عام >عام
بين غلاء الأسعار ومجتمع المظاهر: "على قدّ مصرياتك مدّ فاتورتك"!
الخميس 4 08 2016 11:01
اجتاحت صورة فاتورة بلغت قيمتها 623500 ليرة لبنانية، أي ما يعادل 415.67 دولار أميركي، في أحد مطاعم الروشة، وسائل التواصل الاجتماعي، مُحدِثةً "طنّة ورنّة"، معيدة إلى الأذهان الجدل البيزنطي القديم الجديد بين غلاء الأسعار من جهة ومجتمع المظاهر من جهة ثانية.
سريعًا، انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى ثلاثة أقسام، قسمٌ عبّر عن دهشته واستغرابه لقيمة الفاتورة المرتفعة، وقسمٌ ثانٍ اعتبر الأمر عاديًا وطبيعيًا، وقسمٌ ثالثٌ حوّل الموضوع إلى "نكتة"، ساخرًا من اللبنانيين الباحثين دومًا وأبدًا عن "الفخفخة" و"البريستيج".
هكذا، اقترحت جويل بطرس الاتصال بالقيّمين على موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية لأنّ المطعم المذكور يستحق جائزة عن "أغلى قطعة بطيخ"، واعتبرت "رولا الرايقها معها" أنّ العريس من اليوم فصاعداً يجب أن يأخذ معه صحن فواكه من هذا المطعم بدل أن يأخذ "البقلاوة" حين يذهب لطلب يد العروس، في حين أعطى عباس زهري الموضوع بعداً ساخراً بقوله أنّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عبّر عن قلقه بسبب ارتفاع اسعار المطاعم في لبنان.
في مطلق الأحوال، فإنّ أيّ فاتورة ندفعها تستأهل ذات الاندهاش والصدمة، برأي الزميلة سناء خوري، ببساطة لأنّنا يفترض أن ندفع ربعها، قياساً مع الرواتب والخدمات والضرائب التي ندفعها. وقالت خوري: "تعالوا نصوّر فواتيرنا كلّ أوّل شهر، ونعمل حفلة بكاء ولطم. ولنحاول أن نعود لفواتيرنا من 3 سنوات مثلاً، ونقارنها مع ما ندفعه الآن عن ذات السلع".
قد يكون ما قالته خوري صحيحاً، ولكنّ عدداً كبيراً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا أنّ كلّ الخيارات مُتاحة أمام اللبنانيين، فهناك مطاعم غالية وأخرى "ع قدنا"، كما قال أسامة نور الدين، الذي اختصر المسألة بالقول: "ع قد بساطنا نمد إجرينا"، فيما استهجن كريم الضجّة المُثارة حول الموضوع بإشارته إلى أنّ المقاهي الغالية موجودة منذ ما قبل الانتداب الفرنسي، مستغرباً كيف وعى "الشعب العظيم" الآن أنّها غالية.
الحلّ بسيط برأي فيصل الأشمر، فمن يشكو من غلاء أسعار المطاعم يمكنه مقاطعتها، "فهي ليست تاتش أو ألفا حتى لا نستطيع العيش من دونها". إلا أنّ هذا الحلّ بدا مستعصياً، بالنظر إلى طبيعة المجتمع اللبناني، أو "مجتمع المظاهر" كما وصفه العديد من رواد مواقع التواصل، وفي مقدّمهم محمود رطيل الذي أطلق شعار "على قد مصرياتك مد فاتورتك"، وانتقد كيف أنّ "اللبناني يقترض ليفخفخ ويجغل، ويعيش بالقرف وبالدين ليظهر اغنى وافضل من غيره"، وقال: "هو يستطيع أن يشرب فنجان قهوة بألف ليرة تحت البيت، وبأربعة آلاف في مقهى مرتب، لكنه يدفع 15 ألف حتى ينشر صورته على وسائل التواصل".وأيّدت زينب عاشور رطيل في ما ذهب إليه، فقالت: "الذي يملك المال ويستطيع أن يدفع، الله يهنيه ويرزقه، والذي لا يستطيع لا داعي لتحميل نفسه فوق طاقته في سبيل الفخفخة"، لتتلاقى بذلك مع غنوة دبوق التي قالت: "من لديه المال ويحبّ أن يجلس في هذه المطاعم، فهو حر، ومن لا قدرة له على ذلك، فليس مضطراً للذهاب والقول أنّه سُرِق. هناك 100 محل أرخص و1000 محل أغلى، وكل واحد يذهب إلى المكان الذي يناسبه ويناسب وضعه الاقتصادي".
بالتوازي، خرج العديد من الناشطين ليلوموا ناشري الفاتورة، حيث لفتت رشا أبي حيدر إلى أنّ هؤلاء لا شكّ اطّلعوا على الأسعار قبل أن يطلبوا ما طلبوه، وكانوا يستطيعون أن يستأذنوا ويغادروا بكلّ بساطة في حال لم تعجبهم، فيما ذكّر مهنّا الجميع بأنّ هناك شيئاً اسمه "menu"، مستهجناً ما أسماها بـ"الهمروجة"، فيما اعتبر محمد منذر كلّ الانتقادات "بلا طعمة"، لافتاً إلى أنّ المطاعم الكبيرة تدفع ملايين الدولارات للاستثمار، وأسعارها لن تكون بطبيعة الحال كأيّ مطعم صغير.
أن تكون class وصاحب prestige لا يعني أن تدفع مبالغ خيالية، بل أن تدفع "صحّ". هذا ما قاله أحمد ياسين، ولعلّه يختصر المعادلة، لتبقى المسؤولية أولاً وأخيراً بيد المستهلِك، الذي وحده يقرّر أين وكيف ينفق أمواله، فيغلّب الفخفخة على الاقتصاد أم العكس...