عام >عام
د. طلال حمود يعرض تقنية ثورية جديدة تستعمل ضغط الموجات الصّوتية لتفتيت الكالسيوم الموجود داخل الشرايين
د. طلال حمود يعرض تقنية ثورية جديدة تستعمل ضغط الموجات الصّوتية لتفتيت الكالسيوم الموجود داخل الشرايين ‎الأربعاء 21 08 2019 22:42
د. طلال حمود يعرض تقنية ثورية جديدة تستعمل ضغط الموجات الصّوتية لتفتيت الكالسيوم الموجود داخل الشرايين

جنوبيات

يعرض الدكتور طلال حمود تقنية ثورية جديدة تستعمل ضغط الموجات الصّوتية لتفتيت الكالسيوم الموجود داخل الشرايين: Intra Vascular Lithotripsy (IVL):

١-مقدّمة: كما كنّا أشرنا في مقالات سابقة إلى أنّ أطباء القلب أصبحوا منذ أكثر من ١٥ سنة يعالجون حالات مرضية أكثر وأكثر تعقيداً من الماضي بحيث أصبح معظم مرضاهم متقدّمين جداً في السن ويعانون من وجود تكلّس كبير في جدار الشرايين ومن أمراض جانبية أخرى متعدّدة مثلمرض  السُّكري وقصور الكلى والإنسداد الرئوي وغيرها من الأمراض.وقد كنّا تكلّمنا في مقالات سابقة بشكل تفصيلي كيف أنّ زيادة كمية الكلس داخل جدار الشرايين التاجية للقلب يزيد من مخاطر الأحداث القلبية كالذبحات القلبية وحالات الموت المفاجئ وغيرها من الأعراض.لذلك يعتبر أطباء القلب التّدخليين التكلّس الموجود داخل جدار الشرايين عدوّهم الأول لأنّه يمنع ويُعقِّد بشكل كبير عمليات توسيع هذه الشرايين لأنّه يمنع أوّلاً فتح هذه الشرايين بواسطة البالون في أكثر الأحيان وإذا ما تمّ فتحها بواسطة البالون يمنع وجود الكلس في جدار الشرايين وصول الروسورات على أنواعها بسهولة إلى هذه الأماكن بسبب الإحتكاك الكبير الذي يحدث بين المعدن المُكوِّن للروسور وبين الكلس الموجود داخل جدار الشريان ويمنع أيضاً هذه الروسورات من أن تفتح كلياً أو أن تلتصق بشكل كامل في جدار الشريان ممّا يعرّض المريض أحياناً لحوادث خطيرة مثل حالات الإنسداد المفاجئ لهذه الروسورات ولحدوث ذبحات قلبية وحالات موت مفاجئ نتيجة ذلك.لذلك ومنذ إكتشاف وتطوير عملية توسيع الشرايين بالبالون سنة ١٩٧٩ ثم إكتشاف الروسورات لاحقاً في سنة ١٩٨٦، لم يتوقف أطباء القلب من تطوير تقنيات متعدّدة للتغلّب على هذا العدو اللّدود المتمثّل بالكلس الموجود في جدار الشرايين.وطوّروا أولاً في ثمانينات القرن الماضي تقنيات النحت الدائريRotational Atherectomy التي خصّصنا لها منذ مدة قريبة مقالاً سابقاً وشرحنا أنّها تقنية قديمة جديدة عاد أطباء القلب لتطويرها من جديد في العشر سنوات الأخيرة للأسباب التي شرحناها سابقاً لكنّها ليست متوفرة في كل المستشفيات في لبنان وهي موجودة فقط في بعض المراكز الكبرى والجامعية لأنّها أولاً مُكلفة وثانياً معقّدة الإستعمال ولها مخاطر جانبية لا يُستهان بها.وقد طوّر أطباء القلب تقنية أخرى مماثلة تسمّى طريقة النحت المداري Coronary Orbital Atherectomy (COA)وهي بعكس تقنية النحت الدائري الذي لا ينحت الكلس الموجود في داخل الشرايين  بشكلٍ متوازن ومتساوي على مدار 360  درجة ،مما قد يترك بعض النتوءات الكلسية داخل الشريان،تعتمد على حلقة دائرية مصنوعة من الألماس وتنحت الكلس الموجود في جار الشريان بطريقة مدارية تشمل كل مدار الشريان من الداخل  وسوف نخصّص لها مقالاً مفصّلاً للكلام عن هذه الط ية التي تعتمد النحت المداري، كذلك طوّر الأطباء أنواع متعدّدة من البالونات التي تحتمل أن تُنفخ على ضغط كبير (سماكة البلاستيك المكوّن لها قوي جداً بحيث أنّها لا تنفجر مع إرتفاع ضغط النفخ إلى مستويات عالية جداً)Non-Compliant Balloon :NC Balloon أو بالونات تحمل على جدارها الخارجي شفرتان لقطع الكالسيوم Cutting Balloon أو بالونات مروّصة قليلاً وتفتح بشكل هندسي معيّن وفيها خيوط معدنية لتقطيع الكلس الموجود داخل الشرايين Angiosculpt.

