رمضان سابقاً متمنّين أنْ تعود تلك الأيام...
* جلس الحاج "أبو علي" بيطار على الكرسي، وقال: "كان زماننا أجمل بكثير من الآن، كنّا نتعاون مع بعضنا بكل شيء وحتى كنّا نتشارك الطعام، أما شهر رمضان فكانت له ميزة خاصة، حيث كنّا نذهب جميعاً لصلاة التراويح نساءً ورجالاً وأطفالاً، وبعد ذلك يذهب الرجال إلى المقاهي والنساء يجتمعن وتُقام السهرات الرمضانية، أما الحلوى الرمضانية كانت الزردة فهي مصنوعة من سميد ومياه وسكر يرش فوقها صبغة حمراء والرشتاية بحليب والجلاب رفيقة السهرة وخبريات الأهالي التي تستمر حتى السحور".
وأضاف والحنين في عينيه: "كنّا نجتمع في المقهى ونستمع بفارغ الصبر لحكايات الحكواتي والقصص التاريخية والبطولية وقصص الحب، وكان أبرزها ألف ليلة وليلة، والحكواتي كان يرتدي يومذاك ثوبه التقليدي من الجلباب والطربوش والزنّار حاملاً بيده العصا وكتاب حكاياته المشوّقة الذي ينتظره الكبير قبل الصغير".
* وفي الحي أيضاً تسمع قصصاً عن السهريات الرمضانية اليومية، فقد تبدّل كل شيء حتى السهرات مع العائلات، حيث قالت "أم عادل" نجم: "كانت السهريات الرمضانية زمان تلتئم كل يوم في منزل، وكانت رفيقة السهرات الغزلة والقضامي، كانت أياماً جميلة، وكنّا نشعر بمتعة وفرحة برؤية الجيران يتبادلون الأكل اليومي، وكان الأولاد يتحلّقون حول الحكواتي، ليستمعوا إلى القصص وخبرياته المضحكة، التي باتت من التقاليد الشعبية. لقد اشتقنا أن تعود تلك الأيام".
المسحّراتي وطبلته
* وحده المسحّراتي "أبو حسين" ما زال مواظباً على عمله كمسحّراتي، وقد طبع صورته على سيارته ووضع طبلة داخلها وعلّق مذياعاً، يجوب الأحياء مُطلِقاً العنان لصوته: "يا نايم وحّد الدايم، يا مؤمن قوم عالسحور".
وقال: "أشعر بفرح عندما أسحّر الأهالي، فأنا أقوم بأرقى أنواع الطقوس، فالمسحّراتي يجب أن يعود كما كل شيء قديم، لكن ظروف الحياة تغيّرت وتبدّل كل شيء، أبدأ جولتي من الساعة الواحدة حتى الساعة الثالثة، حتى أتأكّد من أنّ الجميع استيقظ على السحور، فشهر رمضان لا قيمة له إلا بالمسحراتي، وعندما أنتهي من الجولة أتوقف عند "فرن اللوز" لأتناول مشطاح رمضان، وهذا الفرن من أقدم الأفران التي تُعد مشاطيح رمضان الشهيرة، وتعتبر موروثاً عتيقاً يحفظ جزءاً من ذكريات رمضان حي السراي".
مشاطيح.. وقطايف
* وقال الحاج "أبو محمد" جابر: "زمان كانت مدينة النبطية تشتهر بأماكنها التراثية، وكان الزّوار يقصدونها بما فيها حي السراي فهو صورة مصغّرة عن رمضان في المدينة، وأيضاً عاداته التراثية القديمة التي كانت ترافق الشهر الفضيل، من زحمة الأهالي في الأسواق لشراء احتياجاتهم لتزيين السفرة، من الحلويات والمشروبات الخاصة برمضان كالقطايف والمشاطيح والجلاب والتمر الهندي".
وأضاف: "اليوم نعيش شهر رمضان بشكل مختلف كلياً عن رمضان الذي كان في ذاكرتنا، من عادات وتقاليد، من صوم وعبادة وصلاة التراويح والاجتماع في القهوة وتزيين الحارات، كنّا نتشارك ونساعد الفقراء والمحتاجين، لقد بات شهر رمضان عند بعض الناس شهر أيام عدّة لا أكثر".
سيارة المسحّراتي وعليها صورته
زينة خجولة في حي السراي في النبطية
"فرن اللوز" وهو من أقدم الأفران التي تُعد مشاطيح
ليت تعود ايام زمان
المشطاح من موروثات رمضان