بأقلامهم >بأقلامهم
بوريل والأمراض اللبنانية
غازي العريضي*
زيارة السيد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، نائب رئيس المفوضية الأوروبية الى لبنان جاءت في زمانها الدقيق. وكل كلمة قالها حلّت في مكانها العميق " حفراً وتنزيلاً ".
- " الأزمة التي يعيشها لبنان صنعها اللبنانيون. هي محلية آنية. ليست من الخارج". هذا كلام مسؤول من موقع العارف. الرجل يتمتع بعلاقات دولية واسعة. يلعب دوراً كبيراً. مطّلع على مجريات الأمور بالتفصيل من الخارج. وفي الداخل ليس ثمة سر تخفيه أحقاد اللبنانيين " ولقلقتهم " " ونميمتهم " على بعضهم، وخفّة تصرفاتهم واندفاعاتهم في كتاباتهم وتقاريرهم وإخباراتهم لهذا أو ذاك في الخارج. ونتحدث هنا عن " عادة " لبنانية، لكن الكلام مركّز أكثر على المعنيين الذين يتقاذفون المسؤوليات ويتحدثون عن حسابات واستحقاقات خارجية منتظرة إضافة الى عوامل داخلية تؤثر على تشكيل الحكومة وتؤشر على الأسباب والعوامل الكامنة وراء هذا أو ذاك من الفريقين. المشكلة داخلية. قلناها مئات المرات ونكرّرها اليوم ونشكر السيد بوريل على كلمته، ومن موقعه. القصور داخلي. التأخير داخلي. الفشل داخلي. الهــروب الى الأمام داخلي. الحسابات شخصية. فئوية. مذهبية. طائفية صغيرة. والمعنيون بها ضعفاء نفوس. حاقدون. متهوّرون. لا مثيل لهم عند غيرنا. وهذا ما يعرفه بوريل وغيره.
- " شكلوا حكومة ". تجديد دعوة وتأكيد التزام بالمساعدة.
- " لبنان يعيش أزمة مالية اقتصادية صعبة. لكننا مستعدون للمساعدة ". " وحده اتفاق طارئ مع صندوق النقد ينقذ لبنان ". الرجل يتحدث عن معرفة بعمق الأزمة، وعن تجارب كثيرة مماثلة. ويعرف أهمية لبنان بالنسبة الى أوروبا التي " قدّمت له مليون أورو يومياً " العام الماضي. ويعرف أن وسائل الإنقاذ متاحة. لكن عندما يقول للبنانيين " الأزمة من صنع أيديكم " فهو يحمّل المسؤولين المعروفين تبعات الغرق والفشل، ويضعهم أمام مسؤولياتهم، إذا كانوا يريدون فعلاً الانقاذ. الدليل : نحن جاهزون للمساعدة. اتفاق مع صندوق النقد ينقذ لبنان. لم يقل لنا جديداً. هذه خارطة الطريق من الأساس التي حظيت بإجماع دولي. وأخذت زخماً كبيراً بعد المبادرة الفرنسية إثر تفجير المرفأ. والمؤتمرات التي عقدها الرئيس الفرنسي ماكرون ومحاولاته الشخصية ومن خلال فريقي عمل الرئاسة والخارجية اللذين دخلوا في أدق التفاصيل المحلية البشعة في السياسة اللبنانية وحسابات " الأولاد " " والأحقاد " وكتبــة التقارير، ولم يصلوا الى نتيجة. بوريل أكد ما كنا ولا نزال نقوله : المسؤولية لبنانية. شيئ من التواضع. من العقل. من الحكمة. من الضمير. من الأخلاق. من الحسّ بالمسؤولية الوطنية لدى محركي الصراع التافه على الصلاحيات والمواقع وقد داساها في محطة " العشــق والغرام " بينهما وجـــاء كل واحد منهما ليقول أنه لا ينساها وخصوصاً في مرحلة "الانتقام " !! عيب ما جرى. ومعيب أكثر أن نرى " تماسيح " استثنائية أيضاً أمامنا. لا يهزّها كلام دوريل أو بوريل أو لودريان أو ماكرون أو أي مسؤول في العالم سمعناه يحذّر من سوء التقدير والتدبير والأمانة، وصغر " المعنيين " " وقصورهم " !!
- " من الظلم القول إن أزمة اللاجئين هي السبب في أزمة لبنان ". الى حدود بعيدة جداً هذا الأمر صحيح. ليست لدينا مشكلة أمنية الحمدلله. وليس علينا عبء مالي لأن دول العالم تعهدت بالكلفة في معزل عن حساباتها. ولو كنا على مستوى المسؤولية لنظّمنا أمورنا كما فعل غيرنا في أكثر من دولة.
- " العقوبات لا تصنع السياسة ". " نحن نصنعها ". " لا نريد الوصول اليها " " لا نزال نبحثها. لكن طريقها طويل ". كلام دقيق أخلاقي مسؤول معبّر. عسى ألا يفهم المعنيون بتعطيل تشكيل الحكومة أنهم " زمطوا ". علماً أنني لست من مؤيدي سياسات العقوبات التي لا تقدّم ولا تؤخّر ولا تصنع سياسة رغم العقاب الجماعي الذي تمارسه علينا دول كبرى وإقليمية تحت عناوين سياسية وهي ذاهبة الى رفع العقوبات عمن تحمّلهم المســـؤوليات !! لكنني أتوجه الى " المهرولين " " المخبــرين " " الجواسيس " ";8 المتوهمين " أن الدول تعمل عندهم، ومسخّرة لهم، وأن تقاريرهم " وإخبارياتهم " وأمنياتهم وهذه الأهم وتعميماتهم تصيب الحقيقة. فيما السيد بوريل يقول كلامه المذكور، كان لبنانيون يحددون وقت صدور قرار العقوبات والأســماء المشمولة بها، هــذا هــو " المرض اللبناني " الذي لا شفاء منه.
في النهاية المطلوب حكومة. وليقلع المعنيون بتشكيلها عن ممارسة ترف الإدعاء والاستعلاء والولدنة والخفة. هذا يعتقد أن العالم يدور حوله. فيكتشف أن ليس ثمة إلا عنصري هنا ومتطرف هناك وهو في دائرة الفراغ. وذاك يعتقد ان العالم يعمل عنده بدوله ورؤسائه ومؤسساته. وهذا وهم وفراغ في دوائر التفكير والتقرير !! وهذان مرضان قاتلان. شفى الله لبنان منهما وأعطاهما جرعة وعي واتزان لتمرير الحكومة المطلوبة.
*وزير ونائب سابق