بأقلامهم >بأقلامهم
سقوط نتنياهو
غازي العريضي*
بات مؤكداً أن بنيامين ننانياهو سيكون خارج الحكم، وأن إرهابيين آخرين سيتحمّلون المسؤولية مكانه. ثمة أسباب كثيرة داخلية وخارجية أثّرت في تركيب التحالف الجديد للإطاحة به. لكن أهمها هو الإدارة الأميركية الجديدة. نتانياهو " عذّب " إدارة أوباما. مارس كل الغطرسة والعجرفة والاستعلاء في وجهها. رفض وأسقط كل محاولاتها للوصول الى تفاهم مع الفلسطينيين. وأنهك وزير الخارجية جون كيري. ثم تلاعب مع ترامب والصهر العبقري " الملهم " كوشنير، وذهب الى أبعد الحدود في سياساته وقراراته الإرهابية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني وتوهّم أنه مع تلك العصابة وباختراقه عدداً من الساحات العربية بات قاب قوسين من تحقيق حلم اسرائيل الكبرى والهيمنة الكاملة على القدس عاصمة أبدية موحدة لها واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وممارسة كل أشكال التمييز العنصري ضدهم. واختراق العرب جاء تحت ذريعة مواجهة " العدو المشترك " ايران. طار ترامب. وطار كوشنير محمّلين بطعم عشرات مليارات الدولارات من الهدايا والدعم من أموال العرب " المنخرطين " بقوة في المواجهة. استمر نتانياهو حتى سقط مع حراسه وأسواره أمام " سيف القدس " الفلسطيني في الحرب الأخيرة. في هذا الوقت إدارة جديدة في أميركا. قرار استراتيجي واضح بالعودة الى الاتفاق النووي مع ايران. ذهول لدى عرب " المواجهة "!! ضياع. إرباك. وكل المؤشرات تقول ان الإتفاق ناجز. انتهى. وسترفع عقوبات كثيرة عن إيران، التي ستستفيد بالتأكيد من هذا الإنجاز الكبير. مبرر الإدارة الأميركية: إيران على أبواب امتلاك السلاح النووي.
عامل الوقت لصالحها ومن الأفضل الوصول الى اتفاق معها. نتانياهو، في حالة من الجنون، والتوتر، والمبالغة في سوء التقدير، وفشل لأربع مرات في الحصول على أكثرية لتشكيل حكومة جديدة. ارتكب خطيئتين أساسيتين: الأولى عندما جاهر بالقول أنه إذا خُيِرنا بين عدم استفزاز أميركا والمحافظة على علاقتنا الجيدة معها، وبين مواجهة التهديد الذي يتعرض له وجودنا سنختار الخيار الثاني. يعني سنستمر في عملياتنا ضد الإيرانيين، وسنذهب الى حرب مفتوحة. وهذا لا يمكن أن يحصل بدون أميركا فكيف إذا كان كلامه واضحاً بتجاوزها؟؟ ومحاولة إسقاط استراتيجيتها؟؟ والخطيئة الثانية في الإجراءات الأحادية الجانب في حي الشيخ جراّح، والقدس بعد قرار إدارة بايدن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وتقديم الدعم الأمني والإنساني للفلسطينيين وفتح مكتب السلطة في واشنطن، واعتبار وضع القدس غير محسوم كما يفعل نتانياهو. ثم التسبّب بالحرب التي حذره من الدخول فيها أركان الإدارة ولم يرتدع، والمجازر التي ارتكبها والصدمة الكبرى التي ظهرت أمام الجميع: وحدة الموقف الفلسطيني من الشيخ جراّح. الى القدس. وغزة. والضفة. والأمر الأهم: فقدان السيطرة الاسرائيلية على مدن وبلدات وقرى داخل أراضي ال 48 والصدى الكبير الذي تركه الإضراب الشامل الذي شلّ اسرائيل داخل هذه الأراضي!! إضافة الى التحول السياسي والإعلامي لاسيما في أوساط اليهود الأميركيين. والجيل الجديد منهم، وفي شوارع وساحات أميركا نفسها والمعبّر عن رفض قتل الأطفال والنساء والدعوة الى إسقاط سياسة التمييز العنصري ضد الفلسطينيين. الإدارة التي أعطت نتانياهو وجيشه الإرهابي فرصاً متتالية لتحقيق إنجاز ما يحفظ ماء الوجه وينقذ اسرائيل ويخرجها من المتاهة لم تعد قادرة على التحمّل وبات الخطر على اسرائيل أكبر مما توقعه الجميع. فكانت الهدنة. الهزيمة. استمر نتانياهو في تهوّره وعناده، وراح يهدّد بتوسيع دائرة الحرب ضد ايران في لحظة حساسة في المفاوضات الأميركية معها. استدعي الى واشنطن وزير الحرب بني غانتس شريكه في الحكومة، خصمه في السياسة، ومنافسه على رئاسة الحكومة، والرافض لإطلاق مواقف نقدية قاسية مؤذية تتعلق بالعلاقة مع أميركا كما فعل غريمه. كان تفاهم في أميركا على الالتزام بأمن اسرائيل وتفوقها ومساعدتها ودعمها. وفي الوقت ذاته على الشراكة. والشراكة تعني عدم التفرد بالقرار. لا لأي خطوة تؤثر على مسار مفاوضات فيينا ولا لإجهاض الهدنة في الداخل. كل ذلك كان من العوامل الكافية للمساهمة في تغيير نتانياهو وغانتس صاحب مصلحة في ذلك. عاد من أميركا، كانت بوادر تركيب التحالف الجديد واضحة. فانضم إليه، وتلاقى مع كل الذين يريدون التخلص من عبء ولاية نتانياهو وتركتها الثقيلة.
هل يعني ذلك بداية مرحلة أكثر عقلانية في اسرائيل وتفهماً لحق الشعب الفلسطيني؟؟ لا. إنها بداية مرحلة جديدة من المواجهة مع إرهابيين متطرفين أكثر. الصراع بينهم قائم على من يمارس عنصرية وحقداً ضد الفلسطينيين أكثر. ومن يستولي على أوسع جزء من أراضيهم. لكن في ما جرى عبرة: توقيت سقوط نتانياهو. سبب سقوطه المباشر " سيف القدس " " وحدة الشعب الفلسطيني " " أهالي ال 48 " " القنبلة الديموغرافية " في الداخل. وبالتأكيد لا عودة الى الوراء. مهما فعل نتايناهو وسيحاول فعله بينيت وغيره وللبحث صلة!!