عام >عام
الصالحاني... جنّة جنوبية منسيّة في سجلات لبنان ومحفورة في ذكريات التاريخ
الاثنين 8 08 2016 13:29
في نقطة تتعانق فيها تلال ياطر وزبقين، ترقد بقايا بلدة لا تملك اليوم إلا الاسم وموقعاً مميزاً على خريطة لبنان. الصالحاني أو ما يعرف بمرزعة الصالحاني، هي قرية جنوبية تقع في قضاء بنت جبيل وتبعد عن اسرائيل كيلومترًا واحدًا، هجرها أهلها منذ أكثر من 30 سنة، وباتت في عداد القرى المنسيّة، حتى على سجلات النفوس.
تُعدّ أرض بلدة الصالحاني أرضا مميزة خصوصاً على صعيد الزراعة كون تربتها حمراء غنيّة ببقايا الصخور، ويحيط بها عدة قرى وهي رامية والقوزح وبيت ليف، كما تشتهر باحتوائها على الينابيع كنبع العسل، وترتفع عن سطح البحر نحو 750 متراً. وتعود تسمية البلدة إلى رجل دين صالح سكنها يدعى محمد الصالحاني.
كان عدد سكان البلدة كبيرًا قبل أن يتشتّتوا في القرى المحيطة وباقي القرى الجنوبية، فانقطع نسل القرية منذ عشرات السنين وبقيت فيها عائلة واحدة هي آل الحلس قبل أن يهجروها في بداية الثمانينات.
لهجرة أهالي الصالحاني أسباب عديدة منها أمنيّة ومنها اجتماعيّة. ويروي المؤرّخون أنّها كانت مجاورة لمنطقة تتواجد فيها قبائل العرب مثل قبائل القليطات والعرامشة الذين كانوا يعيشون من السلب، ما عرّض البلدة لغارات القبائل من وقت لآخر، فنزح اهلها دون عودة بسبب كثافة الغارات. كما أنه حينما كان يقتل شخص قديما في بلدة محددة، يُتّهم كل اهاليها بالقتل حتى تسليم الفاعل. وكان قد قتل بدوي من قبائل العرب، فشنّت قبيلة غارة كبيرة على الصالحاني بحثاً عن القاتل ودمروا جزءا منها فخاف اهلها وهجروها وتشتتوا في أكثر من بلدة.
وفي زمن الانتداب الفرنسي، كان المندوب الفرنسي في منطقة الجنوب آنذاك بيشكوف يتمتع بصلاحيات مطلقة، فأهدى أراضي البلدة المذكورة إلى أحد الرجالات المؤيدة للفرنسيين ويدعى رزق الله نور من بلدة عين ابل فأصبحت كلها له.
وفي عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، الذي كان كثير التردّد إلى البلدة، تم توزيع ما تبقى من أراضي الصالحاني لأشخاص مؤيدين له.
تراب الذكريات
في جولة في بلدة رامية المجاورة، التقينا الحاجة سلوى الحلس من الصالحاني التي هي من العائلة الأخيرة التي سكنت البلدة. فجالت معنا في القرية مسترجعة ذكريات مرّت عليها عشرات السنين.
تمشي سلوى في الأنحاء باكية ومتذكرة للأحداث، وتتنقل في زوايا منزل أهلها الذي لم يبقَ منه سوى حجارته القديمة.
تحنّ سلوى إلى تراب الأرض التي تربّت وعاشت فيها مع إخوتها العشرة الذين كانوا ينامون في غرفة واحدة لا تتعدى مساحتها الأمتار القليلة. وتروي لنا كيف قتل عمّها، وهو آخر من سكن البلدة، في العام 1983 على أيدي مجهولين رموا قنبلة يدوية على منزله، فمات وزوجته. وهكذا انتهت قصة القرية الجميلة المنسيّة.
بدأ متبرعون بترميم المسجد في البلدة، وقد يكون هذا الترميم أول مؤشر لاحياء البلدة المهجورة، وقال رئيس بلدية رامية "اننا نعمل على اعادة الاهالي إليها عبر تعبيد الطريق لتكون مقصداً سياحياً"، مشددا على أنها "مقصد لكل منطقة الساحل وتعدّ من أكثر المناطق الحرجية في المحيط".
الصالحاني، البلدة الجميلة المنسيّة في ذاكرة الدولة، يمكن أن تكون من أكثر المناطق السياحية لو اهتمّت فيها. فهل يمكن أن تعود على لائحة البلدات اللبنانية بعد قرار بلديّة رامية بتأهيل طرقاتها وتحسين الوضع فيها؟