بأقلامهم >بأقلامهم
الهوس الاسرائيلي والدعم الأميركي
غازي العريضي
قرّر مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة تشكيل لجنة تحقيق دولية حول التجاوزات التي رافقت "النزاع الأخير بين اسرائيل والفلسطينيين فضلاً عن الانتهاكات المنهجية لحقوق الانسان ".
وطلب القرار أن " تدرس اللجنة جميع الأسباب العميقة للتوتر المتكرر بما في ذلك التمييز والقمع المنهجي على أساس الهوية القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية ".
وجاء في متنه: " إن إفلاتاً منهجياً من العقاب قوّض جميع الجهود من أجل التوصّل الى حل عادل وسلمي ".
ألمانيا والنمسا وبريطانيا عارضت القرار، أميركا التي قاطعت المجلس لسنوات متهمة إياه بأنه مسخّر لانتقاد وإدانة اسرائيل، متبنية بذلك موقف دولة الإغتصاب والإرهاب، عادت إدارتها الحالية الى المجلس لتدافع عن هذه الدولة من الداخل . فرفضت مندوبتها القرار لأنه وحسب زعمها " يهدد بعرقلة التقدم الذي تحقق في إطار العمل لتهيئة ظروف سلام دائم " !!
رئيس حكومة الإرهاب بنيامين نتانياهو اعتبر القرار "مثالاً صارخاً" على الهوس المناهض لاسرائيل" !! ووزير خارجيته قال: "القرار فشل أخلاقي يهدف الى التغطية على جرائم حماس. اسرائيل ترفض القرار ولن نتعاون"!!
ليس في ذلك جديد، فاسرائيل ليست دولة شرف وأخلاق وعدالة وديموقراطية وقانون واحترام حقوق إنسان، بل دولة إرهاب منظّم فالتة مارقة متجاوزة كل الأعراف والقوانين والقرارات الدولية، وتعتبر نفسها فوق كل هذه الاعتبارات، وتحظى بحماية "الدول الديموقراطية" التي اعترضت على القرار وعلى رأسها أميركا وقد تجلّى ذلك في الحرب الأخيرة الهمجية التي شنّها جيش الإرهاب الاسرائيلي وعصاباته ضد الفلسطينيين.
في وقت قالت فيه المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان ميشيل باشليه: ".... إن الضربات الاسرائيلية التي أوقعت العديد من القتلى في قطاع غزة قد تشكل جرائم حرب إذا ثبت أنها غير متناسبة، ونحن لم نر أي دليل على أن المباني المدنية التي قصفتها اسرائيل في غزة كانت تستخدم لأغراض عسكرية".
وفي هذا التوقيت بالذات صدرت صحيفتا " نيويورك تايمز" الأميركية " وهآرتس " الاسرائيلية وتغطي صدر الصفحة الأولى فيهما لوحة الـ 67 شهيداً من الأطفال الذين قضوا بالقصف الاسرائيلي والعنوان: "هذا ثمن الحرب" . وكانت مفاجأة صادمة لاسرائيل وداخل أميركا . عصابة نتانياهو اعتبرت هآرتس " صحيفة حماس " . وفي أميركا كان أثر كبير للوحة أضيف الى التأثير المهم الذي تركته وسائل التواصل الاجتماعي في نقلها وقائع الحرب الاسرائيلية واستهداف المدنيين ومنازلهم ومكاتب وسائل الإعلام وحجم الخراب والدمار وتقصّد قتل الأبرياء .
أميركا لا تتغيّر في تبنّي دولة الإغتصاب والإرهاب وتقديم كل العون لها. ربما تُحرج إدارتها أحياناً بسبب حماقة بعض المسؤولين الاسرائيليين وحساباتهم الشخصية وعوامل كثيرة داخلية وخارجية تؤثر فيها . لكن الثوابت ثوابت. اسرائيل فوق المحاسبة. اسرائيل لا تُدان . لا يصدر قرار في مجلس الأمن ينتقدها أو يحمّلها مسؤولية ، ومسألة حقوق الانسان التي تدعو الإدارات الأميركية الى احترامها وحمايتها وتذهب الى محاسبة وتطويق وحصار دول لا تبصم على كل سياساتها متهمة إياها بممارسات تغطي انتهاك هذه الحقوق ، هي مسألة ثانوية جداً بل غير مطروحة أمامها عندما تصل الأمور الى اسرائيل . ولذلك لم ولن تتمكن هذه "الأميركا" من لعب دور الوسيط النزيه المساهم في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وهذا ما أوصل الأمور الى ما هي عليه اليوم وأعاد فرض هذه القضية قضية أولى في العالم لأن عدم حلّها قد يؤدي الى حرب شاملة ويهدد الأمن والاستقرار والعالم !!
ليس ثمة خيار أمام الفلسطينيين إلا المواجهة . المقاومة . التصدي للإرهاب الاسرائيلي بل للهوس في ممارسته ضدهم ، وللهوس الأميركي الغربي في تقديم الدعم له . ونتائج الحرب الأخيرة ، والانتفاضة الفلسطينية الشاملة ، رغم محاولات الالتفاف عليها تؤكد بداية مرحلة جديدة لا يمكن التعامل معها بالأساليب ذاتها والهوس ذاته لأن ذلك سيرتّد على أصحابه ويضعهم أمام مخاطر كبيرة !!
وزير ونائب سابق*