بأقلامهم >بأقلامهم
جدلية الاستبداد والإرهاب
أ.د. أسعد عبد الرحمن*
لا خلاف على أن الإرهاب اكتسب شهرته وخصوصياته مع نشأة النظام العالمي الجديد، وخاصة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. غير أن المسألة، زمنيا، هي أبعد من ذلك، إذ تعود إلى ذات الوقت الذي كانت فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حاضنة للجماعات الأصولية خاصة في مرحلة أفغانستان ومحاربة الاتحاد السوفييتي/ “الشيوعي الكافر” أو ما درج على تسميته “الأخطبوط الأحمر”!! وكنا قد رصدنا في مقال سابق حيثيات ظاهرة اليمين المتطرف العالمي والموقف منها.
إذا كان الفهم الخاطئ لنصوص الدين هو أول سبب للتطرف وللإرهاب، وهو للأسف خطأ ما زال متواصلا، فإن خطر الإرهاب، لا يزول بين ليلة وضحاها، بل يزداد شراسة وعنفا مع انتشار فكر التطرف، واتساع دائرته، وتزايد أتباعه، وتحوله إلى جزء من ثقافة المجتمات. ثم إن الأنظمة القمعية، عبر ممارساتها القمعية وأيضا خضوعها في سياستها لسياسات دول خارجية، تستولد عداء لدى طبقات واسعة يمكن أن تستغل في تأجيج النزاعات الداخلية. وفي هذا السياق، يكمن التشابه بين هذه الأنظمة القمعية وبين الإرهاب، فكلاهما يمارس الإقصاء، ما يترتب عليه تداعيات اجتماعية، خلافا للاقتصادية، تضرب مقومات المجتمع ككل.
وبدلا من أن تعمل الأنظمة القمعية على تجديد الخطاب الديني، في ظل ضعف مكانة المؤسسات الدينية التقليدية التي لا تملك إلا هامش حركة محدود، فإنها ضيقت على الشباب المتدين صاحب النهج المعتدل حتى أصيب بداء الإنحراف الفكري، فلم تقو المؤسسات الدينية المخضرنة، والتي فقدت الكثير من صدقيتها، القيام بدورها عبر الدعوة إلى مبادرات ترسخ معنى الوسطية باعتباره نقيضا للتطرف الديني. من هنا يرى البعض أن هذه الأنظمة، ومن خلال تحجيمها لدور العلماء وتقليص دورهم في المجتمع، ساهمت في نفور الشباب وتوجهه إلى أصحاب الفكر المنحرف دينيا في ظل عدم وجود ثقاة من أهل العلم. بل إن هذه الأنظمة أسهمت في انحراف الشباب المتدين المعتدل الباحث دوما عن معنى جديد للحياة. وكل هذا تواكب مع ثنائية الفقر والقهر التي فاقمت الغضب على الأنظمة وجعلت الشباب أول الضحايا عرضة للإنحراف الفكري.
ومع الاعتراف بأن هذا الإنحراف الفكري موجود في بعض كتب الفقه والتراث، إلا أن الواقع التربوي العربي البائس كان له أيضا دوره في تسلسل أفكار التطرف والإقصاء. فالأنظمة القمعية لم تسمح للسياسة التربوية التركيز على المفاهيم الإنسانية العصرية مثل مفهوم المواطنة الصادقة والتسامح بين أبناء المجتمع الواحد مهما تعددت الديانات والأصول العرقية والأيديولوجيات بحيث يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات مع احترام الرأي والرأي الآخر ومفهوم العيش المشترك والتعددية. وبعد أن جرى ضرب المستهدف الأول في السياسة التربوية (أي صغار السن والشباب أمل المستقبل القادر على تحقيق أي مشروع سياسي) وتم إسقاط فكرة ونهج “الحوار الوطني” الذي يؤسس لمناخ ديموقراطي يتقبل الآخر ويعتمد منهج التعليم الناقد، واحترام دور العقل والمنطق… فتفاقم التطرف وتلاحقت أمواجه!!!
*كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي