ثقافة وفن ومنوعات >ثقافة وفن ومنوعات
زياد عبد الفتاح في «محمود درويش صاقلُ الماس»
الثلاثاء 30 03 2021 09:45ضحى الخطيب
.. وكان عليّ وأنا أقلّب في صفحات الذاكرة والذكريات ألا أخشى الانقطاع وتسرّب التسلسل الزمني، من بين أصابعي، ذلك العمر الذي جمعني بدرويش كان في الأساس مثيراً.. ومضطرباً.. لكنه كان مجيداً وغنياً يحفر في عمق الذاكرة، فيسكن ويستقرّ فيها[...] ما عسى تلك الذاكرة تختزن لفلسطيني قدره تهجير وهجرة قسريان، انطلاقاً من محاولة اقتلاعه من جذوره.. جذوره المتغلغلة في أرض فلسطين الحبيبة.. السليبة.. على الرغم من تغييب هذه العبارة.. عن الأذهان.
ليس هناك من تفسير.. لماذا حطّ برجال المقاومة الفلسطينية، الرحال.. في تونس.. في اليمن.. في السودان.. في الجزائر.. وكل البلاد البعيدة.. «عليك أن تبتعد بأقصى ما تستطيع.. وعليك ألا تقترب من بلد أو أرض ووطن، ترددت فيه أنفاسك منذ الولادة والنشوء.. كأنهم قرروا ألا يكون لك موطئ قدم.. وأن يتم اقتلاعنا وإلغاؤنا.. لكنهم، أخطأوا التقدير» يقين لم يفارق محمود درويش.. الذي ظلّ حاضراً وأقواله.. ومبادئه.. ومسيرة حياته في ذاكرة الروائي زياد عبد الفتاح والذي ظلّ الصديق الذي لم يترك غيابه الجسدي لديه سوى إحساساً بأن يكون مع روحه الحاضرة فيه دائماً.. يذكّره بفلسطين المحتلة.. مقاوماً للاحتلال والطرد ولمصادرة الهوية بالسفر، وبالثبات الملحمي في الوطن والبلاد. تمتدّ يد الذاكرة مقلّبة صفحاتها.. وترمي بظلالها القاتمة بقوة.. حيث تكالبت عليهم يد الغدر والخيانة.. دامغة بهم إلى اللامكان.. هروب من جحيم بيروت.. وحصار لهم شهد قتلاً وقصفاً وعصفاًً.. في محاولة لاجتثاث المنظمة والثورة من أساسها.. حينها كان محمود درويش ملتزماً الشرعية ومنظمة التحرير والوحدة الوطنية الفلسطينية، ووحدة فتح التي كانت بالنسبة إليه ضمانة كل وحدة.. ثم صفحة أخرى من صفحات الذاكرة تنفتح على لقاءات وحوارات.. ووقائع وشخصيات.. ياسر عرفات ومحمود درويش وفتح.. محمود درويش ودمشق.. ولقاء.. لخمس ساعات مع الأسد (حافظ) وضيافة باذخة.. وقصيدة «مدح الظل العالي» التي هزّت أركان جامعة دمشق وذاع صيتها.. «كم كنت وحدك.. هي هجرة أخرى.. فتقمص الأشياء خطوتك اكراماً.. واسحب ظلالك عن بلاط الحاكم العربي حتى لا يعلّقها وساماً»[...].
لم يكن محمود درويش في يوم من الأيام عضواً في حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» ولا في أي تنظيمات أخرى.. «أنا شاعر مهنتي هي الشعر فلماذا يريدونني أن أشاركهم اقتسام الكتلة.. سأتركها لهم كاملة لم يمسسها سوء»[...] لذا كرّس فكره وشعره وشخصيته العامة التي بناها نطفة نطفة للدفاع عن قضيته الوطنية، وعن الإنسان في متاهته الروحية وغربته، وعن العدل والحق والسلام.
محمود درويش.. وأمسيات شعرية... لقاءاته.. حواراته.. حياته الشخصية.. آماله.. أحلامه.. مرضه.. بقيت حاضرة بتفاصيلها في ذاكرة روائي عانقت روحه روح محمود درويش.. تركه.. غادره..
وتساؤل يتردد في الأذهان.. «لماذا تركت الحصان وحيداً» تلك القصيدة التي حفرت في القلب والوجدان بعمق.. وكأنها تحكي حال.. صاقل الكلمات عبارات.. معانٍ لا يخبو بريقها كأنها الماس.. ثم «سجّل أنا عربي.. ورقم بطاقتي خمسون ألفاً.. سجّل أنا عربي.. أنا اسم بلا لقب.. صبور في بلاد كل ما فيها.. يعيش بثورة الغضب» [...] محمود درويش.. صاقل الكلمات ماساً.. لماذا رحلت وتركت الحصان وحيداً...