مقالات مختارة >مقالات مختارة
حرب نفوذ عالمية بأدوات إقليمية ومحلية - بقلم وفاء ناصر
حرب نفوذ عالمية بأدوات إقليمية ومحلية - بقلم وفاء ناصر ‎الثلاثاء 16 03 2021 12:52
حرب نفوذ عالمية بأدوات إقليمية ومحلية - بقلم وفاء ناصر

وفاء ناصر

التسلح العلني وإظهار قوة الترسانة العسكرية للحليف والعدو على حد سواء، إنهاك الشعوب باستمرار الضغط الاقتصادي، الاعتداءات العسكرية السافرة المتباينة وتيرتها بين دولة واخرى... مؤشرات عديدة على أن المنطقة التي تعاني جملة حروب ستنفجر عاجلا ام آجلا والويل لحكومة لا تتجانس مع شعبها.  

تزامَن الكشف عن المدينة الصاروخية الإيرانية مع عشرية النار وصمود سوريا حتى الآن في حرب تدميرية عديدها مجموعات إرهابية تم تمويلها دوليا لرسم مستقبل جديد للمنطقة يناسب المشروع الاستراتيجي الأممي ويتناسب مع طموحات دولها. غير أن دخول اللاعب الروسي بقوة على الساحة الشرق أوسطية ودعمه لمحور المقاومة والممانعة خلط الأوراق وبلور مسارا جديدا للأحداث يقوم على قوة هذا الحلف من جهة وتضاؤل نفوذ المحور الآخر الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

وبما أن الخاسر يأبى الاعتراف بالخسارة ويحاول استثمار ما تبقى له من اوراق، عمدت الإدارة الأميركية إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية على سوريا من خلال قانون قيصر الذي طال الدول التي تتعاون معها وعقوبات سياسية متمثلة بصفقة القرن. وبدا جليا تأثير قيصر السلبي على الداخل اللبناني كما السوري، والهدف طبعا تأجيج الشارع للضغط على المقاومة الداعمة ميدانيا لسوريا ولوجستيا ومعنويا وماديا للمقاومة الفلسطينية.

غير ان هذه الورقة اسقطتها الوحدة اللبنانية "الشكلية"  فما كان من الدولة المهيمنة والطامحة إلى استغلال ثروات المنطقة وتأمين سلامة الوجود الصهيوني فيها الا ان تكثف من هجماتها الاقتصادية النقدية وتهدد امن المواطنين المعيشي بالدرجة الأولى بهدف استغلال وجعهم للضغط على القرار السياسي والاستمرار في إحكام الخناق على رجالاته المنصاعين طوعا والمتمردين ابدا على حد سواء.

مما لا شك فيه أن ما يحصل في لبنان ليس محض صدفة وإنما خطة منظمة وممنهجة فُصّلت على قياسه آخذة بعين الاعتبار حيثياته. واذا انسحبت التداعيات على الجانب المعيشي والاجتماعي_ الامني، يبقى ان للحرب ضريبة لا بد من دفعها. والمؤسف ان في الداخل اللبناني من ينخر في جسده ويقطع أعضاءه كرمى لعيون لا ترى فيه سوى وسيلة تنتهي صلاحياتها مع انتهاء الجدول الزمني للمهمة المقرر تنفيذها.
والملفت على الساحة اللبنانية، تكثيف السفيرة الأميركية لظهورها الإعلاني ومحاولة إبراز الدور الأميركي داخليا لتغطية الخسائر التي تُمنى بها ادارتها وحلفائها في الدول المجاورة.
هذه الأضواء التي تعوّل عليها دوروثي شيا لبسط سلطتها والتي لا تخلو من الهمز واللمز وامتعاض قسم من اللبنانيين، استحوذت عليها الاجواء الإيجابية الروسية الهوى والتي عززت من واقع حزب الله واعتباره قوة عسكرية استراتيجية إقليمية لا يمكن تجاهلها.
ولكن كيف استثمرت هذه القوة نفوذها داخليا لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة؟

لم تفلح تشبيكاتها السياسية وتحالفاتها الداخلية في الضغط باتجاه استرداد الأموال المنهوبة ولا تفعيل التدقيق الجنائي، وقبولها الظاهري بهذا الواقع دون دراية الشعب بما يحدث في الكواليس أطّرها في خانة المشاركة في جريمة إعدام الشعب كونها التزمت الصمت السياسي.
هذا الصمت كان يخرقه بين الحين والآخر حلول جزئية وأخرى متكاملة تصب في مصلحة كل اللبنانيين وليس فئة واحدة. غير أنها لم تلقَ اي صدى ولا تجاوب كونها ارتبطت بدول محور الممانعة. وهذا ما يضعنا أمام مسلمة ان الحل الداخلي نواته السياسة الخارجية لاسيما تلك المرتكزة على النفوذ والهيمنة.

استطاعت الضغوط المتكررة ان تؤلب قسما من الرأي العام على الحزب لكنها لم تتمكن من سحقه كما خُيِّل لها. وأسلوب الهجمات المعتمد  والمترافق مع تخوف أمني يحاول حزب الله ان يخفف من وطأتها كلما سنحت له الفرصة. والسلع الإيرانية المتنوعة التي تتسلل إلى بعض السوبرماركت  بأسعار ارخص من أسعار السلع الوطنية والمستوردة تحول دون تفاقم مشكلة الغلاء. اما عن لعبة السلع المدعومة والغش في توزيعها واحتكار التجار فالحل يبدأ بتفعيل الضمير الإنساني والأخلاقي من جهة وقيام وزارة الاقتصاد والجمعيات المعنية بدورهما من جهة ثانية. كما ان مقاطع الفيديوهات المثيرة للغضب والتي تنال من كرامة المواطن اللبناني وتقزّم قيمته فلا بد من معالجتها بنيويا وظاهريا. وحصر السلع المدعومة باللبناني فقط يعدّ حاجة وطنية في هذه المرحلة العصيبة ويتنافى مع مبدأ العنصرية. ففي ظل قلة كميات هذه السلع وتهافت اللاجئين عليها منذ ساعات الصباح الأولى يؤدي إلى تفاقم المشكلة خاصة أن هذا اللاجئ  لا يشتريها لسد حاجته بل ليعيد بيعها بأسعار السوق...

والإعلام يتحمل جزءا من المسؤولية لأنه يضخم المشكلة ويؤثر في وجدان المواطنين ويدفعهم إلى التهافت على شراء البضائع خوفا من الجوع....
هذا الجوع لن يحصل الا على الشاشات، ففي ظل الفدرالية المقنعة كل جهة تدعم بيئتها وتؤمن متطلباتها. وما نراه في الإعلام تضخيم ممنهج لإشعال الداخل بعدما فشلوا في دفع مقاومته لحرب ضروس.

ما يجري في المنطقة العربية أهدافه عالمية والاوراق التي تخلط على الطاولة لا تظهر دائما حقيقة المشهد. الهيمنة الأحادية بالرغم من محاولاتها المتعددة لتعزيز صمودها الا انها آيلة في الاختفاء والقطبية المركزية ستتحول أقطابا متعددة. في النظام العالمي الجديد لا مكان للضعيف والقوة تبدأ من الداخل. ولبنان يكتنز قوة عظيمة قد تحجز له موقعا اقليميا اذا ما تم تهدئة الداخل. فهل يرتقي تفكير المسؤولين إلى مصلحة الوطن.

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات