بأقلامهم >بأقلامهم
دولة الإرهاب من القرم الى فلسطين
غازي العريضي*
عام 1917 أرسل آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا رسالة الى البارون روتشيلد أحد زعماء اليهود في "المملكة العظمى" أبلغه فيها أن حكومته تؤيد إقامة وطن لليهود في فلسطين!! ومنذ ذلك الحين ونحن نتحدث عن وعد بلفور الذي أصبح أمراً واقعاً على الأرض بفعل قيام دولة الإغتصاب والإرهاب اسرائيل عام 1948. بلفور وعد، فمن نفّذ وكيف فرض الأمر الواقع؟؟
الكاتب المصري سامي عمارة الذي يعمل مراسلاً صحفياً منذ أكثر من 50 عاماً في موسكو أصدر مؤخراً كتاباً نشرته "دار نهضة مصر" يحمل عنوان "موسكو وتل أبيب وثائق واسرار"!! تضمن وثائق وزارة الخارجية الروسية وشهادات شخصيات سوفياتية مهمة، عن دور الاتحاد السوفياتي في قيام دولة اسرائيل ودعمها!!
أبرز ما في هذا الكتاب الحديث عن دور الزعيم السوفياتي جوزف ستالين في بناء "أول دولة اشتراكية في الشرق الأوسط ودعمها بالمال والبشر والسلاح "!!
لماذا ذهب ستالين الى فلسطين؟؟ تقول الوثائق " إن الوطن الذي كان متفقاً عليه هو جمهورية حكم ذاتي في القرم، في إطار تسوية مالية اضطر ستالين فيها الى رهن الجزيرة لسداد ديون لليهود بقيمة 20 مليون $ مستحقه عن نظامه”. لكنه غيّر رأيه لاحقاً عندما " انتفض تتار القرم متحدّين السلطة السوفييتية وهاجموا القطارات التي كانت تصل محملة باليهود الى عاصمة الإقليم سيمفروبول وأرغموها على العودة دون نزول أي من ركابها الى أراضي القرم”. كما قال ميخائيل بولتورانين الذي كان رئيساً للجنة الكشف عن وثائق " كي جي بي " أي جهاز المخابرات السوفياتي الشهير والذي يشرح قائلاً: " أدرك ستالين خطورة الموقف وقرر التراجع تنفيذ فكرة إنشاء الوطن القومي لليهود في القرم، مؤكداً أن الاستمرار في ذلك يمكن أن ينسف الاستقرار الذي تحقق على صعيد تعايش مختلف القوميات في الاتحاد السوفياتي ولاسيما بعد الانتفاضات المتواصلة من جانب سكان القرم، ومع استمرار الضغوط المالية الأميركية – اليهودية واستغلالاً لحاجة روسيا لقروض لإعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية تحولت وجهة السوفييت الى فلسطين”. " إن ستالين كان يدرك أن ضغط الأميركيين لم يكن يستهدف مصالح اليهود السوفييت ممن كانوا يحاولون توطينهم في القرم، بقدر ما كان يريد خدمة مصالح أميركية جيوسياسية الأمر الذي تطلب منه أكبر قدر من الدهاء والمناورة. فما كاد الأميركيون يبدأون في مطالبته بسداد ثمن الصكوك المالية حتى صارحهم باستعداده لتنفيـــذ التزاماته تجاه إنشاء وطن قومي لليهود لكن في فلسطين وليس في شبه جزيرة القرم!! وموافقته على ترحيل أكبر عدد من اليهود الى هناك، وتسليحهم بكل ما يملكه من أسلحة ألمانية جرى تقديمها الى يهود فلسطين خصماً من ديون الاتحاد السوفياتي المستحقة للوكالة اليهودية الأميركية "!! وقـــد بدأ الدعم العسكري هذا قبل إعلان دولة " اسرائيل " بثلاثة أشهر!!
في الخلاصات:
1- اختار ستالين فلسطين بديلاً عن القرم ليس لأنها " أرض الميعاد " " والأجداد " والتاريخ وما شابه من روايات تمّ اختراعها او بثها والبناء عليها لتبرير إقامة دولة الاغتصاب والارهاب، بل للهروب من الاتفاق الذي كان قائماً سابقاً، وعلى أساسه تكون دولة اليهود في شبه جزيرة القرم، وذلك لمواجهة المخطط الذي يخدم مصالح أميركا الجيوسياسية هناك. يعني، في لعبة الأمم، حرّر نفسه ودولته من الديون المترتبة عليه، وأبعد كأس الوجود الأميركي على حدودها!! وبالتالي لا قيمة ولا اعتبار لأهل فلسطين الأصليين وأصحاب الأرض والحقوق. صفقة رخيصة زرعت دولة الإرهاب المنظم وسلحتها وعززتها بالعناصر البشرية والعسكرية والتقنية وأطلقت يدها. أبعد ستالين الشر عن بلاده وزرعه مع الأميركيين على أرض بلادنا. فهل ثمة وضوح أكثر من ذلك لنتعلّم من لعبة الأمم ونعرف كيف نحمي مصيرنا من هذه الآلاعيب المستمرة الدائمة؟؟
2 – في الوثائق التي كشفت هذا الأمر، رسالة بالغة الدلالات: أهمية شبه جزيرة القرم والصراع القائم حولها منذ ذلك الوقت والمستمر حتى اليوم. وبالتالي أهمية ما يجري في أوكرانيا بين أميركا وروسيا رغم سقوط الاتحاد السوفياتي، حيث لجأ الرئيس الروسي الى ضم الجزيرة الى روسيا التزاماً " بانتماء أبنائها "!!
3 – الذين قالوا بالأمس بعدم إمكانية " شطب الماضي " في إطار اعتذارهم عن الإبادات الجماعية التي ارتكبتها قوات بلادهم في رواندا وناميبيا وكندا، وثمة الجزائر وغيرها وغيرها أيضاً. هل يقفون عند كلامهم اليوم؟؟ في الماضي شطبوا خيار القرم ووضعوا خيار فلسطين وأصبح أمراً واقعاً. دولة محتلة هي اسرائيل " الوطن القومي اليهودي " في نظرهم، وفي قرار الدولة اليهودية في الكنيست الاسرائيلي وفّروا كل الدعم لها دون أن يكون لفلسطين وشعبها وأرضها اي علاقة أو مسؤولية عمّا جرى في المحرقة التي استهدفت اليهود، أو في الصفقة بين الاتحاد السوفياتي وأميركا والوكالة اليهودية الدولية. فهل ثمة ظلم أكثر وأكبر من ذلك؟؟ متى سيأتي اليوم الذي سيقرّون فيه بحق الشعب الفلسطيني على أرضه، والحاضر يوضح لهم بوضوح ما تعرض ويتعرض له يومياً من إرهاب وقتل ومحاولات اقتلاع من الجذور وتهجير؟؟
المهم ان نعرف تاريخنا وأن نطّلع على كل الخفايا والأسرار والوثائق، والأهم أن نعرف كيف نبني عليها لندافع عنه وعن حاضرنا ومستقبلنا وفيه الكثير مما يعزز وجهة نظرنا وقناعاتنا لأننا اصحاب حق اعتدى ويعتدي عليه الآخرون ويريدون مصادرته. وفلسطين بالتحديد حق لن يموت.
*وزير ونائب سابق