عام >عام
اكتشافات أثرية في مقبرة رومانية تظهر عادات الدفن
الخميس 28 07 2016 11:02مي عبود أبي عقل
كلما اعتقدنا ان بيروت نضبت من الاكتشافات الأثرية بعد كل الحفريات التي جرت فيها على مدى عقود من الزمن، كلما ظهرت معالم وقطع جديدة تبين غنى هذه المدينة بشواهد الحضارات منذ بدء التاريخ، وآخرها اكتشاف بقايا مقبرة رومانية وتمثالين رائعين استثنائيين الأول لأبو الهول والثاني لأسد وحمل.
بعد صمت طويل حتمته دراسة المكتشفات الأثرية، أعلنت وزارة الثقافة- المديرية العامة للآثار عن "اكتشاف بقايا مقبرة كبيرة في الباشورة في العقار رقم 740، تعود الى الفترة الرومانية، وتظهر تقاليد وعادات الدفن التي كانت متبعة في تلك العصور، إثر تنقيبات بدأت منذ شهر آذار الفائت، أجراها فريق من الأثريين والطلاب في الجامعة اللبنانية، تحت الإشراف العلمي للخبير الأثري الدكتور جورج أبو ديوان، وفي رعاية مديرية الآثار في وزارة الثقافة.
وتضم هذه المقبرة قبوراً محفورة في ركائز صخرية او محفورة في الرمل، وتحوي في داخلها توابيت من خشب او من طين، بعضها مستطيل او دائري مشيد من حجارة بناء، ومصمم على الأرجح للعائلات الثرية من الطبقات الاجتماعية الرفيعة.
ويؤكد أبو ديوان، أن"تاريخ هذه المقبرة يعود الى القرن الأول بعد الميلاد، وهي تكشف النقاب عن ممارسات وتقاليد متنوعة للدفن، تشمل الطرق الاكثر شيوعاً في حفر القبور لعامة الشعب، إضافة الى الأضرحة وهي القبور المشيدة خصيصاً لأشخاص ذوي مكانة اجتماعية رفيعة".
ويشير الى أنه "بالإضافة إلى القطع الأثرية العديدة التي اكتشفت في الموقع، تم اكتشاف تمثالين استثنائيين: احدهما عبارة عن تمثال "ابو الهول" (مخلوق أسطوري)، والآخر تمثال أسد مع حمل.
ويعود اصل استخدام تمثال الأسد في اطار الدفن الى الحضارات الشرقية القديمة، الّا انه شاع استخدام تماثيل الأسد الجنائزية في الحضارة الرومانية، خصوصاً منذ عهد الامبراطور اغسطس، كرمز عسكري قد يشير إلى أن القبر الذي يضم تمثال أسد يعود الى محارب روماني. وفي الأسطورة اليونانية يجسد "أبو الهول" على شاكلة مخلوق مكون من جسم لبوة وأجنحة نسر ورأس امرأة ويعتبر بمثابة حارس للقبور. وعادةً ما توضع تماثيل "أبو الهول" هذه على شاهد القبر.
ويلفت أبو ديوان إلى "العثور كذلك في الموقع على بقايا حيوانية تعود لكلاب وأحصنة. الكلاب مدفونة في جرار من الفخار، في حين أن الأحصنة مدفونة داخل الحفر. وتعتبر أبرز المدافن تلك التي تحوي بقايا الأحصنة والموضوعة مع بقايا هيكل عظمي بشري. وهناك تفسيرات مختلفة لوجود هذه المدافن الحيوانية على وجه الخصوص، حيث يعتبر بعض العلماء وجودها كعلامة تدل على الوضع الاجتماعي، ويزعم البعض الآخر أن هذه الحيوانات كانت عن أضاح تقدم لترافق الأموات إلى الحياة الثانية. وفي الحالتين، يعتبر وجود الكلاب والاحصنة في الموقع انعكاساً للدور الأساسي الذي كانت تؤديه هذه الحيوانات في الطقوس الجنائزية خلال الحقبة الرومانية".
وختم، أن "الأساليب الدقيقة المعتمدة في أعمال التنقيب مكَّنت علماء الآثار من فهم أفضل لاستخدام التسلسل الزمني والتطور الذي شهدته المقبرة، والتعرف إلى هوية من دفنوا فيها والى الممارسات المعتمدة في الدفن خلال الفترة الرومانية".
تجدر الإشارة إلى أن أعمال التنقيب في هذا الموقع تمت وفقاً للأساليب الحديثة التي تعتمدها المديرية العامة للآثار منذ عام 2005. وقد تأكّد هذا النهج بالمراسيم الجديدة المتعلقة بالحفريات الأثرية في المدن، التي أقرّها مجلس الوزراء في سنة 2016، بناء لاقتراح وزير الثقافة.