بأقلامهم >بأقلامهم
خريجو دولة القناصل
غازي العريضي*
مشكورة فرنسا على كل ما قامت به تجاه لبنان من مبادرات وما قدمته من مساعدات، وإن كانت لها مصالح حيوية فيه تاريخية وسياسية وثقافية، وتريد بالتأكيد أن تحافظ عليها، وهي أم لبنان الكبير وراعيته لفترة طويلة!! وفي أي أمر من الأمور وأي مرحلة من المراحل، لا ينبغي منطقياً أن نذهب الى تحميل المسؤولية للآخرين - اياً كانوا - قبل أن نحاسب أنفسنا ونقف عند سلوكنا ومسؤولياتنا.
بعد تفجير المرفأ طرحت فرنسا مبادرتين سياسية واقتصادية متلازمتين لإنقاذ لبنان. تقومان على " تشكيل حكومة إصلاحات تذهب الى التفاهم مع صندوق النقد الدولي"، ورسمت خارطة طريق لذلك، وعقّد المعنيون بالأمر المهمة. تخلّوا عن مسؤولياتهم. تمسّكوا بأوهامهم وأحقادهم وأنانياتهم وحساباتهم الضيقة. ناوروا، تشاطروا، كذبوا على الفرنسيين، أغرقوهم في زواريبهم، وكان في الوقت ذاته سوء تقدير لدى المعنيين بإدارة الأمر في فرنسا لذهنية ومستوى مسؤولية هؤلاء. اضطر الرئيس الفرنسي الى التراجع خطوات علّ اللبنانيين يتقدموا خطوة فذهب الى المطالبة ب " حكومة ولو غير مكتملة المواصفات ". المهم حكومة تلتزم خارطة الطريق. المسؤولون إياهم في لبنان غير " مكتملي المواصفات " السياسية، في عالم آخر. أدخلوا الفرنسيين مجدداً في متاهات. وكذبوا أكثر من الأول. وعندما افتضح أمرهم بعد تكريمهم، والاعتراف بدورهم، هدّدوهم بعقوبات وإجراءات ولم يحصل شيئ حتى الآن. وأصبحنا أمام طرح جديد : " حكومة مهمة " على الأقل المعالجة الاقتصادية أمام خطر " الانهيار " او " الزوال " او " الانزلاق الى الأسوأ " الذي كان الفرنسيون ولا يزالون يحذّرون منه. كل هذا لم ينفع. مخلوقات سياسية غريبة عجيبة عندنا المعنية بتشكيل الحكومة مباشرة. خلقت الذرائع والحجج وصدمهم اكتشاف حقيقتهم عند الفرنسيين وغيرهم. تعقّدت الأمور أكثر. فكان طرح " حكومة الانتخابات " وتحييد المعنيين بالحرد والتمرّد والنكد عنها، سقطت الفكرة وعمّ الضياع ولا نزال في الحلقة المفرغة.
اللبنانيون المعنيون في الداخل بتشكيل الحكومة أنهكوا الفرنسيين بعدما أنهكوا لبنان ودمّروه. لبنان الكيان والدور اللذان تحرص عليهما فرنسا. وبعض اللبنانيين المتابعين جاهدوا ويجاهدون للدخول على خطوط التحريض والتحريف وكتابة التقارير وبثّ النميمة، يصولون ويجولون ويتحدثون باسم هذا أو ذاك في فرنسا، وينتقلون من مكان الى آخر في الداخل للنطق بما سيطل علينا من إجراءات وعقوبات من الاتحاد الأوروبي أو من فرنسا وبما يحكى على هذا وذاك هناك، ويعبّرون عن فرحهم بقرار " تدويل التمويل " لتأمين سير العمل والضرورات في المؤسسات تحسباً لاحتمال الانهيار!! يتصرف هؤلاء كأنهم ينطقون باسم الآخرين ومطّلعون على خفايا الأمور ويتباهون بما قدّموه هم من معلومات وإخباريات!!
وبعض اللبنانيين المقيمين في فرنسا لا يهدأون، تحريضاً، وتنظيماً لحملات ضد لبنانيي الداخل، ومن بين هؤلاء من كان في الداخل، وتحمّل مسؤوليات ووقّع قرارات وهم يبحثون عن انتقامات ووراثات في المصرف المركزي، والمواقع الوزارية والمالية والإدارية وغيرها ويستعدون للعب دور في الانتخابات النيابية المقبلة، وينطلقون من اعتقادهم انهم مؤثرون كونهم فرنسيين أيضاً ولهم دورهم في اللعبة الداخلية في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية وفي الإدارات والمؤسسات!!
كل هؤلاء للأسف، لكن في واقع الحال، خريجو مدرسة " دولة القناصل ". العلاقة مع القناصل " جاه " " حضور " " امتياز " أياً تكن الكلفة، أياً يكن الثمن المعنوي أو غيره. هذا مصدر قــوة أو استقواء على الآخــر ويحدثــونك عن التدخل الخارجي الذين يرفضونه!!
عيب هذا الذي يجري في الداخل والخارج من تخلٍ عن المسؤوليات والابتعاد عن الأمانات والإهانات واللامبالاة وقلة التفكير وفراغ الضمير!! لم يعد ثمة سياسة. وحرمة سياسية. وحرمة للسياسة وكرامة مهنيتها. وثمة محاولات لاستباحة عقول الناس بضخ " المعلومات "" والاتهامات " " والشعبويات "" والعشوائيات في التحليلات " والخبريات" فيقع اللبنانيون في فخ " التضليلات "!!
عندما نمارس الشأن العام، ونقدّم أنفسنا محلّلين، أي مفكرين أو سياسيين " محترفين " ينبغي أن نحترم العقل والناس الذين نتوجّه إليهم....