أمن وقضائيات >أمن وقضائيات
«جريمة» ثانية في كفتون: منتجع سياحي في أرض زراعيّة
الجمعة 23 04 2021 10:30راجانا حمية
منذ عامين، يواجه معظم أهالي بلدة كفتون في الكورة مشروعاً سياحياً أقيم على مساحة 15 ألف متر مربع، في منطقة مصنفة زراعية، في مخالفة واضحة لقانون البناء، وبالقرب من مجرى نهر العصفور في المنطقة. أصحاب المشروع يجنحون نحو خلاصة أخرى، وهي أن قيام المشروع في تلك الضيعة الصغيرة رفع أسعار العقارات فيها. أما المخالفات، فمجرّد تفصيل!
شيئاً فشيئاً، «مرق» منتجع «سويزور» (swizore) في بلدة كفتون. عندما حلّ أصحابه في الضيعة النائية، وسط توجّس الأهالي، لم يبدأوا المشروع السياحي مباشرة، بل «حبّة حبّة». البناء الأول فيه كان ــــ كما يقول الأهالي ــــ عبارة عن مزرعة للأحصنة. لم يخطر لهم أن المزرعة ستتحول إلى منتجع سياحي بدأ عمله منذ نحو عامٍ تقريباً، وبدأت معه شكاوى الأهالي من «عملية خداع» قام بها أصحاب «سويزور»، على ما يقولون. ورغم أن كفتون لا تزال تعيش تداعيات جريمة إرهابية أودت بحياة ثلاثة من أبنائها في آب الماضي، إلا أن قضية العقار 433 الذي بني عليه المشروع تحظى باهتمام معظم أبناء البلدة، لسببين أساسيين: الأول مخالفات المشروع، وثانيهما «السَيَبان» الذي يسببه في البلدة لناحية قدوم «إجر غريبة». وإن كان صاحب المشروع، حبيب حنا، يرى في هذه النقطة بالذات أن المشروع «غلّى أسعار العقارات في البلدة».
كيف بدأت قصة العقار؟ يروي ابن البلدة، متري سركيس، أن الأرض التي بني عليها المنتجع كانت لأحد أبناء كفتون وباعها لـ«شخص غريب عن الضيعة». وقبل نحو ثلاثة أعوام، «لاحظنا أن هناك حركة ما في العقار لتشييد ما يشبه بناءً خشبياً. وعندما استفسرنا، جاء الجواب بأن صاحب الأرض وشريكه يبنيان مزرعة للأحصنة خاصة بهما». هنا، توقّف الأهالي عن الأسئلة. لكن، مع الوقت، بدأت «إجر غريبة» تحلّ في الضيعة، و«صار في ناس عم تجي شوي شوي»، إلا أن ذلك لم يكن مبرراً لاستعادة الأسئلة، وخصوصاً أن «الأرض أرضه».
بعد ذلك، بدأ صاحب الأرض تغيير وجهته، وصارت مزرعة الأحصنة واجهة لمشروع صار اسمه «سويزور» الصيف الماضي. يقول آخر من أبناء البلدة إن صاحب الأرض جاء الصيف الماضي ببيوت جاهزة، أعطى اثنين منها للبلدية لكسب «الودّ»، وأتبع ذلك أيضاً بتزويد الضيعة بـ«مقوّ» كهربائي. بعد ذلك «الطعم»، حاول تشييد أكواخٍ «bungalows» تشبه «الشاليهات»، إلا أن البلدية عملت على هدمها. وفي الفترة نفسها، كان يعمل على توسيع أملاكه في القرية، فاشترى «أرضاً من دير كفتون لإقامة موقف للسيارات وقطعة أرض أخرى من آل شاهين».
فيما كانت كفتون، الصيف الماضي، تلملم آثار المجزرة التي ذهب ضحيتها ثلاثة من أبنائها، بينهم نجل رئيس البلدية، «فوجئنا بثمانية شاليهات بنيت في الأرض»، على ما يقول رئيس البلدية مايك فارس. ويضيف إن «أحداً لم يعرف بهذا المخطط سابقاً. كل ما كنا نعرفه أن صاحب الأرض يريد إقامة مزرعة خاصة للأحصنة ونال ترخيصاً على هذا الأساس».
رئيس البلدية: أصحاب المشروع «مسنودون وإلهن ضهر... وكلّو آكل وكلّو بيقبض»!
