ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
شباب جمال عبد الناصر ...
الأحد 17 01 2016 21:17خليل ابراهيم المبتولي
في جوّ عربيّ صميم ، وبعد سنة من زواج عبد الناصر حسين خليل سلطان الصعيدي من بني مر من الوجه القبلي ، من فهيمة محمد حمّاد ، الإسكندرانية من الوجه البحري ، ولد جمال عبد الناصر في الخامس عشر من شهر كانون الثاني من عام 1918 في إحدى ضواحي الإسكندريّة المسمّاة باكوس ... وكانت تتميّز عائلته بصلابة وجرأة وقوة وشجاعة وعدم الإستكانة للضيم ، ومقاومة المعتدي أياً كان ... وهكذا كانت العروبة والروح العروبيّة بمعنى الإعتزاز بالعرب والتراث العربي الإسلامي والأخلاق العربية أصيلة عريقة في أجواء هذه العائلة ... نشأ جمال عبد الناصر في وسط هذه الأجواء ، ولم يكن بالطفل العادي ، بل كان مشروع ثورة باسم الفقراء العرب الذين لا يأكلون ثمار ما ينتجونه ، وكان هو دائم الحديث عن ذلك ، ومنذ صباه ،كان موضع حبّ الناس وثقتهم ، كلّما التقوه برفقة أبيه وجدّه . وقد حرص والده على تربيته بشكل صارم ، ومنحه الإستقلاليّة وقوّة الإرادة ، وتحمّل المسؤولية ...
إلتحق بمدرسة في قرية نائية تسمى الخطاطبة وذلك بسبب عمل والده وهو في عمر الست سنوات ، إلا أنّ أحداثاً واضطرابات أمنية حدثت في هذه القرية بسبب الإحتلال البريطاني ، مما اضطر بوالد جمال لإرساله إلى القاهرة ليكمل دراسته ، ويعيش عند عمه خليل الذي كان موظفاً في وزارة الأوقاف وهو في سن السابعة من عمره ، وقد كان مميزاً في علمه سريع التعلّم مندفعاً عاشقاً للعلم ، محبّاًّ للقراءة والمطالعة ، وكانت له مواهب فكرية ، وملاحظات ،وومضات من الفهم تثير دهشة المدرّسين، وتجعلهم يعاملونه بتقدير واحترام ...
بدأ وعيه الطلابي يتبلور باتجاه تفهّم مسؤولية الطلبة في التغيير الثوري ، وصار يتحيّن بلوغه السن والمرحلة التي يستطيع فيها المشاركة مع زملائه الطلاب في هذا التغيير ...
كان لموت والدته أثر بالغ في شخصيته ، لقد حزن حزناً عميقاً لوفاتها التي كان يكنّ لها احتراماً بالغاً ، ويبثّها همومه ، ويستعين بمشورتها الحكيمة ، الأمر الذي أحدث شرخاً في عالمه الروحي ، في بداية حياته ، وهو شرخ استطاع القضاء عليه بصبر ودأب وتحمّل المزيد من المسؤوليات ، وهكذا تحوّل منذ مقتبل عمره مصهوراً ببوتقة الألم والمسؤولية والهموم إلى رجل قبل الأوان،رجل له تفكيره الخاص وشخصيّته واستقلاله.
انتقل عمل والده إلى الإسكندرية ، مما اضطر جمال إلى أن ينتقل معه ويعيش مع أخوته وزوجة أبيه التي كانت تعذله عن والده ، وهو أمر غير عادل ، فقد كان يحبّ والده ، مما انعكس ذلك في شهادة له ، قال فيها : " إنّ عبد الناصر كان ربّ أسرة لا تشوبه شائبة " ، وهكذا انتقل جمال إلى مدرسة " رأس التين الثانوية" في الإسكندرية الكائنة على مقربة من قصر الملك .
تميّز جمال عبد الناصر أيضاً ، في هذه المدرسة اجتهاداً ، والتزاماً ، وانضباطاً ، وقد ساعده تأمله وهدوؤه في دراسة ما حوله ، دراسة عميقة في تلك الفترة . لهذا كانت هذه المرحلة من أخصب مراحل حياته تأسيساً فكرياً . فقد كانت البداية الأولى لتكوين الفكر الناصري ، وهذه المرحلة بالذات فتح عينيه على العمل السياسي متعاطفاً ومشاركاً ، الأمر الذي كان له دوره البالغ في صقل أفكاره . لذا يمكن القول إنّ أفكاره الثورية تبلورت في فترة دراسته في الإسكندرية طالباً في المرحلة الثانوية ، حيث شارك في الفعاليّات السياسية ، واطّلع على برامج الأحزاب السياسية ...