٢-كيفية تقييم التكلس الموجود داخل شرايين القلب:يجب أولاً التذكير أنّ نسبة تكلس الشرايين ترتفع جداً مع التقدم بالعمر بحيث أنّ  تقديرات الدراسات تشير إلى أن حوالي 70% من النساء و 90% من الرجال البالغين 70 سنة وما فوق يصابون بتكلس قوي في شرايين القلب .كذل يجب علينا أن نعلم أنّ هناك نوعان من تكلس الشرايين:الأول يصيب الطبقة الداخلية للشرايين ويتأثر كثيراً بعوامل الخطورة المعروفة لهذا المرض وهي التدخين والسكري وارتفاع الضغط الشرياني وغيرها من عوامل الخطورة وهي تكلسات سطحية يمكن أن تكشفها تقنيات التصوير التي تعتمد عل إدخال مصدر للضوء داخل الشرايين أما النوع الثاني من هذه التكلسات فهو النوع الذي يصيب الطبقة الوسطى من جدار الشرايين وهو يتأثر أكثر بعمليات إستقلاب الكالسيوم والفوسفور في الجسم ويزداد كثيراً مع وجود مرض القصور الكلوي وعند المرضى الذين يعانون من فشل كلوي كامل مع علاج بواسطة غسيل الكلى. نضيف أيضاً أنه في الماضي ومنذ حوالي أربعين سنة أو أكثر أي عند بدء عمليات توسيع الشرايين على يد الطبيب السويسري من أصل النمساوي Andreas Gruntzing كان التصوير بواسطة تقنيات التمييل أو القسطرة(Coronarography) هو الطريقة الأساسية التي استُعمِلت ولا تزال تُستعمل في مختلف مراكز القلب عبر العالم.لكنّ هذه التقنية تشكو من مشكلة أساسية هي عدم حساسيتها وفعاليتها بشكلٍ كامل لكشف التكلّس الموجود في جدار الشرايين.حيث أنّ معظم الدراسات أثبتت أنّ هذه التقنيات تكشف فقط 36% من المرضى الذين يعانون من تكلّس متوسط أو شديد في جدار شرايين القلب.ومع تطوّر تقنيات التصوير الصوتي Intra Vascular Ultra sound Ivus وتقنيات التصوير بواسطة إستعمال الضوء Optical Co-herence Tomography(OCT) إكتشف أطباء القلب أنّ هاتين التقنيتين فعّالتان أكثر بكثير من التمييل العادي للقلب لكشف الكلس الموجود في جدار الشرايين مع أفضلية حاسمة وقاطعة بأنّ تقنية التصوير الصوتي داخل الشرايين IVUS لها الأفضلية على كل التقنيات الأخرى لأنّ فعاليتها تبلغ 74% بحسب معظم الدراسات التي ظهرت حديثاً.وتتفوّق هذه التقنية قطعاً على تقنيات التصوير بواسطة الضوء.لأنّ وضع مصدر للضوء داخل الشريان يكشف فقط التكلّس الموجود في الطبقة الداخلية للشرايين ولا يسمح الضوء بكشف التكلس الموجود في الطبقات الوسطى والخارجية من جدار الشرايين.لذلك فإنّ معظم الجمعيات العالمية توصي بإستعمال تقنية التصوير الصوتي لهذه المهمة لكن هذه التقنية كما تقنية التصوير بواسطة الضوء تبقى باهظة الثمن(1500$ كلفة إضافية لكل مريض علماً أنّه لا يمكن استعمال المسبر المزوّر بهذه التقنيات سوى لمريض واحدة لا يمكن تعقيمها).ولذلك تبقى استعمال هذه التقنيات حكراً لبعض المراكز الجامعية في لبنان وبعض الدول العربية وهي ليست متوفرة بشكل روتيني في معظم الدول الأوروبية ودول أميركا الشمالية لأنّها بحاجة الى تدريب خاص وبسبب كلفتها العالية كما ذكرت.لكن معظم الجمعيات العلمية العالمية خاصة الأميركية والأوروبية منها توصي بالإستعمال  الإجباري لهذه التقنيات الجديدة عند قيامنا بعمليات توسيع معقدة ومتكلّسة جداً في شرايين القلب مثل إنسدادات النهر الكبير الأيسرLeft Main،علاج الإنسدادات المتكلسة جداً،علاج تفرّعات الشرايين،الإنسدادات القديمة والمزمنة أو عند حدوث أية تعقيدات أو إختلاطات جانبية خلال عمليات التوسيع الروتينية.

