لبنانيات >أخبار لبنانية
6 ملاحظات على قرار القاضي بيطار
6 ملاحظات على قرار القاضي بيطار ‎الأحد 4 07 2021 11:18
6 ملاحظات على قرار القاضي بيطار

ملاك عقيل

طُبِعت رزمة الادّعاءات، التي وجّهها المحقّق العدلي في جريمة مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، بعنصر المفاجأة، أوّلاً بسبب بعض الأسماء التي شملتها، وثانياً بسبب تلك التي لم تشملها.

لكنّ مصادر مطّلعة تجزم أنّ القاضي بيطار سيُصدر دفعة ثانية من الادّعاءات، بالنظر إلى حجم الملفّ، قبل صدور القرار الاتّهامي المتوقّع في تشرين الأول المقبل. أمّا عدم حصول هذا الأمر وعدم استدعاء من يجب الاستماع إلى إفادتهم "فسيَرفع من دوز التسييس في هذا الملف".

جميع المعنيّين بالملاحقات قد تبلّغوا بالادّعاءات عبر الإعلام، فيما مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، الذي تمرّ عبره الإحالات، لم يحضر يوميْ الجمعة والسبت إلى مكتبه في العدلية.

 

لكن في البداية، هناك عدّة ثغرات في مضمون الادّعاءات:

1- ما السبب الذي قاد القاضي بيطار إلى الادّعاء على وزراء وقيادات أمنيّة كالوزراء السابقين نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من دون أن يكون قد استدعى أحداً منهم للاستماع إلى أقواله. وكيف يمكن أن يستمع إلى وزير داخلية حالي، بصفة شاهد، ثم يدّعي على وزير داخلية سابق؟!

2- لم تحمل رزمة الادّعاءات تسلسلاً منطقياً في السياق والزمن وتوالي المسؤوليات إلا إذا كان بيطار يُهيِّئ لدفعة جديدة من الادّعاءات. فالمسار الاتّهامي، استناداً إلى مرحلة دخول باخرة النيترات إلى مرفأ بيروت، الذي بدأ من أعلى رأس الهرم، أي من رئيس الحكومة حسان دياب، يُفترض أن تسبقه مساءلة لرئيس الحكومة الأسبق تمام سلام (دخلت النيترات إلى مرفأ بيروت حين كان رئيساً للحكومة) والرئيس سعد الحريري. والاثنان لم يُستمَع إلى إفادتيْهما. ووضْع قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير الاستخبارات السابق كميل ضاهر في دائرة الشبهات يفترض أن ينتهي إلى العماد جوزيف عون ومدير الاستخبارات السابق طوني منصور. والاثنان أيضاً لم يُستمَع إلى إفادتيْهما. وثمّة سؤال كبير عن النتائج المترتّبة عن عِلم رئيس الجمهورية

بوجود النيترات (سبق أن اعترف بذلك)، وعن الإجراءات التي اتّخذها للحدّ من خطورتها، وعن سبب عدم شمول الادّعاءات وزراء العدل السابقين أو حتى الاستماع إليهم كشهود.

3- المراسلة الأمنيّة، التي أرسلت من اللواء عباس إبراهيم إلى الرئاسات الثلاث والوزراء المعنيين عام 2014، والتي تفيد بوجود النيترات على متن السفينة، تضمّنت تأكيداً أنّ السفينة والبضاعة محجوز عليها بأمرٍ قضائي. ومن مبدأ فصل السلطات تنتفي هنا الصلاحيّة الأمنيّة والسياسية. ويلفت مطّلعون إلى أنّ "القضاء حَجَز البضاعة على السفينة، ثمّ سمح بإنزالها إلى العنبر رقم 12 من دون مرسوم كان يجب أن يصدر في هذه الحالة عن مجلس الوزراء باقتراح من قائد الجيش ووزير الدفاع".

