بأقلامهم >بأقلامهم
رمضان شهر العطاء والصبر على البلاء ومواجهة التسلط والاعتداء
الشيخ سليم سوسان*
يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما معدودات فمن شهد منكم الشهر فليصمه".
نعم... وكما قال سبحانه وتعالى إنها أيام معدودات تمر سريعة، وإنها أيام قليلة يعدُّ الجميع ساعاتها ولحظاتها.. أيام وينتهي شهر رمضان، الذي حل ضيفاً عزيزاً كريماً يحمل في مضمونه آيات الخير والبر والعطاء والرحمة والمغفرة والعتق من النار، واللقاء على منصة الخير والتوجيه والإرشاد.. فبارك الله تعالى بكل الإخوة الذين يبذلون جهداً إيمانياً من أجل أن تصل بشائر رمضان إلى الأهل والأحبة في مدينتنا صيدا الوفية ولبنان العزيز.
فالصيام عبادة باطنية خالصة لا مجال للرياء فيها، ولا للمظاهر، لأنه لا يعلم أحد إن كنت صائماً أو غير صائم إلا الله، وهي عبادة السَّنة كدورة تأهيلية إيمانية تلتزم فيها بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصولاً إلى التقوى التي هي تحصين للنفس من الذلل وإحياء للضمير الديني وتنشيطه في النفس البشرية، ولعل من أجمل التعابير ما قاله الإمام علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه عندما سئل عن التقوى، قال: "التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"... إنه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار... شهر الصدقة والإحسان، وشهر الخير والقرآن، وشهر الأخوة والمحبة والتكافل للإنسان، ومن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه...
حل رمضان علينا هذا العام في ظل هذه الضائقة الاقتصادية والمعيشية وهول الفقر والعوز والحاجة، وظروف أمد التعبئة العامة... وحالة الطوارئ الصحية التي لم تراعِ احتياجات الناس في تأمين قوت يومها.. ومع الارتفاع بالأسعار للسلع.. وهبوط قيمة الليرة اللبنانية.. وغياب الضمانات للمُواطن.. وجشع بعض التجار.. وتفلت الأسعار.. واختلافها من دكان إلى دكان.. مع تفشي وباء "كورونا".. مع المُماطلة في تأليف حكومة وطنية ترعى شؤون البلاد والعباد.. وغيرها.
نعيش في ظروف أزمة سياسية واجتماعية وصحية ومعيشية حقيقية.. وربما نكون أمام انفجار اجتماعي مرعب ومخيف قد يكون قريباً.. وهنا أقول: لم يعد المُواطن يستطيع أن يتحمل الانتظار حتى تفسروا الدستور على مقاسكم وبما يخدم مصالحكم..
أيها السياسيون، لقد وصلت الأمور إلى حافة الانهيار والانفجار.. وما زلتم كما أنتم تصرون على الفشل والأنانية والانتهازية والإساءة لمن أوكلوكم شؤون حياتهم من هذا الشعب الصابر الصامد حتى وصل إلى ذل التسول والطلب والحاجة... إذا كان الغني يشكو فماذا يفعل الفقير؟ خافوا الله والناس في هذا الأيام الصعبة؟
أيها الأهل والإخوة... أيتها العائلة الصيداوية الكريمة، أيتها العائلة اللبنانية العزيزة، كنا وما زلنا نحرص على التكافل والتكامل الاجتماعي والإنساني... هذا رمضان يطلب من الغني أن ينظر إلى الفقير فيعطيه من دون منة، والكبير يعطف على الصغير فيساعده من دون رياء وتشهير، رمضان لا يُريد أن يرى أرملة أو يتيماً أو مسكيناً يتسول أو يجوع، رمضان يقول فطر صائماً.. أطعم جائعاً... اكس يتيماً... واحفظ كرامة أرملة في بيتها.
نبي الرحمة الذي اختصه الله في القرآن بأعظم وصف فقال فيه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".. يقول لنا: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
يا صيدا... يا مدينة الخير والنبل والوفاء... يا عائلة الكرم والعطاء أتوجه إليك من خلال المقتدرين والميسورين فيك المُقيمين والمُغتربين إلى كل الجمعيات والمُؤسسات والهيئات الإنسانية والاجتماعية أن يمدوا يد المُساعدة والعطاء لكل محتاج وفقير.
وكم حريٌّ بنا في هذا الأيام الصعبة والقاسية على الكثير من الناس أن نتكافل ونتآخى ونتراحم ونتعاضد ونتساعد، خاصة على صعيد الأسر والروابط العائلية... فالعمل الخيري هو من ركائز المجتمع وهو في الأصل ما يُميليه عليه ديننا وأخلاقنا، لذلك لا يجوز أن يكون بيننا جائع أو محروم وعلينا أن نحمل الخير للناس، فخير الناس أنفعهم للناس وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول - وكان في حال سفر وشدة: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له" فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا انه لا حق لأحد منا في فضل.
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به".
إلى جميع التجار والبائعين وأصحاب المراكز التجارية وأصحاب المولدات والصيدليات، وكل من يعمل في البيع والشراء، وإلى الجميع أتوجه بالقول: "بكل حب واحترام، أن رمضان هو شهر إيماني إنساني بكل مظاهره ومضامينه وليس مناسبة تجارية ، فلنتق الله جميعا في رمضان حتى نحقق الأجر والثواب والخير في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار. كل عام وانتم بخير".
في هذا الشهر لا يمكن أن ننسى المرابطين في أرض الرباط فلسطين وقدسها الشريف، لا يمكن أن ننسى صبرهم على ظلم الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، ولا يمكن أن ننسى فقرهم جراء الحصار الدائم، ولا يمكن أن ننسى تخلي المجتمع الدولي الظالم، ومع ذلك ها هم اليوم يقومون بما يملي عليهم دينهم من التزام بتعاليم الدين والأخلاق، ويواجهون بصدورهم العارية وأمعائهم الخاوية،، شتى أصناف الضيم والعذاب، يدافعون عن عروبة القدس ومقدساتها ويسطرون أروع ملاحم البطولة الحقة في الثبات على الحق لا يخشون في ذلك لومة لائم.
رمضان هناك ليس فقط شهر القرآن والرحمة والخير والعطاء، بل هو أيضا شهر الصبر على البلاء والتصدي لأشد الأعداء.. ثبتهم الله ونصرهم نصر عزيز قريب مؤزر.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
* مفتي صيدا وأقضيتها