بأقلامهم >بأقلامهم
لبنان... إلى اللقاء
لبنان... إلى اللقاء ‎السبت 19 06 2021 08:16 محاسن حدارة
لبنان... إلى اللقاء

محاسن حدارة

 

ممنوع العبور إلى الدولة، مُحرَّم الإيمان بوطن الرسالة، وُضِع الشعب بزنزانة «العبودية»، اغتالوا العقل المُدبِّر للحياة، قتلوا الفِكر وسيطر الكُفر، وهجّروا الشيب والشباب من أجل «القضية».

الطبقة السياسية الحاكمة قتلت اللبنانيين أجمعين بمذبحة علنية تاريخية نووية هزَّت عرش الإنسانية، وأصبح سكان لبنان يعيشون في بلاد ما بين «المقبرتين»، واحدة تضم «الشهداء الأحياء» وأخرى للأموات. شوَّهوا وجه بيروت بماء النار التي بَكتها عواصم العالم، ووضعوا لنا شريطة حمراء بعنوان «لاحياة ولا موت».

كيف نعيش مع طبقةٍ حاكمةٍ تتغذى على لغة الحرّب والدمّ؟ فقدنا لبنان الدولة بعقولٍ مُلطخة بالكراهية تدسّ السُّم لكلّ من فَكر ويُفكر ببناء دولة. متى تفهم الطبقة الحاكمة أن لبنان ليس صك مُلكية باسمها؟! أليس بسببهم اجتمع فساد العالم في بقعة جغرافية لا تتعدى ١٠٤٥٢ كلم٢؟!

الطبقة الحاكمة قررت بإثم «الشرعية» أن تحكم بنظام «الفوضى» عن سابق إصرار وتصور، وحوَّلت البلاد إلى جمهورية الخوف المستدام، حيث نعيش منذ العام 1975 تحت حكم الفوضى، لا دستور أرضي ولا سماوي أهابَها، حتى أصبح أسلوب حياتنا أن نُصبح ونُمسي على لحن الموت البطيء.

لا توجد فوضى وعمالة أكثر من فقدان البوصلة الوطنية والانتماء والارتهان للخارج، لا توجد فوضى أكثر من الخيانة والولاء لأجندات تخريبية تُغرق البلاد والعباد في أتون الجحيم المُنظّم. وبناءً عليه، الطبقة الحاكمة في لبنان ليست سياسية بل طبقة «قوى اللادولة» التي أسست باحتراف لـ «جمهورية الفوضى».

معظم الطغاة دمروا العالم من أجل مصلحة دولتهم العليا، إلا في لبنان دمروا دولتهم من أجل الغير، وأصبح اللبناني منفيًا من أرضه لأسباب «سياسية» قاهرة، وأصبح اللبناني رقمًا صعبًا ومُهمًا فقط عندما يحين وقت استحقاق «صندوقة الاقتراع».

هل يُعقَل أن لبنان أصبح جسرًا لعبور المخدرات وتبييض الأموال بدل الحضارات والثقافات؟ هل يُعقَل أن العالم يَتَحضَّر للحرب من أجل الماء، ومياهنا الصافية لقمة سائغة للمجاري؟ هل يُعقَل أن أعمدة لبنان السبعة من الاقتصاد إلى المطار والمرفأ والاستشفاء والتعليم والمصارف والسياحة، تمَّ هدمها بكلّ راحة ضمير؟ هل سألت المنظومة السياسية كم بلغ عدد سكان لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت؟ هل يعلم المسؤولون الكرام أن أبواب السفارات والمراكز الرسمية المعنية بالهجرة تحوّلت إلى ما يشبه «يوم الحشر»؟

لا أصدق أن هذا هو لبناننا، وكأن روح لبنان انتقلت الى غير جغرافيا، هاجرت كما فعل الأنبياء حين ضاقت بهم الأوطان.

كيف لا يتحول لبنان إلى «وطن المنفى»، سكانه مقسمون بين من يتجرع منفى«الطائفية والمذهبية والعنصرية» كمبدأ رئيسي للعيش فيه، وبين من ينتظر بـ «منفى الأمل» على قارعة الطريق، وبين من رحل إلى «منفى الخارج» حيث استحالة العيش مع هذا وذاك.

بناء الدولة الحلم في لبنان أصبح مستحيلًا في الوقت الراهن، طالما الإصلاح والتغيير قائم على نظام «التسوية» التي تنتهي صلاحيتها بمرور 10 أو 15 عامًا بحسب التغيرات الجيوسياسية وأجندات ومصالح الدول الكبرى. وبطبيعة الحال، لم نعد نملك الخيار والقدرة على التعايش مع الفساد والمفسدين في الأرض، والوقت يمرّ، وعلينا بناء مستقبلنا.

نعم الوقت يمر، والعُمر يمر وأنا أنتظر، فغلبني القدر وأبلغني قرار المغادرة. نعم سأغادر ولن أرحل، سأغادر عن دولة اغتصبت وطنًا يحمل شهادة رسمية بالسيادة والحرية والكرامة والعدالة، سأغادر عن دولة «العبودية» غير الشرعية وأحمل وطني المضطهد في قلبي وعقلي وكلمتي. سأغادر لأنني أريد النضال من أجل رسالة الحياة، لا من أجل الموت، سأغادر لأنني لا أستطيع رؤية بلدي جثة هامدة ينهشها من ظنوا أنفسهم كبارًا.

سأغادر دولتي ولن أرحل عن وطني، لأن لبنان ليس «قضية» لنحارب من أجلها، إنما رسالة لنؤمن بها، وحيث تكون الرسالة تكثر «الشياطين». سرقوا ونهبوا ودمروا الدولة صحيح، ولكن الوطن مستحيل. لبنان كان أمل الشعوب، واليوم أصبح بلا لقب، بلا وظيفة، عاطل عن العمل.

سأغادر ولن أرحل، وإرث لبنان الكبير أمانة مُصانة لدى البطريركية المارونية وراعيها سيد بكركي، البطريرك بشارة الراعي.

إلى اللقاء...

المصدر : اللواء