4- سبق لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق أن قال ما لديه في حديث إعلامي من دون أن يسأله أحد عن تلقّيه تقريراً في نيسان 2014 عن وجود موادّ خطرة مُحتجزة على متن سفينة بسبب دعوى مالية. ويؤكّد المشنوق في هذا السياق أنّها "المُراسلة الوحيدة التي وصلتني، وتفيد بوجود أمرٍ قضائي صادر عن دائرة تنفيذ بيروت بإلقاء الحجز الاحتياطي على باخرة لا تزال في البحر، ومنعها من المغادرة حتى إشعار آخر، بفعل ديون مُستحقّة عليها. ولذلك لم يكن في الإمكان فعل شيء. ومنذ تسلّمي وزارة الداخلية آنذاك حتى لحظة خروجي منها، لم أعلم أنّ النيترات قد نُقلت إلى العنبر رقم 12، وبقيت طوال كلّ تلك السنوات".

5- أين مسؤولية الأمن العام المعنيّ حصراً، وفق القانون، بحركة دخول وخروج الأشخاص على المعابر والحدود والمرافئ، فيما أمن المرفأ هو من صلاحيّة استخبارات الجيش؟

6- لماذا يهمل المحقّق العدلي المعطى الأهمّ وهو سرقة نحو 1500 طن من مجموع 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم؟

حبل التساؤلات متشعّب وطويل، لكنّ أوّله وآخره يكمن في مكان آخر. فالادّعاءات، التي تبقى مجرد شبهات قد تسقط من القرار الاتّهامي أو تُثبَّت، هي تحت اختبار منح الأذونات ورفع الحصانات والإقرار بصلاحية القضاء العدلي باتّهام رئيس حكومة ووزراء.

فهل يستجيب مجلس النواب لطلب رفع الحصانات، خصوصاً أنّ ثمّة تسليماً بكون ملاحقة الوزراء والرؤساء هي من صلاحية "المجلس الأعلى" وفقاً للمادتين 71 و72 من الدستور؟

وهل يُعطي وزراء الدفاع والداخلية ورئيس حكومة تصريف الأعمال الأذونات بملاحقة قادة أمنيين وعسكريين؟ مع العلم أنّ أوساطاً مطّلعة تجزم أنّ "نقابة المحامين ستعطي الإذن بملاحقة النواب المحامين".

أخطاء إضافية من بيطار

الادّعاءات، التي شملت نواباً حاليين ووزراء سابقين وقيادات أمنيّة حالية وسابقة، ستتكفّل الاستجوابات التي ستحصل أمام المحقّق العدلي، في حال تجاوز حاجز الأذونات والحصانات، بتوضيح مدى صوابيّتها، خصوصاً مع تحديد الخيط الفاصل بين المسؤوليّات الأمنيّة والإدارية والسياسية، ومع الاستماع إلى الذين تشملهم الملاحقة وتبيان حقيقة دورهم ومدى "تماسهم" مع ما حصل في الرابع من آب.

عمليّاً، لا يمكن منذ الآن التهليل لكلّ ما يفعله القاضي طارق بيطار الذي تقصّد، بعكس المحقّق العدلي السابق القاضي فادي صوّان، أن يكون على تماسٍ أكبر مع أهالي ضحايا المرفأ، وأجرى لقاءات إعلامية في مكتبه "من دون تصوير"، وأدار التحقيق على نحو مغاير لِما اتّبعه صوّان.

المهلّلون لخطوة القاضي بيطار غير المسبوقة في تاريخ القضاء "ينتظرون منه أكثر". وهنا بيت القصيد. فدائرة الادّعاءات التي رسمها بيطار تبدو حتى الآن استنسابية وتشوبها ثغرات جدّيّة.

