صحة >صحة
د. طلال حمود: أيّها اللّبنانيّ ابتسم..
الخميس 17 10 2019 14:32د. طلال حمود:
أيّها اللّبنانيّ ابتسم..
ففي وطنك قريباً هيئة وطنية لمكافحة الفساد...
وفيه منذ زمن طويل مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والنواب وكل أنواع العباد،
وتفتيش مركزي وديوان محاسبة يراقب كل موظفٍ مُنحرفٍ يأتي بأي عملٍ مرتاب،
فيه قضاء وأجهزة أمن تمنع الغش والظلم والجريمة، وقانون يحمي من تبييض الأموال ومحاربة الإرهاب..
فيه وزراء يخافون الله ولا ينامون الليل خوفاً من مُحاسبة النواب ..
ومجلسُ خدمةٍ مدنيةٍ لا يوصل إلى الوظيفة سوى كل موظفٍ طاهرٍ تقيٍ نزيهٍ اوّاب..
وفيه لجان وهيئات ومجالس للتأديب ولكل انواع المراقبة والحساب ...
ونصوص قوانين صارمةٍ وحق وصول للمعلومات يُطالعك بالنزاهة عند قرعك أي باب ...
وفيه أيضاً وأيضاً طرقات واسعة وأرصفة وأضواء تُبعد عنك الحوادث، وتحميك أضرار الضباب..
ونفايات تُفرز عند المصدر بهدوءٍ في المنازل بلا حشرات ولا دود ولا ذباب ..
يأخذها العمال مُوضبةّ، بلا كللٍ وندوّرها لمصادرها إلى ورق أو أكياسٍ أو علفِ دواب...
إداراتك يا وطني مُمكننة بلا بخشيش بلا برطيل بلا مزراب..
ماء كهرباء منتزهات وحدائق غنّاء وهواء طلق فيه روائح جمّة من كل ما طاب ...
والسير يسير بسلاسة..
معاملاتك لا تتكدّس في الجارور...
صعب أن تشمّ في وطني رائحة نَتن او مجرور...
لا يُمكنك القلق على المستقبل ولا على المستور ...
فحكومتنا وضعت خُططاً تحميك وتقيك في كل لحظة و لسنوات ودهور...
للعمل لا تحمل هماً، فوظيفتك مُؤمّنة قبل تخرّجك ببضع شهور ... . للمدرسة وللجامعة دفعوا عنك الأقساط وخفّضوا لك كل الشطور...
لمصانعك لمعاملك تسهيلات تسهيلات
ولراحتك في موطنك
كل الرحمة والبركات
لا تحمل همّاً يا ولدي
وحكومتنا قامت عنك
بكل واجباتها وأمّنتك حتى يومِ الممات ...
أيّها اللّبنانيّ ابتسم......
قُم ، قد كُنا نحلُم، كُنا نهذي،
كانوا كلهم عليك يضحكون ويكذبون ...
الزعيم، وكل رئيس في طائفته والوزير والنائب والشيخ والمطران وكل ميرٍ وكل بيك...
باعوك طوال سنوات وسنوات..
حقدوا عليك ، أخذوا من طموحك..
قُم قد كان كل كلامي هذيان بهذيان.،
قُم وقاوم وانتفض ، قُم ..وثر...
اقتحم عروشهم، دمّر مراكزهم المُحصّنة والفيلات، وما سرقوا وكدّسوا في القصور ...
واشتروا فيه على حسابك
عقارات وأبنية وفنادق ومصارف وكل انواع الألبسة الفاخرة والسيارات الفارهة والعطور..
قُم ، خدعوك قالوا عندنا لجنة وطنيّة عليا لإدارة الكوارث،
لجنة من المفروض أن تشكّل شمعة في ليلِ الفساد الطّويل..
لجنة من المطلوب أن تشكّل للّبنانيّين حصنًا من المجهول في بلد الكوارث:
شوارعنا كوارث، مرافقنا العامة كوارث، مواصلاتنا كوارث، دوائرنا الرّسمية كوارث، نظامنا السّياسيّ كوارث..
فيا أيّتها الهيئة، كم من الأعباء ألقيت على عاتقك قبل أن تبدئي العمل!!
وهاهي حرائق تشرين، تهدي إلى هيئتنا الوطنيّة تجربة عمليّة لتدير كارثة من نوع غير مألوف!
كنّا ننتظر الفيضانات، والأوبئة والزّلازل والنّيازك حتّى!
لكن لم نكن ننتظر الحرائق!
هذه الحرائق الّتي أنشبت ألسنة لهيبها في زمرة من الطّغمة والفاسدين والمنحطّين واللّصوص...
لم تتصدَّ لها لجنة، كانت اللّجنة غارقة في سباتِ من صنعوها،
كانت ملتحفةً بأحلامهم، وآمالهم، وآخر ما جمعوا وما سوفَ يجمعون!
فالنّار كالحرب، كالطوفان، مواسمُ ملء الجيوب، وتكديس الذّهب!
الّذين تصدّوا للنّار كانوا المتضرّرينَ من لسعِها وحريقها، الّذين قدّموا أنفسهم قرابينَ لنجاة الوطن...
أمّا من لا يرونَ فيها إلاّ موسمًا للغنائم، فهؤلاء أطعموها لحمَ الوطنِ ليضرموها..
لونُ النّار المرعب كانَ يطلبُ قربانًا...
ولّما لم يجد على صخرة القربان إلاّ المساكين، سأل الله، أن يخمدَها!
فأمطرتِ السّماءُ!
أيّها النّائمونَ في سُباتِ اللّامبالاة...
إلى كم حريقٍ تحتاجونَ لتنهضوا ثورةً في وجوهِ الطّغاةِ؟
د طلال حمود