بأقلامهم >بأقلامهم
عيدان وإمتحان
غازي العريضي*
اليوم: عيد المقاومة والتحرير . هذا أغلى الأعياد ، واليوم المجيد الحقيقي في تاريخنا . هذا يوم تكريس سقوط المشروع الاسرائيلي، وطرد الغزاة من أرضنا، وكسر إرادتهم وإذلالهم وإجبارهم على الإنسحاب دون أي ثمن سياسي يدفعه لبنان. مارسوا كل اشكال الإرهاب ، احتلوا الجزء الأكبر من الأرض وصولاً الى بيروت عروس العواصم العربية. دكّوها . دمّروها . حاصروها . أرعبوا أهلها . جوعّوها . عطشوها. توهّموا أنهم أخضعوها ، وكانت الخيبة . ذبحوا الأخوة الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا في أبشع المجازر في التاريخ الحديث وأدينوا داخل كيان الإرهاب . أخرجوا منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السورية وتوهموا أيضاً أنهم أحكموا السيطرة على القرار بعد انتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية ثم شقيقه أمين . وأنهم ذهبوا الى 17 أيار وربطوا لبنان باسرائيل . واجهتهم مقاومات في العاصمة وعلى أبوابها وفي مناطق كثيرة ، وكان الجبل هو الاحتياط الاستراتيجي ، هو الرافعة والقوة الأساس في مواجهة مشروع وضع اليد على لبنان ، وسلخه عن بيئته العربية وربطه بكيان الإرهاب . حرب الجبل حمت لبنان ووحدته وعروبته . وحمت سوريا . وفتحت طريق المقاومة الى كل المناطق الأخرى . وطريق التحرير من الجبل الى انتفاضة بيروت الى طريق الساحل والجنوب وكانت مسيرات الأبطال والشهداء التي بنيت على ما سبقها من مقاومات منذ 1948 في حولا الجنوب وعدد من القرى مروراً بالمقاومة الوطنية اللبنانية وصولاً الى حركة أمل والمقاومة الاسلامية . مسيرة مشرّفة من النضال والتضحية والالتزام بالإنتماء والعزّة والكرامة والبطولة والإيمان ويجب أن يعطى كل إنسان وفريق ومؤسسة حقه في هذه المسيرة الجهادية الكبرى التي كسرت وأسقطت أسطورة الجيش الإرهابي الأقوى في الشرق الأوسط التي لا تقهر وأسقطت معها جبروت أميركا ودعمها المفتوح والمفضوح لدولة الإرهاب والاغتصاب اسرائيل .
اليوم ، مناسبة لاستذكار هذه المسيرة ومحطاتها ، لتعزيز القناعات وتكريس الثوابت وتأكيد بقاء الذاكرة حية ، واستكمال معركة الوعي والوجود مع هذا العدو ، ولاستخلاص الدروس والعبر . في هذا اليوم نوجّه التحية الى :
- الجنوب وأهله الصامدين الصابرين المقاومين منذ 1948 الذين دفعوا ثمناً كبيراً دفاعاً ونيابة عن لبنان كله في مراحل كثيرة . والى القائد الكبير المعلم الشهيد كمال جنبلاط الذي كان الى جانبهم يوم كانت الدولة ضدهم ، والنظام السياسي ضدهم ، فكان على تلال كفرشوبا وفي مزارع شبعا وفي بلدات وقرى ومدن الجنوب ، ومع فقرائه ومزارعيه يدعو الدولة الى تحمّل مسؤولياتها ، وبناء مؤسسات ومقومات صمود الجنوبيين من مستوصفات ومدارس وملاجئ وغيرها ، ويبث روح المقاومة في نفوسهم وهم خزانها التي توسعت دائرتها ليشارك فيها وطنيون من كل لبنان .
