لبنانيات >أخبار لبنانية
«الطريق الجديدة»
«الطريق الجديدة» ‎الاثنين 24 05 2021 09:01
«الطريق الجديدة»

مأمون مكحل*

لم تكن «الطريق الجديدة» بالنسبة لي هي المحلة التي ولدت في أحد أحيائها الداخلية فحسب، ولم تكن شوارعها وأزقتها ملاعب الطفولة لي ولرفاقي من أبنائها فقط، ولم تكن مجرد المنطقة التي تعلمت في مدارسها وصليت في مساجدها أيضا، بل كانت لي أيضا مدرسة تعلمت فيها معاني العطاء والوفاء، وحب لبنان والعروبة، والانتصار لكل مظلوم، شعباً كان أم فرداً، وإغاثة كل محتاج أياً كان دينه ومذهبه..

في «الطريق الجديدة» سمعت لأول مرة بكلمة «فدائي» حين رأيت، وانا الطفل، الآلاف يحتشدون للصلاة على روح الشهيد خليل عز الدين الجمل، أبن فتح، والفدائي الفلسطيني الأول الذي استشهد في أغوار الأردن عام 1968، لأسمع بعده بأسماء فدائيين كثر من أبناء الطريق الجديدة والمخيمات الملاصقة لها، من لبنان وفلسطين، بعضهم استشهد والبعض الآخر ينتظر »وما بدلوا تبديلا».
في الطريق الجديدة التقينا فتيان المحلة حول المحامي والقائد  الكشفي الشهيد محسن طراد لنؤسس «جمعية كشاف العروبة» في أواخر سبعينات القرن الماضي،وهي الجمعية التي وقفت تسهم في الإسعاف والإغاثة طيلة أيام الحصار الصهيوني على بيروت عام 1982، وتقدم الشهداء إبان تأديتهم واجب الخدمة الإنسانية.
„كشافة العروبة” تحولت فيما بعد إلى „جمعية شبيبة الهدى”، التي ملأت مع شقيقاتها جمعيات الدفاع المدني أحياء بيروت لتسعف جريحاً هنا، وتخلي جثة هناك، وتطفئ حريقا هنا وهناك، يوم غابت الدولة، كما هو حال اليوم، لكن غياب الأمس كان بسبب الحرب، أما غياب اليوم بسبب „السلام” الفاسد.

من الطريق الجديدة خرجنا بمسيرة لنخرق أجواء الحذر والتهيب في الذكرى الأو لى لاستشهاد المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد، بعد أن كنا أول المندفعين إلى صلاة العيد عام 1983 وراءه، الصلاة التي هزّت عهد الهيمنة واتفاق السابع عشر من أيار، وكلفتنا تلك المسيرة التي تصدرتها اليافطة الشهيرة „لن ننساك أيها  المفتي الشهيد/الأوفياء” ملاحقات واعتقالات وتفجير سيارات الإسعاف التابعة للجمعية..

ولكن المشهد الأفظع الذي عرفناه، كان مجزرة صبرا وشاتيلا، التي ارتكبها العدو الصهيوني بعد فشله في احتلال الطريق الجديدة وكنا من أوائل الذين دخلوا إليها بعد المجزرة،  التي ارتكبها العدو بعد فشله في الدخول إلى الطريق الجديدة إثر التصدي البطولي له من أبنائها من رفاقنا واخوتنافي الرابطة الأهلية  والمرابطون والاتحاد الاشتراكي وكل القوى الوطنية،  في محلة الفاكهاني. والجامعة العربية وشارع عفيف الطيبي وحي السبيل وصبرا وحي البرجاوي وشارع حمد وأبو شاكر، فانتقم العدو من الأخوة الفلسطينيين واللبنانيين العزل في المخيمين وسط صمت رسمي لبناني وعربي ودولي معيب ومريب.

كل هذه الصور التي عشتها في حياتي منذ اواخر سبعينيات القرن الماضي، تجمعت في عيني وأنا أرى اليوم الحشود من لبنانيين وفلسطينيين تجتمع في باحة مسجد الإمام علي بن أبي طالب (ر) ،بعد صلاة الجمعة، ملبية دعوة „الحملة الأهلية لنصرة فلسطين وقضايا الامة”إلى الانتصار لفلسطين بوجه العدوان الصهيوني وإلى الاحتفاء بالنصر الفلسطيني في غزة، وفي كل فلسطين. 
في تلك اللحظات من ظهر الجمعة في 21 أيار 2021 رأيت الطريق الجديدة كما اعرفها دوما في كامل حيويتها والتزامها بتراثها الوطني والعروبي والإسلامي العريق، بل كمنارة للنضال العربي والإسلامي في بيروت ولبنان والأمة..
في ذلك المشهد العابق بالفرح والاعتزاز، كانت في القلب غصّة على رفاق لنا غابوا خلال هذه المسيرة، منهم الشيخ الحبيب جهاد الأمير صاحب البصمات الخيرة في كل بيروت الوقفات النضالية بوجه الفساد والفاسدين في انتفاضة تشرين، والذي اغتاله الوباء الخبيث في ريعان عطائه ، وآخرهم الأخ الحبيب ابن الطريق الجديدة أحد قادة جهاز المتطوعين في جمعية شبيبة الهدى الشهيد عبد اللطيف الشماس (ابو محمود) الذي كعادته تقدم الصفوف لمواجهة وباء الكورونا، فذهب شهيد الواجب  الإنساني، شهيد الجيش الابيض وصاحب القلب الابيض.
   أبو محمود الذي غاب اليوم، وهو ما اعتاد الغياب ابدا، كان حاضرا في عيون المجتمعين من رفاقه وأبناء محلته وأهل المخيمات المجاورة التي ما تعامل معها يوما إلاّ جزءاً من هذه المحلة المجاهدة...
الطريق الجديدة محلة بيروتية مصيئة اتسعت دوما لهموم الوطن والأمة كلها...كانت قلعة للنضال وستبقى..

*رئيس جمعية شبيبة الهدى

المصدر : اللواء