٣-كيف وُلدت وطوّرت هذه التقنية:
لقد جاءت فكرة إستعمال الموجات الصوتية من أجل تفتيت الكالسيوم الموجود من المبدأ المعتمد في تفتيت الحصى الذي نستعمله لعلاج الكلس الموجود داخل الكلى والمسالك البولية Renal stone or lithiasis lithotripsy وهي تقنية قديمة تستعمل منذ حوالي ثلاثين سنة في تفتيت الحصى الموجود داخل الكلى وقد كان لمهندسي وخبراء وهي شركة أميركية توجد في ولاية كاليفورنيا السّابقة التاريخية في آذار 2015 عندما فكروا وهم مجتمعون في غداء عمل "هل يمكننا إستعمال ذات التقنيات المُستعملة في تفتيت الحصى داخل الكلى لتفتيت الكلس الموجود في جدار الشرايين؟"وقد ساعدهم الحظ كثيراً بعد أن أسّسوا شركة أسموها ShockWave Medical Inc سوّقت أولاً هذه التقنية لتفتيت الكلس الموجود في جدار شرايين الأطراف(شرايين الساقين) ولاقت نجاحاً كبيراً في هذه الإستعمالات.وبعد أن تأكّدوا من أنّها آمنة وفعّالة في هذا المجال إتّجهوا مباشرةً لتطوير نماذج مصغّرة جداً منها لعلاج الكلس الموجود في الشرايين التاجية للقلب(وهي أصغر حجماً من شرايين الأطراف ولكنهم نجحوا في إستحداث نماذج من بالونات صغيرة مجهّزة بعدد من المرسلات  الصغيرة جداً الموصولة على مولد كهربائي خارجي)و يؤدي تشغيل هذا المولد الكهربائي الخارجي الى توليد طاقة بشكل موجات صوتية تتجه بشكل محوري في كل إتجاهات الشريان لكي تفتّت الكالسيوم الموجود في هذا الجدار وذلك بعكس تقنيات النحت الدائري التي قُلنا سابقاً أنها قد تنحت الكلس في بعض الأماكن وتتركه في أماكن أخرى من جدار الشريان.إضافةً الى هذه الميّزة المهمّة جداً تتميز هذه الموجات الصوتية بأنها لا تتسبّب بأي ضرر يُذكر للأنسجة اللّيّنة أو متويطة الكثافة تماماً بعكس تقنية النحت الدائري التي قد تجرف بطريقها كل ما تصطدم به.