- كل القوى على امتداد الـ 73 عاماً وحتى اليوم التي انخرطت في المقاومة . المقاتلين. الشهداء . الجرحى . الأسرى المحررين . الذين تشاركنا معهم في تأسيس لجنة المتابعة لقضية الأسرى والمعتقلين . الكتاّب . الأدباء . الشعراء . الإعلاميين . المصورين . المراسلين .
- الى رجال جيش التحرير الشعبي قوات الشهيد كمال جنبلاط والأهل الذين احتضنوهم ففتحوا طريقاً في حرب الجبل وسهلوا لاحقاً مرور المقاتلين . ودعموا بالسلاح . وبعضهم نفذ عمليات ، وحما مقاومين من الجبل الى حاصبيا وراشيا والشوف والخيام وعدد من قرى الجنوب والإقليم العربي وبيروت.
- الى بيصور أم الشهداء . أم ال 150 شهيداً التي أذلّت جيش الإرهاب في ساحتها العامة وجرّدته من سلاحه ، فدكّها وقصفها وحاصرها ، وسقط عدد من الشهداء وأسر عدد من المقاومين الأبطال على أرض أنصار المباركة ..
" صوت الجبل " وكل من شارك في تأسيسها وأعمالها واستمراريتها حتى إقفالها وواكبها والى من استشهد على أرضها . صوت المقاومة والجنوب وفلسطين والعروبة يوم لم يكن ثمة صوت غيرها يواجه مشروع اسرائيل . صوت محمد سعد وخليل جرادي والإستشهاديين ، والصامدين تحت نير الاحتلال في الجنوب وكانوا يرسلون إلينا أخبارهم وممارسات اسرائيل وعملائها .
- الى كل الأصوات في لبنان التي انتصرت للمقاومة ضد الاحتلال فانتصرت بسلاحها وبهم والكل شريك في انتصار العزة والكرامة .
عيد المقاومة والتحرير هذا العام عيدان . عيد في لبنان وعيد في فلسطين . الفلسطينيون فطروا على الانتصار وهم " مفطورون " على البطولة . هزموا اسرائيل وأدهشوا العالم وأكدوا منطق المقاومة المحقة العادلة الشريفة القوية والتي وجهتها العدو الحقيقي الأبشع في تاريخ ممارسة الإرهاب والعنصرية .
لكن حقيقة مؤلمة موجعة تضغط علينا . لقد انتصرنا على الاحتلال والإرهاب وحققنا أهم إنجاز ولا تزال أمامنا معركة تثبيت حدودنا وحقوقنا في مياهنا وثرواتنا ، لكننا لم ننتصر على أمراضنا الذاتية . لم ننتصر في معركة التحرير من الطائفية والمذهبية والفئوية والحقد والنكد والخفة والولدنة والتفاهة وانعدام حس المسؤولية وبناء دولة العدالة والقانون والمؤسسات والمساءلة والمحاسبة ، حتى وصلنا الى هذا الانهيار . هذه أكبر إساءة الى الانتصار والشهداء والمناضلين الشرفاء والى الذين ضحوا من أجل ضمان مستقبل أفضل لأجيالنا . لقد كتبت سابقاً تعليقاً على هذا الأمر : كأننا جديرون في كل مواقفنا في خوض معارك الدفاع عن الحرية ونيلها من الأعداء لكننا لسنا جديرين في ممارستها لنحمي الدولة ومؤسساتها وهي الملاذ الوحيد والمرجعية الوحيدة لنا جميعاً !!
ما نشهده اليوم من ممارسات ذوي الشأن الممسكين بالقرار الفعلي في ما تبقى من دولة، والمعنيين بتشكيل حكومة تكون المدخل لإنقاذ البلاد من أزمتها مناقض تماماً لتضحيات اللبنانيين ، ومسيئ للأمانة والأخلاق والمسؤولية في إدارة الشأن العام . هنا معركة التحرير الأكبر والجهاد الأكبر والامتحان الأكبر !!
وزير ونائب سابق*