بأقلامهم >بأقلامهم
مفاتيح البلد ومجد القرار
غازي العريضي*
مهما امتلك المرء من قدرات وإمكانات ومواهب في تقديم البهلونيات فلن ينجح في إقناع العاقلين بأنه يمكن أن يكون مع " الثورة " ويستقيل تأييداً لمطالبها وشعاراتها، واحتراماً لشبابها وشاباتها، وتأكيداً للالتزام ب " المجتمع المدني "، " والتغيير " وتقدير المصاعب التي تواجه الجيل الجديد وحقه في حياة حرة وكريمة. ويكون في الوقت ذاته مذهبياً، طائفياً، عصياً على الإصلاح، يخرج عن الشرعية الوطنية ومؤسساتها ليحتمي ب " الشرعية المذهبية " أو الطائفية. يحرك الشارع غرائزياً، ويعلن النفير، لأن موظفاً عيّن في مكان ليس " له " أو " لطائفته " أو يذهب الى نبش القبور تحت عنوان حقوق الطائفة فيأخذ الكيان ودوره الى القبر!!
لا يمكن لأحد أن يكون وطنياً، غير طائفي، مؤمناً بالمساواة بين الناس وهو لا يتصرف على هذا الأساس. الوطنية تربية، ثقافة، قناعة، إيمان، وشجاعة في الممارسة. وجود الطوائف غنى ونعمة. ووجود الطائفيين مستغلي الطوائف ضعف ونقمة. العبور من الطوائف الى الدولة طبيعي، لكن العبور بالدولة الى الطائفيين والمذهبيين وحماة الفاسدين ليس فقط غير طبيعي بل أمر خطير مدمّر هذه نتائجه الكارثية أمامنا اليوم. والعبور الى الدولة ليس شعاراً. هو أيضاً سلوك وممارسة. هو عبور تحت سقف القانون. وعبور بالدولة الى المناطق، الى الناس وحقوقهم ومصالحهم. عبور بالمؤسسات الى الأرياف. وعبور بالقانون والعدالة الى المساواة. وهذا " نقيض " التقاتل على مشروع هنا وآخر هناك، وعلى مطلب رخيص هنا وآخر هناك، وعلى مؤسسة هنا وأخرى هناك، وعلى وزير من هنا وآخر من هناك، عندما يكون المسؤول صادقاً قوياً واثقاً من نفسه وقناعاته لا يأبه شيئاً. ولا يمكن أن يقف في وجهه اي شيء، كما لا يمكن ان تنال منه وشايات وافتراءات وتركيبات مؤامرات ونميمات من الأوكار المنتشرة في كل مكان والتي يعيش فيها قليلو الضمير والشئمة والأخلاق وغير المسؤولين والمؤتمنين والذين لهم حظوة في البلاطات. العبور الى الدولة عبور بالكفاءة والجدارة والمهنية والحرفية في كل شيئ ويتطلب إقامة في الصدق وليس عبوراً منه أو مروراً فوقه!! وإقامة في بيت القانون. وخبرة منطلقة من كل عبرة نستمدها من تجربتنا الذاتية وتجارب الآخرين. فمن أين نأتي بذلك اليوم مع مقطوعي الصلة بالخبرة بل مع الذين تقاطعهم الخبرة؟؟ لأنهم مدّعون لا يتعلمون بل لا يريدون أن يتعلموا!!
لبنان في خطر كبير. لبنان الكيان والدولة والنظام ينهار. لبنان الدور يحتضر. شعبه يــذلّ. يقهر على أيدي معظم مسؤوليه وخصوصاً المعنيين بتشكيل الحكومة. كأنهم أصنام. لا يحسّون. لا يؤثر فيهم شيئ مما يجري في البلد. قتلوا السياسة ويعتبرون أنفسهم أبرع وأبرز السياسيين وهم رموز " نظام التفاهة ".
فماذا تعني بيانات وعظات وخطب الأيام الماضية من " دار الفتــوى " الى المطران عودة، والبطريرك الراعي، على قيمة مضامينها وتحذيراتها المتكررة، وتحميلها المسؤولين عن إدارة شؤون البلاد على مختلف انتماءاتهم مسؤولية ما يجري، ماذا تعني غير أنه لم يعد ثمة سياسة وقيادة سياسية تفرض حضورها بقوة عقلها ومنطقها وخبرة وحرفة ومعرفة الدفاع عن قضيتها أو رسالتها إلا القليل القليل غير ذي التأثير الفاعل بين كبار القوم؟؟ وجميل أن ينبّه البطريرك رغم كل ذلك المعنيين أن لا يسكر أحد منهم ويتوهّم أنه إذا قعد في موقع معين هنا أو هناك، استلم مفاتيح البلد ومجد القرار أعطي له.
في التجربة اللبنانية، كل المفاتيح كانت في أيدي حكام مطلقي الصـــلاحية. وكانت حصرية. أقفلوا الأبواب على أنفسهم وطوائفهم ووطنهم ورسالتهم وكيانهم. وأسقطوا أنفسهم والبلد. فهل ثمة من يعتبر؟؟
إن العــاقل أو القوي إذا استقوى ضلّ المسير وهوى وإذا استهوى كان الأسير واكتوى.
أما الجاهل الغوغائي الغاوي بلا بعد نظر فإذا استقوى واستغوى خطر وإذا استهوى بطر.
أمامنا نماذج من النوعين لامعــة فاقعــة في مسار منع تشكيل الحكومة، وهذا نتاج شراكتهما!!
*وزير ونائب سابق