بأقلامهم >بأقلامهم
فلسطين: المناعة بالرضاعة
فلسطين: المناعة بالرضاعة ‎الاثنين 24 05 2021 10:18 غازي العريضي*
فلسطين: المناعة بالرضاعة

غازي العريضي*

لا تزال الانتقادات والسجالات والاتهامات والاسئلة الكثيرة مسيطرة على الحياة السياسية والوسائل الإعلامية الاسرائيلية بعد أيام قليلة من التوصل الى وقف لإطلاق النار دون أن تحقق عصابات الإرهاب الاسرائيلي أياً من أهدافها التي أعلن عنها قبل الحرب وخلالها. 
-  المسؤول عن الشرطة والنائب اليميني المتطرف ممثل حزب الصهيونية الدينية إيتمار بن غفير الذي لم يتوقف عن الدعوة الى قتل العرب قال: حارس الأسوار يبحث عن انتصار. الاتفاق غير المشروط مخجل. وقف النار بصق في وجه سكان الجنوب". 

-  رئيس حزب الصهيونية الدينية ل نتانياهو: لا جلوس معك في الحكومة إذا كان الاتفاق يتضمن شيئاً حول القدس. 

-  جدعون ساعر رئيس حزب أمل جديد: وقف القتال من جانب واحد ضربة خطيرة للردع الاسرائيلي تجاه حماس. وقف النشاط العسكري دون فرض أي قيود على تعاظم وتسليح حماس ودون عودة الجنود والمدنيين المحتجزين في غزة سيكون فشلاً سياسياً سندفع ثمنه مضاعفاً. مع أفضل قوة استخباراتية وجوية في العالم تمكن نتانياهو من اقتناص وقف إطلاق النار دون شروط. هذا محرج ومخجل. 

-  نفتالي بينيت رئيس حزب يمينا: واقع سديروت كواقع تل أبيب. 

-  شريكته إيلين شاكيد: النصر يساوي عودة الجنود والمدنيين. 

-  ألون دافيدي رئيس بلدية سديروت ( عضو في الليكود ): نتانياهو والحكومة لا يريدان حقاً الإطاحة بحماس. يفضلون بقاء الهدوء المؤقت لسكان تل أبيب ومركز البلاد رغم صبر الأهالي. 

-  ضابط الاحتياط غيتان دونغوت: اسرائيل أنهت الحملة التي فرضت عليها دون حسم أو حتى إنجازات حقيقية. قوة حماس تتعاظم بعد كل جولة وهي جمعت القدس والضفة والقطاع. هذا واقع جديد ومعادلة جديدة فرضتها على اسرائيل ويجب اعتماد خطة عمل جديدة للتعامل معها!! 

-  رئيس الحكومة السابق ايهود أولمرت: منذ سنوات وأنا أقول نتانياهو مستعد لإشعال الأرض تحت أقدامنا في سبيل مصالحه!! 

-  دان حالوتس رئيس أركان جيش الإرهاب السابق: ما أهمية عدد مخربي حماس المدفونين في الأنفاق المهدّمة وما هو المهم في أن تكون نسبة نجاح القبة الحديدية 85 % او 90 % الأمر الأساسي هو: كيف وصلنا الى هنا والمتهم ( نتانياهو ) يجلس على الكرسي منذ 12 عاماً وقد أخفق في إهمال العنف الداخلي في المجتمع العربي وتحطيم جهاز الشرطة والمحكمة العليا والنيابة وجعلها مؤسسات ضعيفة وتجاهل بشكل متعمد التصادم الذي كان متوقعاً بين يوم القدس ( اليهودي ) وبين رمضان وانتخابات السلطة الفلسطينية. إنه مع بن غفير مسؤولان عن إشعال نار العنصرية ضد العرب في المدن المختلطة وإثارة الاستفزازات في القدس. 

