عام >عام
مخيّم شاتيلا يلفظ أنفاسه الأخيرة... تخديراً
الثلاثاء 1 10 2019 07:42محمد نزال
ذات يوم، كان مخيّم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين يُخرّج ثوّاراً، يُلهبون العالم، إلى «ميونيخ» وأبعد... أمّا اليوم فبات يُخرّج «أبو شاكوش» و«الطوبزي» و«بلبل» وما شاكل: مخدّرات مخدّرات مخدّرات. ما الجديد في القول إنّ المخدّرات تفشّت في ذاك المخيّم (أو سواه مِن المخيّمات)؟ قيل هذا سابقاً. ربّما الجديد أنّ الناس، في مخيّم شاتيلا، ما عادوا يتحمّلون هذا المصير الذي أُريد لهم. فهموا أنّ شأنهم ما عاد يهمّ أحداً. رأوا أن أبناءهم، بأكثريّتهم الساحقة، قد أخذهم «التسطيل». ما عادوا يُراهنون على قوى أمنيّة، لا لبنانيّة ولا فلسطينيّة، وهي قوى ليست ببعيدة عن سهام الاتهام بالتورّط... فنزلوا بأنفسهم إلى الشارع. حصل هذا قبل أيّام. تجمّعوا، عفواً بمبادرة أهليّة، وقصدوا «هنغاراً» يحوي مواد مخدّرة يعود لأحد كبار «المروّجين». أشعلوه بكل ما فيه مِن مواد وأموال. مكان تلك «البؤرة» عند طرف حيّ فرحات، في نقطة، بحسب العرف، تقع خارج سُلطة القوى الفلسطينيّة، أمّا القوى الأمنيّة اللبنانيّة فعتبرها تابعة للمخيّم. هذا خلاف «جغرافي» مزمن ولا يبدو أن هناك من سيحلّه.
لم تعد الفكرة أنّ ظاهرة المخدّرات تفشّت في المخيّم، بل الحديث، اليوم، عن مخيّم «يتعاطى». الشاب الذي ينجو مِن هذه الورطة يُسمى هناك: «فلتة». لا يوجد زقاق في المخيّم إلا وفيه نقطة لبيع المخدّرات. حرفيّاً، كلّ زقاق. علنيّة كلّها. مخدّرات رديئة تُباع للقاطنين هناك، نظراً لكونهم فقراء، أمّا النوعيّة الفاخرة فهذه لها زبونها الذي يأتي مِن خارج المخيّم.
قبل أيّام، وبعد هبّة الأهالي وإحراقهم لأحد أكبر «الأوكار» هناك، قٌبض على شاب كان آتياً للتبضّع. صار يصرخ ويقول للأهالي إنه «ابن عائلة» و«محترم» وما إلى ذلك. هو ابن عائلة ميسورة الحال. يسكن في الحمرا. إنّها المخدّرات، والآن عليه أن يتعامل مع أمثال «علي علوكا» و«أشرف كُخّة»... الذين، لولا تلك المادّة، لما كان له أن يلتقي بهم يوماً. قديماً قيل: «الكيف بيذلّ». الكيف أيضاً يجمع بطريقته الخاصة مختلف الطبقات. زبائن تلك البؤرة يأتون مِن مختلف المناطق، مِن الضاحية والطريق الجديدة، أي المناطق المتّصلة بالمخيّم جغرافيّاً، فضلاً عن سائر المناطق مثل الحمرا والأشرفية وغيرهما. لا توجد زراعة مخدّرات هناك، ولا تجّار بالمعنى الواسع للكلمة، إنّما هناك مَن يروّج «على كبير» إلى جانب «صبيانهم» مِن المروّجين الصغار. في النهاية، المخدّرات تصلهم مِن الخارج قبل أن يُعاد توزيعها. كيف تصلهم؟ النفايات الخارجة مِن تلك المخيّمات، كلّ المخيّمات، تحصيها استخبارات الجيش والقوى الأمنيّة، بحثاً عن أشياء أخرى... غير المخدّرات.
هل هناك مَن قرّر قتل ما تبقى مِن نزلاء المخيّمات تخديراً؟ جولة سريعة في مخيّم شاتيلا هذه الأيّام تجعلك تخرج بطلب واحد مِن أهله: أنقذونا. تسمع هناك كلام عن رشى يدفعها العاملون في المخدّرات إلى القوى الأمنيّة اللبنانيّة، كذلك إلى الفصائل الفلسطينيّة، وهذه ليست المرّة الأولى التي نسمع فيها كلاماً كهذا. في ذاك المخيّم، ومع شيوع المخدّرات كشيوع الطعام والشراب، يُصبح الحديث عن مختلف أنواع الجرائم عاديّاً. تحصل فظاعات يوميّاً. بالمناسبة، عدد قاطني ذاك المخيّم يبلغ نحو 27 ألفاً، يُقال أن 8 آلاف منهم فلسطينيون، أمّا البقيّة فسوريون ومن جنسيّات أخرى. كلّ مَن لديه إقامة مكسورة تجده هناك. إنّه مكان لـ«الكسر». كأن هناك مَن قرّر ترك أولئك الناس هناك ليموتوا، بعد سنوات مِن الآن، بتلك الطريقة. أساساً، ومن سنوات، هل هناك حياة أصلاً؟ مرور سريع مِن ذاك المخيّم أو غيره تكفي للإجابة.
مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني في شاتيلا، العقيد أحمد عودة، يربط تفاقم الظاهرة بـ«سكوت الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة. هذا أمر خرب عائلات كاملة. هناك مَن يوصل المخدّرات إلى المخيّم، مَن يكون يا ترى»؟ طبعاً، العيش في المخيّم، مجرّد العيش وبعيداً عن المخدّرات، هو شيء يجعلك تعيش فاقداً لكل بهجة في الحياة. هذا يدفع إلى التخدير، وهكذا، حلقة مفرغة. العقيد عودة يطلب اليوم المساعدة من الجميع، مِن أحزاب المنطقة والجيش وقوى الأمن، مِن أيّ أحد... «نُريد حماية أمنيّة. المسألة كبيرة وفيها عصابات ومافيات. بتنا نشعر أن المسألة منظمة».
الخلاصة، مخيّم شاتيلاً يستغيث. هل هناك مَن لا يزال يهمه أمر اللاجئين الفلسطينيين، أو بالأحرى مَن بقي منهم... على قيد الحياة؟