في تلك الفترة، رُفعت الى البلدية عريضة «وقّع عليها معظم أهالي الضيعة، باستثناء قلّة قليلة، بعضها مستفيد من أصحاب المشروع، وآخرون يرون في مشاريع كهذه تطويراً للقرية»، على ما يقول أحد أبناء البلدة من آل سركيس. سجّلت العريضة مخالفتين قام بهما أصحاب المشروع، الأولى أن ما شُيّد لم يراع تصنيف المنطقة. فالعقار يقع ضمن «منطقة ارتفاقية مصنفة زراعية، يحدّد قانون البناء عامل الاستثمار فيها بـ 5% فقط من مساحة العقار المملوك»، وهو ما لم يلتزم به أصحاب المجمع. إذ «فاضت» مساحة الأبنية المشيّدة عن النسبة المسموح بها. ويسجّل أهالي البلدة، كما المجلس البلدي، مخالفة أخرى تتعلق بمحاذاة المجمع لوادي نهر العصفور، «ما يحتّم ضرورة التأكد من أن المياه المبتذلة والنفايات الناتجة من تشغيله لا تصل إلى مجرى النهر »، بحسب نص الشكوى. وهو ما يرى الأهالي أنه واقع لا محالة مع «النشاط» الذي يشهده المجمع منذ فترة، حيث «السهرات والموسيقى الصاخبة التي لا يراعي أصحابها أنهم في ضيعة صغيرة، حتى في أيام الإقفالات (lockdown)»، على ما يقول سعد سركيس، مشيراً إلى أنه في إحدى الليالي ذهب إلى صاحب المنتجع وتوجّه إليه قائلاً: «بنرقص معكن عبواب البيوت؟». المشكلة بالنسبة الى سركيس ليست فقط البناء في أرض زراعية، ولا ممارسة نشاط سياحي «من دون أخذ موافقة من وزارة السياحة»، وإنما في «قلّة الهيبة»، لافتاً إلى أن المطلوب «ليس إقفال المنتجع ولا قطع الأرزاق، وإنما الممارسة ضمن سقف القانون».
إلى قائمقامية الكورة، أحال المجلس البلدي الشكوى، ثم «جلنا بها على الوزارات»، يقول مايك فارس، إلا أن أي جواب لم يأت من تلك الجهات. وبات فارس متيقّناً من أن «أصحاب المشروع مسنودون وإلهن ضهر. وكل من له علاقة بإمكانية البحث في تلك المخالفة ماكل من أصحاب المشروع (...) وكلو بيقبض». حتى في الوزارات والإدارات، «عندما كنا نسأل عن الشكوى، كان الجواب مفهوماً: كورونا وما في حضور ما عم فينا نتابع»! رغم ذلك، يسجّل بعض أبناء القرية «نقطة» على «الريّس» الذي «لم يتخذ قراراً بهدم الأجزاء المخالفة، مع أن القانون يعطيه هذا الحق»، ويسجلون «نقطة» أخرى على «لجنة المتابعة» من أهالي القرية لعدم متابعتها للدعوى، إذ «المفروض يلاحقوها، سواء كان الرجل مسنوداً أو لا».
يأخذ بعض الأهالي على «الريّس» أنه لم يتخذ قراراً بهدم المخالفات رغم أن القانون يعطيه هذا الحق
في وجه هؤلاء، لحنّا، صاحب الأرض والمشروع، وجهة نظرٍ أخرى. ولئن كان يقرّ بأن المشروع بني في «زون زراعي»، إلا أنه يتمسك بما حصل عليه من تراخيص وبما منحه إياه قانون تسوية المخالفات، إذ إن «المشروع سياحي بيئي، وقد حصلنا على ترخيص أول من اتحاد البلديات في المنطقة عندما بدأنا به، وتقدّمنا إلى التنظيم المدني وحصلنا على أول موافقة، ثم حين أصدر المجلس النيابي قانوناً لتسوية المخالفات، سوّينا أوضاعنا ودفعنا في وزارة المالية ولا نزال نكمل ملفّنا في التنظيم المدني». يشير حنا الى أن المشروع زاد الأشجار المثمرة في المنطقة الى نحو 1000، وأضاف 100 شجرة زيتون إلى الـ 200 التي كانت موجودة. ويلفت إلى أن «مساحة الأرض تبلغ 15 ألف متر مربع لا تتعدّى مساحة الإنشاءات فيها 600 متر مربع فقط». كما «أننا بعيدون عن مجرى نهر العصفور نحو 800 متر، ومع ذلك نكرّر المياه المبتذلة ونستخدمها لريّ أشجار الزيتون». ما يهمّ، بالنسبة إلى حنا، أن المشروع «خمس نجوم ورفع أسعار العقارات»!