٤-تقنية تفتيت الكالسيوم بواسطة الموجات الصوتية:
يعتمد مبدأ هذه التقنية على إدخال بالون صغير طوله 12 ملم وهو متوفر بعدة أقطار 2.5-3-3.5-4 ملم ويتم نفخه إلى ضغط 4ATMالى 6ATM ويوجد في داخله مرسلان للموجات الصوتية يبعثان موجات صوتية بمعدل موجة كل ثانية وبمعدل أقصاه ثمانين موجة،هذا البالون يُدخَل الى داخل الشريان ويوضع في المكان المتكلّس الذي نريد تفتيت الكلس فيه ويتم إدخاله بالطريقة الإعتيادية الذي ندخل فيها البالونات العادية أي على سلك معدني رفيع 0.014 inch يمر داخل الشريان ويخترق منطقة الإنسداد،يوصَل هذا البالون على مولّد للموجات الصوتية ويقوم الطبيب بتشغيله لفترات متقطّعة للحصول على نتيجة كافية بتفتيت الكلس.وتولّد الطاقة الكهربائية الواصلة من المولّد موجة صوتية تتبلور على شكل فقّاعة من البخار تتسرب في جدار الشريان وتتفاعل فقط مع الأنسجة القاسية المتكلسة ولا تسبّب أي ضرر بالأنسجة العادية المكوّنة للشريان،ونتيجة لذلك وبعد عدّة موجات من العلاج يتأكد الطبيب بأن الكلس قد تفكّك في جدار الشريان ويكمل عمليته بتوسيع المكان المسدود بواسطة البالونات العادية أو القاسية Non Complient Balloon وينهي عمله كالعادة بزرع روسور من النوع المطلي بالدواء Drug Iluting stent في كل الأحوال.وقد أُجرِيت حتى الآن عدة دراسات سريرية على هذه التقنية،الأولى تحت إسم Disrupt CAD1 شملت 60 مريضاً ثم مراقبة النتيجة عند نصفهم بواسطة تقنية التصوير الضوئي وأثبتت فعالية كبيرة لهذه التقنية دون أية إختلاطات خطيرة خلال العملية أو على المدى القصير.وحدث فقط حالتين من التمزق المتوسط بالشريان تم علاجهما بواسطة الروسور ولم يحدث أية حالة إنثقاب Perforation ولم يحدث أيضاً أية  حالة إنسداد مفاجئ في الشريان أو تباطؤ سيلان مهم أو متوسط أو كلّي للدم  في هذا الشريان،أما الدراسة الثانية كانت على شكل سجل عالمي شمل معظم الدول الأوروبية وأدخل فيه 392 مريض عولِجوا بواسطة هذه التقنية التي أكّدت مرة أخرى فعاليتها دون حدوث أيّة أعراض جانبية مهمة.إضافةً إلى ذلك نشير إلى أن إستعمال هذه التقنية في الشرايين المحيطة Pereferal Artries أصبح تقريباً من الأعمال الروتينية في هذا المجال وهناك دراسة تتم حالياً لمقارنة 400 مريض سوف يعالجون بهذه التقنية إضافة إلى إستعمال البالونات المطلية بالدواء مقابل 500مريض سوف يعالجون فقط بواسطة التقنيات التقليدية والبالونات المطلية بالدواء فقط.
نشير أخيراً إلى أنّ أطباء القلب أخذوا يستفيدون من هذا الإختراع ليوسّعوا إستعمالاته يميناً ويساراً مثلاً لعلاج التكلسات الموجودة في شرايين الفخذIllu-Femoral Arteries  لتمرير الصمامات الإصطناعية التي يتم زرعها بواسطة التمييل TAVI وهناك آفاق جديدة لإستعمالها في علاج التكلس الموجود في داخل وريقات الصمام الأبهر وهذا ما قد يشكّل ثورة كبيرة في هذا المجال إذا ما علمنا أنّ معظم المرضى المتقدمين بالسن يعانون من تكلس وإنسداد في هذا الصمام وقد تكون هذه التقنية هي الحل الثوري لمشاكلهم خاصّة لأنّهم عادةً ما يكونون متقدّمين في السن ولا يقدرون على تحمّل العمليات الجراحية الكلاسيكية.
الخلاصة النهائية هي أنّ هذه التقنية أثبتت فعاليتهاوأمانها الكامل في تفتيت الكالسيوم المةجود داخل جدار الشرايين التاجية للقلب والشرايين المحيطة وفي غيرها من الأماكن وهي آخذة في الإنتشار يوماً بعد يوم وأنها واعدة لعلاج عدة أنواع من الأمراض وقد وصلت إلى بعض المراكز في لبنان وتبقى العبرة في إنتظار نتائجها وفعاليتها على المدى البعيد.علماً أنّ كلفتها لا تزال مرتفعة حالياً لكنها قد تصبح في متناول كل المراكز قريباً إذا ما دخلت شركات أخرى إلى حلبة المنافسة.
دكتور طلال حمّود:
طبيب قلب تدخّلي-
رئيس جمعية عطاء بلا حدود ومُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود- هاتف:03/832853