وفي هذا السياق، تشير مصادر قانونية متابِعة للملف إلى "وقوع القاضي بيطار في خطأ اعتبار القضاء العدلي هو الجهة الصالحة لمحاكمة رئيس الحكومة والوزراء. فالجرم الذي يتّهمهم به يندرج ضمن إطار الإخلال بالواجبات الوظيفية المنصوص عليه في الدستور، والذي على أساسه يُحاكَم هؤلاء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بناءً على اتّهام صادر عن المجلس النيابي".

وتضيف المصادر أنّه "لا بدّ من التفريق بين حصانة النائب وطرق ملاحقته وأصول محاكمته وبين أصول محاكمة الوزير. فالنائب يُحاكَم أمام المحاكم العدلية بعد رفع الحصانة عنه، أمّا الوزير فلا يُحاكَم أمام المحاكم العدلية، بل أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، مشيرة إلى أنّ "القاضي بيطار طلب ملاحقة هؤلاء بصفتهم الوزارية وليس النيابية. وإذا كانوا أخلّوا فعلاً بواجباتهم الوظيفية فسيخضعون وفقاً للدستور للمحاكمة أمام المجلس الأعلى".

وتوضّح أنّ "الوزير يُتّهَم بثلثي أعضاء مجلس النواب، ومن الطبيعي إذا كان نائباً أن تُرفَع الحصانة عنه تلقائياً".

وفي سياق الإضاءة على الفوارق بين مقاربة القاضي فادي صوّان والقاضي بيطار، فإنّ المحقّق العدلي السابق أرسل بداية إلى مجلس النواب رسالة في 25 تشرين الثاني الماضي، طالباً منه التحقيق مع وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، ووزراء الأشغال السابقين غازي العريضي وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، ووزير المال الحالي غازي وزني، والسابق علي حسن خليل، ووزيرة العدل ماري – كلود نجم، ووزراء العدل السابقين أشرف ريفي وسليم جريصاتي وألبير سرحان، معتبراً أنّ "التحقيقات التي أجراها مع وزراء حاليين وسابقين أفضت إلى شبهات حول مسؤولية الوزراء وتقصيرهم".

وحين طلب مجلس النواب من صوّان الملفّ كاملاً مع ما يحتويه من شبهات "ليُبنى على الشيء مقتضاه"، كوّع الأخير مسلّماً بعدم صلاحيّة القضاء العدلي بملاحقة النواب والوزراء.

يومئذٍ أوكل الرئيس نبيه بري إلى النائب إيلي الفرزلي مهمّة إيقاف صوّان عند حدّه: "المجلس النيابي مُلزم بتطبيق القانون حسب أصول قانون المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، واعتبرنا أنّ ما أقدم عليه القاضي صوّان (الادّعاء) سهوٌ".

كان الردّ على خطوة القاضي صوّان أن قدّم النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر دعوى بالارتياب المشروع، ثمّ صدر قرار محكمة التمييز في 18 شباط الماضي بتنحيته ونقل ملفّ التحقيق إلى محقّق عدليّ آخر.

في ذلك، كانت محكمة التمييز تثبّت حصانة الوزراء ورئيس الحكومة، وفقاً للنصوص القانونية والدستورية. فهل يكون القاضي بيطار أمام سيناريو مشابه لجهة عدم صلاحيّة المحقّق العدلي بملاحقة الوزراء ورئيس الحكومة؟ وهل يلقى ردّة فعل مشابهة بعد تسليمه المُسبق بصلاحيّة القضاء العدلي بمحاكمة الوزراء أثناء تولّيهم مهامّهم، وهو ما يُعدّ مخالفة قانونية صريحة؟

هذا في المنحى القانوني الذي يجرّ أيضاً إلى سلسلة أسئلة في شأن ملاحقة ومحاكمة القضاة الذين قد يثبت تورّطهم بالتقصير والإهمال.

في الختام، وقع بيطار في سلسلة أخطاء، الأيام المقبلة كفيلة بكشف ما إذا كانت مع سبق الإصرار، وما هو الهدف منها.

المصدر : أساس ميديا