لبنانيات >أخبار لبنانية
ضبط سعر الصرف؟ كيف؟ ومن المستفيد؟
السبت 8 05 2021 09:06ذو الفقار قبيسي
في اقتصاد يعمل ٨٠% منه بعملة أجنبية في نظام تنهار هياكله الإدارية والمالية لا تعود المنافسة بين العملة الوطنية والعملة الأجنبية معركة «سيادة وكرامة وطنية»، بل تصبح الأولوية لدى المواطن المنتج الحصول لقاء جهده على أي عملة محلية كانت أم أجنبية ذات قوة شرائية كافية ومستقرة. وعندها أي محاولة لإنقاص هذه القوة ستكون عبارة عن عملية سطو على حقوق القوى المنتجة لصالح قوى زبائنية ومحاصصاتية سياسية غير منتجة تنخر في جسم جهاز الدولة ومدمرة لبنية المجتمع تسعى باستمرار للحفاظ على سعر صرف ملائم لامتيازاتها ومكتسباتها دون انتاج موازٍ وتحت رايات شعارات «وطنية» بينما الأهمية الأساسية لأي عملة أو أي «وسيلة نقدية» مدى قدرتها على تنمية الاقتصاد وإعطاء المواطن المنتج القيمة الحقيقية والثمن الكامل والبدل العادل لإنتاجه بما يحفظ قوته الشرائية ويضمن له المستوى الجيد لمعيشته وحماية إنسانيته وكرامته ومستقبل أسرته وإبقاء قدرته على مواصلة الانتاج الذي هو أكثر وطنية من أي وسيلة نقدية لعملة محلية أدمنت في لبنان السلطة السياسية على إضعاف قوتها واستنزاف قيمتها واستغلال «وطنيتها» فلم يبقَ منها بالسلب والنهب سوى هوية «بدل عن ضائع» واسم على غير مسمى وفي تضخم جامح يصفه «بابوف» بأنه «سرقة»! Babeuf: Inflation is theft.
ومثل هذه الحال من الاستنزاف المتواصل لا بد من وقف جموحها باقتصاد إنتاجي وإصلاحات سياسية هيكلية وإدارية تستبدل قوة عملة أجنبية مستعارة، بقوة حقيقية أصلية لعملة وطنية ذات قدرة شرائية مستقرة وسعر صرف عادل لا تقطف ثمار ارتفاعه قوى غير منتجة هي عالة على المجتمع وذات انتماءات وولاءات سياسية وحزبية تستنزف قوة الشعب وتبدد موارده من شرائح كبرى في قطاع عام ضخم متورم أو أجزاء من قطاع خاص متحالف مع فساد قطاع عام في صفقات زبائنية ومناقصات صورية ومزايدات وهمية، بمثل ما نشهده اليوم من دعم بمليارات الدولارات لصالح محتكرين ومهرّبين من أموال احتياطيات ادخارات وأمانات مودعين، أو من خلال امتيازات ومكتسبات في عقود ومخصصات في رواتب وأجور ومحاصصات فجور في نظام سلب ونهب وتبذير وسوء تدبير بات عاجزا عن فرض سعر صرف مناسب لمباذله السياسية والمالية ويتوهم انه دون إصلاحات سياسية واقتصادية يقدر على مقاومة سعر صرف عملات أجنبية في سوق عرض وطلب طبيعية بإجراءات اصطناعية أو منصات إلكترونية، أو بسياط القمع والجذر والملاحقات الأمنية والقضائية لن تحقق سوى المزيد من التضخم والاهتراء والتآكل والانحدار الى التسيب والفوضى والانهيار.
والدرس من التجارب الاقتصادية...
ان أي محاولة لتحديد سعر صرف عملة وطنية في مواجهة اجتياح عملة أجنبية بطرق إجرائية اصطناعية لصالح منافع طبقة فساد سياسي وإداري ومالي في نظام متخلف عن مسيرة الحياة وركب التطوّر وعكس حركة السوق الطبيعية، يبقى سعر صرف مؤقت وعالي الكلفة ومسببا للمزيد من الهدر، إذا لم يكن ارتفاعه لصالح الانتاج والمنتجين، وانخفاضه لصالح القوة التصديرية في سوق منافسة اقليمية وعالمية.
والمثل الشهير عندما تولّى ونستون تشرشل قبل الحرب العالمية الثانية وزارة المال، ورفع سعر صرف الجنيه الاسترليني بدعم اصطناعي الى مستوى عالٍ «يليق - كما قال - بمكانة بريطانيا العظمى»! فكانت النتيجة ارتفاع كلفة الصادرات البريطانية وخلل الموازين المالية والنقدية والتجارية والاقبال العالمي على السلع والخدمات الأوروبية المنافسة، ما أدّى الى تراجع فوري عن هذا الإجراء «الوطني»! وسقوط نظرية تفضيل «المكانة المعنوية» للعملة الوطنية على دورها في التنمية الاقتصادية والمنافسة التجارية، وتأكيدا للمبدأ القائل: «اقتصاد قوي وعملة ضعيفة خير من عملة قوية واقتصاد ضعيف» أو للمقولة الشهيرة لـ «شو ان لاي»: «ليس المهم حجم الهرة ولونها بل مدى قدرتها على اصطياد العدد الأكبر من الفئران»!