-  أفيغدور ليبرمان ( اسرائيل بيتنا ): نتانياهو كان يدير الحرب في غزة وفقاً لمصالحه الشخصية والحزبية. ما دام التكليف بيد ليبيد فهو يعتقد أنها تساعده في ذلك!! أخبرنا أن قواتنا قتلت رموزاً وقادة من حماس. لكن حتى اليوم لا توجد سياسة استراتيجية واضحة للدولة تجاه حماس. اسرائيل اصبحت دولة رهينة لمعركة نتانياهو الشخصية في سبيل إجهاض محاكمته. إنه يهدد كياننا ووجودنا. إذا كان هذا حالنا مع حماس فكيف سيكون مع إيران وحزب الله؟؟

-  المراسل العسكري للقناة 13 أور هيلر: حارس الأسوار لم تؤد الى تقويض سلاح المقاومة. حماس لا تزال تحتفظ بأكثر من عشرة آلاف قذيفة صاروخية. المعركة في الجانبين ستحتدم على الوعي وصورة الانتصار ( لنا كلام لاحق عن معركة الوعي ) ونجاح حماس في جمع الضفة والقطاع والقدس والعرب في اسرائيل بينما غابت مشاهد انتصار أو إنجازات على الساحة الاســـرائيلية. حماس لم تهزم. على اســـرائيل التواضع!! 

هذه عينات من السجالات والتعليقات. وثمة ما هو أبلغ منها تعبيراً موثق في الاتصالات الدولية والإقليمية ومع قادة الإرهاب في اسرائيل. الرئيس الأميركي نفسه جو بايدن الملتزم دائماً وأبداً باسرائيل وأمنها وتفوقها قال في المكالمة السادسة الأخيرة مع نتانياهو كلاماً قاسياً بل فظاً: ألا أوقفوا الحرب. أحرج الرئيس داخل حزبه وأمام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في أميركا خصوصاً والعالم عموماً ولم يعد قادراً على السكوت عن المجازر والدمار!! فكان وقف النار ودعا بعده العالم الــــى المشاركة في إعمار غزة. نعم بايدن يدعو الى المشاركة في إعمار غزة التي هدمها الإرهاب الاسرائيلي. وأكد التزامه بتقديم الدعم الأمني والاقتصادي للضفة وبابقاء الوضع الراهن في القدس على حاله ومعاملة مواطني اسرائيل اليهود والعرب بالمساواة!! أليس في ذلك إدانة واعتراف مباشر بهزيمة اسرائيل وورطتها وبسقوط أهداف نتانياهو من استفزازاته وصولاً الى الحرب الشاملة؟؟ 

هذه هي الحقيقة. ولا شك في أن ثمة نقاشاً فلسطينياً داخلياً ولكن كل المواقف تنطلق من تمسك الفلسطينيين بحق تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم وحماية مقدساتهم ورفض سياســة الاغتصاب والإرهاب والتهجير والاقتـــلاع من الأرض تمسك بهويتهم وانتمائهم. والمهم في هذا السياق أن لا يسمحوا بإثارة انقسامات واللعب على أوتارها من قبل الأميركيين وكل أدواتهم العربية وغيرهم وأن يعززوا وحدتهم الوطنية ويعيدوا تنظيم صفوفهم انطلاقاً من المعادلة التي فرضوها أمام الجميع وأن يستعدوا للجولات المقبلة لأن العقل الاسرائيلي الإرهابي الاستيطاني لن يتراجع عن ممارساته ومحاولات تنفيذ مشروعه. 

ما حققه الشعب الفلسطيني وما نراه من مشاهد عزة وكرامة في تشييع الشهداء والفخر بالنصر والصمود وسيل المواقف والصــور والمناســبات والهتافات والأغاني والتعليقات والاحترام الدولي لصبر وصمود وتضحيات الفلسطينيين لهو مصدر قوة لنا جميعاً يجب البناء عليه. فلسطين صنعت إنجازاً عظيماً وخرجت أقوى وستبقى الأقوى في وجههم. ما رأيناه ونراه يدفعنا الى القول: كورونا غيّــر العالم. أثّر فيه استراتيجياً. فلسطين ستكون التحول الأكبر في القرن الواحد والعشرين في وجه وباء الإرهاب والحقد والكراهية والعنصرية والبشاعة الاسرائيلي وعلى مستوى الإنسانية!! لا مبالغة في ذلك. نحن في بداية مرحلة جديدة سيكون مخاضها عسيراً ولكن مؤشراتها واضحة وما حققه الفلسطينيون فرض معادلة جديدة متأثرة بما يجري في المنطقة ومؤثرة بقوة كبيرة فيه. اللقاح الفلسطيني في وجه الوباء الاسرائيلي يؤخذ بالرضاعة. المناعة بالرضاعة قوية من الولادة وأقوى بالتجربة. 

*وزير ونائب سابق

 

المصدر : جنوبيات